بالتزامن،
صدرت للقاص شوقي كريم مجموعتان قصصيتان ورواية، في انجاز
ابداعي نادر الحدوث في الفضاء السردي العراقي. وعرف كريم
بمثابرته في المجال الادبي، بوصفه روائيا وقاصا يقارع الفراغ
واليأس بالانجاز والعطاء، ويواصل برغم تسارع الاحداث وتشابك
تعقيدات المشهد العراقي، الانتاج الفكري على جبهة السرد، دون
هوادة ولا كسل او تراجع. فقد صدرت له خلال العام رواية (لبابة
السر) ضمن سلسلة السرد الصادرة عن دار الشؤون الثقافية العامة.
وهي من الروايات الطويلة حيث تقع 464 صفحة، واحتشدت بالرؤى
التاريخية والهموم الراهنة والتطلعات المنشودة. وقال الدكتور جاسم
الخالدي في مقدمة عن الرواية (انها تحاول ان تغادر الواقع وتغوص
في الازمان السحيقة، اذ عاش الانسان تحت سلطة الالهة وكهنتها
المشغوفين بالحياة الباذخة في حين تحمل الانسان نزق الالهة وظلمهم
الذي وصل الى حد انتهاك حقوقه من دون ادنى شعور بالمسؤولية تحت
ذرائع شتى لا تخلو دائما من الوازع الديني والاجتماعي. فلا ضير
اذا هتكت المحارم وفكت بكارات العذارى امتثالا لتعاليم الالهة المزيفة
واطاعة اوامر الملك الذي كثيرا ما كان يمارس صنوف الرذيلة امام
مرأى ومسمع الاخرين، وهو ما حول المعابد من معابد فضيلة الى معابد
رذيلة، يمارس فيها كل ما يحقق رغبات الملك والكهنة وما يهدر
فيها كرامة الناس ظلما وعدوانا). وفي رؤية اخرى فان الرواية
محاولة لاسقاط الماضي السحيق على واقع يعيشه الروائي وينوء تحت
ضغطه عامة الناس، لكن الروائي فضل سرد احداث الماضي على لسان
شخصيات مستعارة للايهام بان الاحداث لا تمر او تتوالد الا في محيط
(عرش مردوك) واروقة معابد بابل واشور. وكان الروائي قد اصدر
في وقت واحد مجموعتين قصصيتين بعنوان (ليلة المرقد) وتضمنت 22
قصة، قال كريم انها نشرت في جرائد ومجلات عراقية وعربية وترجم
بعضها الى لغات اخرى. وللدلالة على الخصوصية الاسلوبية لهذه القصص
فان الروائي اشار في الغلاف الاخير للمجموعة الى انه (حين نحاول
الكتابة عن وطن مليء بالحكايات والاساطير علينا ان نتوقف كثيرا عن
الشكل الذي يتوجب ان نلبسه لهذا السرد، ليكون حيا ومؤثرا وهذا ما
تطمح اليه وتؤكده مسرودات ليلة المرقد المستلة من منابع ليالي
الكوانين السومرية).. اي ما يعني ان الروائي ظل ينهل من
ارث الماضي، ليرسم عبر تجليات صوره حاضر يتعذر على الروائي،
برغم ما يمتلك من شجاعة معهودة عنه، ان يكشف آثامه وفواجعه
المعاشة يوميا وتفصيليا.
اما المجموعة الثانية فانها حملت عنوان (قطار احمر الشفاه) وتتألف
من 22 قصة ايضا يتصدرها مجتزأ من شكسبير يتحدث عن العزاء والبؤس
ومخادعة الطاغية وارادته المتعجرفة. وتتسم اسلوبية كريم بالتقاط
الموضوعات غير المطروقة وكشف ابعادها الاجتماعية اللامنظورة، من
خلال استعارات تاريخية ماضوية وشخوص هلاميين احيانا، لكنهم
يتحركون بإرادة الطغاة وعقلية الظالمين الذين ظلوا على مدار التاريخ
وراء فواجع البشرية وكوارث الحقب بكل ما تحفل به من دمار ودم وسحق
ارواح دون رحمة.