نجاح هادي كبة
رواية الحلم العظيم لأحمد خلف صادرة عن دار المدى ، دمشق ، العام 2009م ، ط1 بحدود ( 303 ) صفحة من القطع المتوسط وفيها بطل أساس مؤلِّف قصص وروايات يدعى عبد الله ، مع ان الرواية بوليفونية وليست منولوجية ، لان فيها عدة شخصيات تأخذ أدواراً محدودة ، والرواية تسير أحداثها بخطين متوازيين متصلين ومنفصلين في الزمكان نفسه ، يقوم بالاحداث الاولى بطل مؤلف الروايات والقصص في حين يقوم بالاحداث الاخرى ثلة من السياسيين الذين يرومون تحقيق حكم يساري مستخدمين الكفاح المسلح ، يقول فاضل ثامر : ( الرواية تدور زمنياً في أواخر ستينات وبداية سبعينات القرن العشرين ولامست من خلال " مرقاب " الولد العشريني بطل الرواية الكثير من الأحداث الاجتماعية والسياسية العاصفة التي عاشها العراق ومنها مشاركة عدد من المناضلين اليساريين العراقيين ... في اشعال انتفاضة الاهوار في جنوب العراق ) " رواية الحلم العظيم بوصفها رواية اشكالية ، الحوار المتمدن عن الانترنيت " إلّا أن الجنس يأخذ دوراً مهماً في الرواية اذ يتورط البطل الاساس بقتل زوج المرأة " عفيفة " التي أحبها بالتواطئ معها ويبدو ان بطل الرواية ذو شخصية متمردة فهو لا يقر له قرار في اتخاذ مواقف متجانسة فهو حين مارس عملية قتل زوج المرأة التي أحبها كان يرتبط بعلاقة صداقة مع ثلة السياسيين بل وصل به الامر التعاون معهم ان يثقوا به ليخفوا عنده اسلحة ومتفجرات : ( الحزب لديه أصدقاء كثيرون وهو يضع ثقته فيهم تماما – واضح جداً .... وحالما غادرت الأم غرفة ابنها ومعه الضيف – لن أترك الحقيبة اكثر من يومين أو اكثر بقليل – إذا مضت الليلة بسلام ، لتبق الحقيبة شهراً كاملاً ) ص : 182 .
وهناك إشارات أخرى تؤكد التمرد والقلق في شخصية بطل الرواية الأساس مما يؤكد انه شخصية وجودية متمردة ( كان يقول لنفسه : من أنت يا ماجلان لكي تعهد لنفسك مهمات فوق طاقتك ..؟ من البحث عن جلال كريم الى إخفاء أسلحة يستخدمها غيرك في مهمات لا تعنيك ولا تخصك أبداً ... لا تعرف ماذا تريد من حياتك الآن ) ص : 180 ، وفي حوار له مع أحد السياسيين أكد هذا السياسي الوجودية النفسية لبطل الرواية ( يا لخيبة الكتابة ويا لتعاسة الذين يكتبون ... أيعنيك الآخرون الى هذا الحد ؟ ألم يكونوا في رأيك يوما ما أنهم الجحيم ؟ من هو القائل " الآخرون هم الجحيم " ان لم تكن أنت فمن يكون غير فيلسوفك الذي أولعت بقراءة مؤلفاته ، كنت دائما تتأبط أحد أجزاء دروب الحرية ) ص : 124 .
وترجع وجودية البطل النفسية مما كان يتلقاه وهو على مقاعد الدراسة والكتب القليلة التي يحصل عليها : ( الاغراء المجاني للكتب القليلة التي نحصل عليها من بعض معارفنا أو أساتذة اللغة العربية والاسئلة تتناسل في النفس كالدوامة ما معنى الحرية وما شكلها ؟ ، وكان الاساتذة يرددون أمامنا ؟ " الحرية تؤخذ ولا تعطى " ) ص : 15 . وأصبحت حريته في التناقض المستمر بين ما يراه وبين ما يحلم به ويتمناه ، وما يريده أمر من المحال الوصول إليه ، وهو كالوجوديين يقلل من قيمة التاريخ إذ حاور صاحبه ( – أين عثرت على الورقة الملفقة ضد المنصور ؟ – انها من كتاب تاريخ الطبري يا مثقف – ومن هو الطبري وما أدراك أنه ليس مغرضاً ويكره المنصور ؟ ) ص : 59 ، كان متمرداً ( كان في صراعه العنيف مع جارته التي تولعت بحبه ، بين مد وجزر ، يريدها ولا يميل إليها في ساعات ، يشتهيها ، ولا يفكر في الاستمرار معها ، كان ممزق الخاطر ، يكتب ساعة لينفجر بالضحك ساعة أخرى ص : 44 .
مسألة الحرية
ان أهم ما ركزت فيه الوجودية مسألة الحرية في الاختيار والتجاوز والانضواء حتى عدّت عدم الاختيار هو اختيار ، لقد هدفت الفلسفة الوجودية من وراء ذلك الى إطلاق المكبوت من الأغلال التي تحيط تفكير الانسان لكن الحرية الوجودية تصطدم في أحيان كثيرة بالواقع من عدم قدرة الانسان على التجاوز والانضواء لتحقيق حريته ، لان الفلسفة الوجودية هي علاقة الأنا بالآخر ) " دراسات ثقافية في الفكر والتاريخ ، نجاح هادي كبة ، دار أمل الجديدة ، دمشق ، 2020م ص :48 " وكان بطل الرواية يصر على اختياره ولا يستسلم لرأي الاخر ( كان يلذ له العناد معهم ، وهو يعلم ان ثمة أحداً أفضل من أحد غيره ، لكنه لم يشأ الاستسلام لرأي الآخر ... انه يصّر على ما لا يقبلون ) ص : 69 .
ولعل الحلم الذي رآها بطل الرواية وسُرِدَ من الراوي العليم أو الضمني خير دليل يؤكد القلق والاحباط والتشاؤم والشعور بالألم وهذه الصفات التي أفرزها الحلم تؤكد وجوديته : ( حلم واحد ظل يطارد المؤلف لعدد من السنين ، كلما ركن الى النوم في ليل الشتاء ، متدثراً بالغطاء الصوفي السميك ... حيث يستيقظ والعرق يتصبب من جبهته وسالفيه وكان الرجل بملامحه الغامضة يلوح به في بئر عميق ليلقية دفعة واحدة الى قاع لا قرار له ، ثم يعاود الرجل الكرة الثانية ... كان سريعاً بين يديه ... كان صراخه يتعالى ولا أحد يسمعه وكانت عيناه مفتوحتين على سعتيها وفمه مفغوراً ولا من معين أو منفذ له في ليل محنته الطويل فكر جاداً في إحدى الليالي الذي استيقظ فيها مذعوراً ان يبوح لأحد من أهله أو من رفقته واصحابه بما يحصل له في النوم ، ولكن هيهات ، هو يعلم أنهم سيسخرون منه ومن احلامه المضحكة ) ص : 66 ، يقول : د. علي كمال ( إن احلام الفرد مهما كانت طريقة تكوينها ومهما كانت محتواها ، فانها تعكس الواقع النفسي الشخصي للفرد بما في ذلك تجاربه وحاجاته وآماله ومخاوفه وتوقعاته ، الى غير ذلك من العناصر التي تتكون منها حياة الفرد النفسية الخاصة ) " أبواب العقل الموصدة باب النوم وباب الاحلام ، ح2 ، دار واسط ، ط2 ، ص : 269 " . والاحلام بحسب فرويد ومؤيدوه من جماعة التحليل النفسي هي تنفيس للمكبوت في وعي الانسان ولاعيه تظهر في النوم وتعبر عما يمر به الفرد من آلام أو أفراح . لقد عكس الحلم الذي رآه بطل الرواية الألم والخوف والقلق الذي يعتريه في اليقضة ، ومن أفكار الوجوديين التي يتصف بها بطل الرواية الفناء والعدم ( ترى الوجودية ان العدم حقيقة الوجود الانساني ولذلك دعت الوجودية الى اغتنام لحظة اللذة للتخلص من التشاؤم والكآبة وطالبت الانسان ان يجدد حياته باستمرار والا فالعدم يرافقه بالحياة قبل الموت وبما ان الانسان يواجه عقبات كثيرة فلا تتاح له الفرصة ان يغتنم حياته في كل لحظة لذلك اتهمت الوجودية بأنها فلسفة خيالية تدعو الى القلق الذي يؤدي الى الكآبة والتشاؤم ) " دراسات ثقافية في الفكر والتاريخ ، المصدر نفسه ، ص : 47 " وفي نقاش بطل الرواية مع ثلة من أصدقائه السياسيين ( كانوا يضحكون فيما بينهم ومع أنفسهم لان أي واحد منهم لا يستطيع ان يتصور كيف تكون الحياة جوفاء ؟ سأله الولد الفلسطيني : هل تظن ان الحياة بلا معنى ؟ ولم يكن باستطاعته الاجابة بصورة مباشرة ، خشية التورط في سلسلة من الاسئلة الثقيلة الحرجة له – لست أدري ، ولكن أين يكمن المعنى ؟ فقال له الولد بثقة حازمة – يكمن المعنى في تغييرنا لها إن لم تكن تعجبنا ، والحق كانت عبارات من هذا النوع تبهره أول الأمر وتجعله في حيرة من أمره ... لذا ، فلا بد من اللجوء الى الصمت مجدداً – مثلا ؟ كيف سنغيرها ) ص : 70 وكانت بعض الكتب التي يقرأها قد غرست فيه الكآبة والتشاؤم ، ولا سيما قراءته لكتاب دستيوفسكي " رسائل من أعماق الارض " ( .. كنت في ذلك الحين في الرابعة والعشرين ، وكانت حياتي حتى في تلك الايام كئيبة مشوشة وكنت وحيداً وحدة الوحوش ولم أكوّن لي صداقات ، كنت أتعمد ان أتجنب الحديث ، واشتد في دفني لنفسي في الأعماق ، شيئاً فشيئاً ولم أكن أنظر الى أحد في الساعات التي أقضيها في مقر عملي ، وكنت مدركاً ادراكاً تاماً ان زملائي لم يكونوا ينظرون الي باعتباري شاذا فحسب ، وانما كانوا " وهذا ما كنت اتصوره دائما ينظرون إلي باشمئزاز " ) ص : 73 .
ويؤكد الراوي العليم أو " أنا الراوي الثانية " ذاتية بطل الرواية وانعزاله عن المجتمع : ( لقد تملكه الاحساس الثقيل بالعزلة عن الآخرين – معزول كالنقطة – تلك العزلة التي استطاع إستاذه الفلسطيني الاشارة إليها بقوة من خلال موجة من الضحك المتواصل كان الفتى قد وجد نفسه أسير تلك الموجة شديدة الاحتدام من ضحك صاخب أثار المارة من حولهم ، فقال الفلسطيني بعد تأمله طويلا – واضح انه ضحك لكنه كالبكاء . ) ص : 75 – 74 .ويصل حبه لذاته أقصى الدرجات السادية قال مخاطباً المرأة التي أحبها : اني افترسك ليس باسناني وحدها ، بل بكل أطرافي واصابعي وعيوني التهمك ليس باسناني وحدها ، بل بكل أطرافي وأصابعي وعيوني التهمك يا حبيبتي ، اتمنى لو أتوغل فيك ثم أبتلعك لانك جميلة حقا ، وأنا لا أقدر على مقاومة جمالك الجميل جدا ، هل تسمحين أن أغرز أسناني المسكينة في عضدك أو رمانة كتفك ، هل أتشمشم صدرك أو بطنك قليلا وقليلا جدا أقطم منك قطعة صغيرة من الشهد او السكر الذي تحملين ؟ آه يا حلوتي ما أسعدني ونحن معاً نسبح في ملكوت حبنا .. يا حبي .. ) ص : 87 .
مصطلحات وجودية
ومما يؤكد وجوديته توظيفه لمصطلحات وجودية وعبثية ( وقال المؤلف مع نفسه وهو يتذكر صورة أخيه ؛ حين قلت لشيماء ... أشعر بالغثيان كانت صورة شقيقي العسكري قد اختفت من رأسي وتبخر كلامه كأني تقيأته مع الكلمات عند باب البيت ، وهي تقف أمامي كطائر يوشك التحليق على انخفاض ) ص : 93 . ومعلوم ان مصطلح ( الغثيان ) و ( التقيء ) هما من مصطلحات الوجودية والعبثية وكذلك تأكيد البطل على مصطلح ( الاختيار ) ( لا أحد يستطيع أن يقدم لنا الحل ، لا أحد يختار مصيرنا سوانا ، نحن المعنيون بتصريف حياتنا ، أمورنا ، حبنا ، علاقاتنا ، مصالحنا ، أرباحنا وخسائرنا ، موتنا أو حياتنا ، نحن المعنيون بهذا وحدنا لا أحد ، لا أحد أبداً ، انت من ستختار سعادتك او تعاستك حياتك التي تريد ولا يريدها لك الآخرون ) ص : 100 .ولا بد من الاشارة ان لكل فلسفة ايجابيات ترافقها بعض السلبيات ولعل من سلبيات الوجودية إغراق الفرد بالذاتية التي أدت الى قتل بطل الرواية لزوج المرأة التي أحبها ما يذكرنا برواية " الجريمة والعقاب " لدستويفسكي إذ قتل راسكوليكوف بطل الرواية زوج إمرأة الضابط التي أحبهـا.