شيخ النحاتين في‮ ‬الشرق الأوسط والعالم‮ ‬

2020/09/20

رجاء حميد رشيد‮ ‬
التقيت شيخ النحاتين محمد‮ ‬غني‮ ‬حكمت رحمه الله مرتين‮ ‬،‮ ‬الأولى في‮ ‬منتصف تسعينات القرن الماضي‮ ‬وكنت أعمل مديرة قسم الرقابة والتدقيق الداخلي‮ ‬في‮ ‬دار الشؤون الثقافية العامة الكائنة في‮ ‬سبع ابكار ببغداد إحد تشكيلات وزارة الثقافة والأعلام حينها‮ ‬،‮ ‬عندما طرق باب مكتبي‮ ‬يسأل عن مطبوع له‮ ‬،‮ ‬ودعوته للجلوس واتصلت بزميلتي‮ ‬وصديقتي‮ ‬سناء سامي‮ ‬مسؤولة شعبة الإنتاج في‮ ‬المطبعة لتسلمه نموذجا مطبوعا أوليا لكراسه الفني‮ ‬الخاص بتخطيطات أعماله النحتية واحتساب كلفة الطبع‮ ‬،‮ ‬وهنا تعرفت على صاحب نصب شهرزاد عن كثب وكانت فرحتي‮ ‬لاتوصف فالحظ حالفني‮ ‬وشيخ النحاتين‮ ‬يجلس معي‮ ‬ويحدثني‮ ‬عن كراسه الفني‮ ‬المزمع طبعه في‮ ‬الدار وكان قراره متوقفا على كلفة المطبوع ليعطي‮ ‬الموافقة بالشروع في‮ ‬الطبع ام لا،‮   ‬كان حديثاً‮ ‬شيقاً‮  ‬عكس سمو ونبل أخلاقه‮ ‬،‮  ‬كان بسيطاً‮ ‬وودوداً‮ ‬في‮ ‬حديثه معي‮ ‬،‮  ‬كنت في‮ ‬بداية السنة الخامسة على تعييني‮ ‬في‮ ‬آفاق عربية،‮ ‬وهو قامة فنية عراقية‮ ‬يشار لها بالبنان‮  ‬فناناً‮ ‬كبيراً‮ ‬فنا وخلقا وأخلاقا‮ ‬،أعجب الفنان بأصص نباتات الزينة من اللبلاب ونجم البحر وبأغصانهما الممتدة على جدران‮ ‬غرفتي‮ ‬ونباتات الدنفباخية والهويا وسفينة نوح ودم العاشق التي‮ ‬غطت زوايا الغرفة بألوانهما الخضراء المشربة بالأحمر والأرجواني‮ ‬والروز الفاتح للوريقات المتفتحة عن براعمها‮ ‬،‮ ‬ولفتت نظره مجموعة الصور الورقية‮ ‬غير المؤطرة لقطط بيضاء جميلة بلقطات مختلفة لصقت‮  ‬على الحائط بين نباتات الزينة‮ ‬،‮ ‬وتعجب عند سماعه تغريده البلبل في‮ ‬القفص الذي‮ ‬فرض نفسه بدخوله‮ ‬غرفتي‮ ‬من الحدائق المحيطة بأقسام الدار بحكم طبيعة بنائها الأفقي‮  ‬ولم‮ ‬يقبل بحريته‮  ‬عند إطلاقي‮ ‬سراحه فاحتفظت به واسميته توتي‮ .‬
اتصلت‮  ‬مرة أخرى لمتابعة معاملته خجلا من تاخيره فبادرني‮ ‬قائلاً‮  " ‬أنا لست في‮ ‬عجلة خاصة وان كل شيء في‮ ‬مكتبك‮ ‬يضج بالحياة‮  ‬والجمال والأنوثة والطفولة معا‮ ‬،‮ ‬،وسألني‮  ‬هل تحبين القطط؟ فأجبته نعم أنا أحب الحيوانات تلك الكائنات اللطيفة تسعدني‮ ‬وأحبها وهي‮ ‬تحبني‮ ‬،‮ ‬ابتسم وهو‮ ‬يعلق على كلامي‮ ‬وكيف تعرفين أنها تحبك ؟ نعم أستاذ الحيوانات تحب وتحس بمن‮ ‬يحبها وتبادله نفس المشاعر فهي‮ ‬مثل البشر تماما وأحيانا مع احترامي‮ ‬يكونوا اكثر وفاء‮ ‬،‮ ‬سكت برهة ونظر إلى صور القطط وقال مخاطباً‮ " ‬اذن أنت صديقتي‮ ‬فحب القطط هي‮ ‬الصفة المشتركة التي‮ ‬تجمعنا فانا ايضاً‮ ‬أحب القطط ولدي‮ ‬نفس شعورك اتجاهها فهي‮ ‬فعلا كائنات تحب من‮ ‬يحبها وتربيتها تمنحنا مشاعر من السعادة نحن بحاجة لها‮ "‬،‮ ‬وتابع‮ " ‬ولكن للأسف زوجتي‮ ‬لاتحب القطط ولا توافق على تربيتها ودخولها بيتنا‮ ‬،‮ ‬مما اضطرني‮ ‬لتربيتها‮  ‬في‮ ‬مشغلي‮ ‬الفني‮ ‬،‮ ‬واخذ‮ ‬يحدثني‮ ‬عن قطته الجميلة وكيف تعاكسه وهو مشغول بعمل نحتي‮ ‬في‮ ‬مشغله وأنا حدثته عن قططي‮ ‬في‮ ‬البيت‮ ( ‬ليلو وأولادها انوش وبوبو‮ ) ‬،وبعد استلامه كراسه‮  ‬وقبل أن‮ ‬يغادر مكتبي‮ ‬متوجهاً‮ ‬إلى مكتب المدير العام‮  ‬وجه لي‮ ‬الدعوة لزيارته في‮ ‬مشغله ومشاهدة أعماله النحتية وقطته الجميلة في‮ ‬الأستوديو الخاص به في‮ ‬شارع‮ ‬14 رمضان ببغداد‮ (‬كان هنري‮ ‬زوفوبودا صديقه الهنغاري‮ ‬الأصل قد صمم ونفذ أستوديو محمد‮ ‬غني‮ ‬قرب مطعم الساعة‮...) ‬وكان هذا أول أستوديو في‮ ‬العراق عام‮ ‬1964? كان قد صممه على الطريقة الايطالية كان هنري‮ ‬كما‮ ‬يقول‮: ‬محمد‮ ‬غني‮ "  ‬عنده نظرة فنية خاصة،‮ ‬وله علاقات جيده معنا،‮ ‬وكان مدرسا متميزا‮  ‬في‮ ‬كلية الهندسة‮ " ‬،‮ ‬ولكن للأسف لم تسنح‮  ‬الفرصة لتلبية الدعوة ومرت الأيام والأعوام‮.‬
أما لقائي‮ ‬الثاني‮ ‬والأخير معه‮  ‬في‮ ‬عام‮ ‬2010  و كان قد تجاوز الثمانين من عمره خلال تلبيتي‮ ‬للدعوة التي‮ ‬وجهتها لي‮ ‬السيدة صفية السهيل عضوة‮  ‬البرلمان العراقي‮ ‬عن محافظة بغداد‮  ‬آنذاك‮  ‬خلال أقامتها حفلا بمناسبة‮ ‬يوم بغداد والاحتفاء بشيخ النحاتين الفنان محمد‮ ‬غني‮ ‬حكمت في‮ ‬حديقة منزلها الكائن في‮ ‬حي‮ ‬القادسية‮ / ‬مجمع الوزراء‮ ‬،‮ ‬كان حفلاً‮ ‬رائعاً‮ ‬من حيث التنظيم والترتيب‮ ‬يليق ببغداد ونحاتها صاحب‮  ‬أشهر النصب الفنية كهرمانة وشهرزاد بغداد والحرية‮ ‬،‮ ‬حضر الحفل حشد كبير من المثقفين والاكاديمين والفنانين التشكيلين والإعلاميين وعدد من السفراء والدبلوماسيين الأجانب‮  ‬،‮ ‬وقدم الحفل زوج‮  ‬السهيل السياسي‮ ‬الكردي‮ ‬وزير حقوق الإنسان العراقي‮ ‬السابق‮  ‬بختيار جبار محمد أمين‮  ‬حيث قدم السيرة المهنية والفنية للفنان باللغتين العربية والانكليزية،‮  ‬كما تخلل الحفل بعض الفقرات الفنية المتنوعة التي‮ ‬أضفت جوا جميلا للحفل مع عشاء فاخر على أنغام المقام العراقي‮ ‬في‮ ‬الخيمة العربية التي‮ ‬اتخذت جانباً‮ ‬من حديقة المنزل الجميلة محاذيه للمسبح‮ ‬،‮ ‬لم تسنح لي‮ ‬ألفرصه للتحدث أليه عن قرب لمغادرته الحفل بعد الانتهاء من تقديمه والحديث عن سيرته‮  ‬،‮ ‬وللأسف التقطت عدة صور معه ولكن التقنيات الحديثة والهواتف الذكية من سلبياتها فقدان الصور عند إجراء أي‮ ‬تغيير بالهاتف مما‮ ‬يؤثر على كل البرامج ويؤدي‮ ‬إلى فقدانها وكان المفروض حفظ الصور في‮ ‬مكان امن آخر‮.‬
بدايات محمد‮ ‬غني‮ ‬حكمت‮ ‬
ولد محمد‮ ‬غني‮ ‬حكمت ببغداد في‮ ‬مدينة الكاظمية في‮ ‬سنة‮ ‬1929? ومنذ أن كان صغيراً‮ ‬وتحديداً‮ ‬في‮ ‬عمر الرابعة بدأت ميوله واهتماماته الفنية بالظهور فكان‮ ‬يقوم بتشكيل التماثيل والأشكال من الطين المتشكل أثناء فيضان دجلة،‮ ‬التحق بمدرسة الكاظمية الأميرية عام‮ ‬1936? وتعلم صنع القوالب من الجِبس من عبد الحسين محروس،‮ ‬والذي‮ ‬كان موظفاً‮ ‬حينها في‮ ‬متحف التاريخ الطبيعي‮ ‬،عندما كان طالباً‮ ‬في‮ ‬المرحلة الثانوية علمه أستاذه رشاد حاتم كيف‮ ‬يرسم المنظور فكان لهذا الأستاذ أثرٌ‮ ‬كبيرٌ‮ ‬عليه وتأثر بشكلٍ‮ ‬كبيرٍ‮ ‬بأسلوبه‮ ‬،بعد أن أنهى دراسته في‮ ‬مدرسة الكاظمية التحق محمد‮ ‬غني‮ ‬حكمت بمعهد الفنون الجميلة حيث في‮ ‬بغداد،‮ ‬وهناك تأثر كثيراً‮ ‬بمدرّسه جواد سليم والذي‮ ‬كان قد عاد حديثاً‮ ‬من دراسته في‮ ‬إنكلترا‮ ‬،‮ ‬العلاقة بين التلميذ والمعلم تحولت إلى صداقةٍ‮ ‬عميقة وخاصةً‮ ‬بعد انضمام حكمت لجماعة بغداد للفن الحديث،‮ ‬بعد أن تخرج من المعهد في‮ ‬سنة‮ ‬1953 سافر لروما من أجل استكمال دراسته،‮ ‬ليحصل من هناك على دبلومٍ‮ ‬في‮ ‬النحت في‮ ‬سنة‮ ‬1959? وعلى شهادةٍ‮ ‬من معهد لازكا بصناعة الميداليات في‮ ‬1956 ?بعد ذلك انتقل إلى فلورنسا من أجل الاختصاص في‮ ‬صب البرونز،‮ ‬وحصل على شهادةٍ‮ ‬في‮ ‬اختصاصه هذا في‮ ‬سنة‮ ‬1961. 
لم‮ ‬يكن أحد من أفراد عائلته قد مارس فن الرسم أو النَحت،‮ ‬وتُعتبر أُسرته من الأُسر المُحافظة حيثُ‮ ‬كان‮ ‬يَنظر البَعض إلى فَن النَحت على أَنه من الأُمور المُحرمة في‮ ‬نظر الشرع‮ ‬،‮ ‬استناداً‮ ‬إلى مقابلة مع النحات محمد‮ ‬غني‮ ‬حكمت ذكرَ‮ ‬فيها أنَّ‮ ‬قد‮ ‬يكون هُناك أثر لِطفولته في‮ ‬سبب اختياره لهذه المِهنة،‮ ‬حيثُ‮ ‬كانَ‮ ‬يَذهب إلى نَهر دجلة وَيعمل من الطين الحر أَشكالاً‮ ‬لحيوانات أو قد تكون الزخارف والمقرنصات والقباب التي‮ ‬كانت تزين الأضرحة في‮ ‬مدينة الكاظمية الأثر الخفي‮ ‬في‮ ‬نُزوعه إلى فن النحت‮.‬
الجوائز والمشاركات
يعد محمد‮ ‬غني‮ ‬حِكمت من الأعضاء المؤسسين لِجماعة الزاوية وتجمع البُعد الواحد،‮ ‬وعضو في‮ ‬جَماعة بغداد للفَن الحَديث حيثُ‮ ‬ساهم في‮ ‬الكَثير من مَعارضها،‮ ‬وكان عضواً‮ ‬في‮ ‬جمعية الفنانين التشكيليين العراقية منذ تأسيسها،‮ ‬لَه دور فعال في‮ ‬المعارض الوَطنية المَحلية والدَولية،‮ ‬كما أقام عِدة معارض شَخصية في‮ ‬روما،‮ ‬وَبيروت،‮ ‬ولندن،‮ ‬وَبغداد‮.‬
وحصل حكمت على العديد من الجوائز،‮ ‬منها ما هو محلي‮ ‬ومنها ما هو عالمي‮ ‬ففاز في‮ ‬عام‮ ‬1958 بحائزة تقدير من عمدة روما‮ ‬،في‮ ‬العام التالي‮ ‬حصل على جائزة تقدير من المعرض العالمي‮ ‬فيا مارغوتا،‮ ‬وفي‮ ‬عام‮ ‬1964 حصل على جائزة كولبنكيان وسمي‮ ‬أفضل نحاتٍ‮ ‬عراقيٍ‮ ‬لذلك العام‮ ‬،في‮ ‬عام‮ ‬1994 منحته وزارة الثقافة اللبنانية جائزة الدولة اللبنانية،‮ ‬وفي‮ ‬عام‮ ‬2002 منحته جامعة الدول العربية جائزة تقدير‮ ‬،‮ ‬في‮ ‬عام‮ ‬2010 فاز بجائزة تكريم الإبداع العربي‮ ‬عن انجازات العمر‮ ‬– قطر،‮ ‬وفي‮ ‬عام‮ ‬2015 اختيرت نافورة كهرمانة كرمز للتراث الوطني‮ ‬في‮ ‬الذكرى السبعين للأم المتحدة‮.‬
أسلوبه‮ ‬
تظهر في‮ ‬تجربة النحات محمد‮ ‬غني‮ ‬حكمت سمات أسلوبية ناتجة عن تأثره‮ "‬بالنحت السومري‮ ‬والأختام الأسطوانية السومرية بما تتركه من تعاقب الأشكال المستطيلة المستدقة في‮ ‬الطين الذي‮ ‬تطبع فيه وهو أمر ظاهر في‮ ‬العديد من أشكاله‮"‬،‮ ‬وَلدى محمد‮ ‬غني‮ ‬نبرة تعبيرية تذكر الناظر إليها بالنحت الآشوري‮ ‬أو البابلي‮ ‬أو الأكدي،‮ ‬ومنذُ‮ ‬منتصف الستينيات تحول محمد‮ ‬غني‮ ‬في‮ ‬نحته إلى فن العمارة الزخرفية ثم أعتمد على نظام تكراري‮ ‬يتشكل بوحدة نظامية أساسها الحرف العربي‮ ‬واتجه كُلياً‮ ‬إلى نماذج وتشكيلات وتكوينات جاءت نتيجة متابعة تجريدية لأشكال تشخيصية سبق أن عالجه‮.‬
عبرَ‮ ‬مُحمد‮ ‬غني‮ ‬حكمت عن نفسه في‮ ‬مُقدمة كتابه عام‮ ‬1994 قائِلاً‮ "‬من المحتمل أن أكون نُسخة أخرى لروح نَحات سومري،‮ ‬أو بابلي،‮ ‬أو آشوري،‮ ‬أو عباسي،‮ ‬كان‮ ‬يُحب بلده‮".‬
انجازاته‮ ‬
صمم‮  ‬حكمت مَجموعة من التَماثيل والنُصب وَالجداريات في‮ ‬بَغداد،‮ ‬وَمن أهمها‮:‬ِتمثال شهريار وَشهرزاد‮ ‬،‮ ‬نَصب كهرمانة في‮ ‬ساحة كهرمانة وَسط بغداد‮ ‬،‮  ‬علي‮ ‬بابا والأربعين حرامي‮ ‬،‮ ‬تمثال عشتار في‮ ‬فندق عشتار شيراتون،‮ ‬وهوَ‮ ‬أحد فنادق وَمعالم بغداد المَعروفة‮ ‬،‮  ‬حمورابي‮ ‬،‮ ‬جِدارية مدينة الطب‮ ‬،‮ ‬تمثال للشاعر العربي‮ ‬المَعروف أبو الطَيب المُتنبي‮ ‬،‮ ‬نَصب الحرية‮: ‬من إعداد النَحات المعروف جواد سليم ويعد هذا التَصميم مُجسداً‮ ‬لمسيرة الشعب العراقي‮ ‬من زَمن الاحتلال البريطاني‮ ‬إِلى العهد الملكي‮ ‬ثُم النظام الجمهوري‮ ‬حَتى وافاه الأجل،‮ ‬وَأكمل محمد حكمت إنجازه‮ ‬،‮ ‬نصب إنقاذ الثقافة‮ ‬،‮ ‬نصب الفانوس السحري‮ ‬،‮ ‬نصب العراق‮ ‬ينهض من جديد‮.‬
كَما أنجز حِكمت في‮ ‬ثمانينات القرن الماضي‮ ‬إحدى بوابات مُنظمة اليونيسيف في‮ ‬باريس وَثلاث بوابات خشبية لِكنيسة تيستا دي‮ ‬ليبرا في‮ ‬روما لِيكون بذلك أول نحات عربي‮ ‬مُسلم‮ ‬ينحت أبواب كنائس في‮ ‬العالم،‮ ‬فضلاً‮ ‬عن إنجازه جدارية الثَورة العَربية الكُبرى في‮ ‬عَمان وَأعمال مختلفة وَمتنوعة لَه في‮ ‬البحرين تَتضمن خمسة أبواب لِمسجد قديم وَتماثيل كبيرة وَنوافير‮ . ‬
أشهر أقوال محمد‮ ‬غني‮ ‬حكمت
إن أعمالي‮ ‬يمكن أن تكون طريقاً‮ ‬لفكرة أو استمراراً‮ ‬لها‮ ‬،‮ ‬لقد اكتشفت إمكانية عمل التجريد في‮ ‬النحت الحديث من خلال مواضيع وأشكال محلية بدون أن‮  ‬أتطرق إلى أي‮ ‬نحات أوربي‮ ‬،‮ ‬وقادتني‮ ‬تجربتي‮ ‬إلى وضع بعض المفردات من الأبواب في‮ ‬تماثيلي‮ ‬،وأدخلت من جانب آخر بعض مفردات تماثيلي‮ ‬من الأبواب التي‮ ‬اصنعها‮ ‬،‮ ‬وكل باب‮ ‬يجمل شكلاَ‮ ‬مغايراً‮ ‬يختلف عن الباب الأخر‮ ‬،‮ ‬هدفي‮ ‬هو توجيه الأنظار إلى إمكانية الاستفادة من الموروث الحضاري‮ ‬وإعطائه شكلاً‮ ‬جديداً‮ ‬يحمل الحداثة والمعاصرة التي‮ ‬لم اقتطع أي‮ ‬تفصيل من أي‮ ‬باب قديم واضعها في‮ ‬عملي‮ ‬،ولم انقل‮ ( ‬مفردة‮ ) ‬جزئيات سابقة من اي‮ ‬باب آخر‮ .‬
وقال حكمت في‮ ‬أخر حوار معه أجرته الكاتبة‮ ‬غادة السمان خلال زيارتها لبغداد‮ ‬1972عن‮  ‬أعماله ومشاريعه الفنية في‮ ‬بغداد ورسالته‮ " ‬إن استلهامي‮ ‬للحضارة العراقية شخصيا أجده شيء طبيعي‮ ‬بالنسبة لي‮ ‬بكوني‮ ‬ابن لهذه الحضارة،‮ ‬أنا سليل حضارة وادي‮ ‬الرافدين فمن الطبيعي‮ ‬جدا أن استلهم أفكاري‮ ‬ومواضيعي‮ ‬من حضارتي‮ ‬،‮ ‬وهنالك ثلاثة مواضيع تؤكد على محبة بغداد والعراق،‮ ‬وأولها مستوحى من الأساطير‮ (‬فانوس علاء الدين‮) ‬ويضم نافورة مائية خط في‮ ‬محيطها شعر الشاعر العراقي‮ ‬الكبير‮ (‬مصطفى جمال الدين‮) ‬القائل
‮(‬بغداد ما اشتبكت عليكِ‮ ‬الاعصر
الا ذوت ووريق عمرك اخضر‮)‬
أما العمل الثاني‮ ‬فيمثل تمثالا لختم اسطواني‮ (‬على‮ ‬غرار الختم البابلي‮ ‬الشهير‮) ‬وكأنه‮ ‬يسقط وهنالك خمسة أيادي‮ ‬بسواعدها تمسك بالختم وتحاول إسناده كي‮ ‬لا‮ ‬يقع‮.. ‬إنها رسالة لآي‮ ‬عراقي‮ ‬بأن ذراعك هو احد هذه الأذرع التي‮ ‬تمسك بالختم رمز الحضارة لتحميه من السقوط‮.. ‬ولعل الخمسة كرقم‮ ‬يمثل تعددية الواقع القومي‮ ‬والديني‮ ‬في‮ ‬العراق وما‮ ‬يجمعها من رصيد حضاري‮ ‬مشترك‮.. ‬وقد كتب على الختم عبارة‮ (‬من هنا بدأت الكتابة‮) ‬وهذا الموضوع من المواضيع التي‮ ‬اعتز بها وسيرى النور قريبا،‮ ‬الموضوع الثالث هو امرأة تمثل بغداد وتجلس على عمود من الحجر‮.. ‬العمود الحجري‮ ‬يرتفع لتسعة أمتار وقد نحت عليه كل الأشعار التي‮ ‬تمجد بغداد‮ ‬،كل هذه الأعمال أسعى من خلالها لتحفيز العراقي‮ ‬على محبة تراثه وماضيه وحضارته‮.. ‬وهذا ما نحن نفتقده بشكل تدريجي‮ ‬في‮ ‬ضوء من‮ ‬يحاول تعليمنا كل شيء‮ ‬غير عراقي‮ ‬لان من لا‮ ‬يشعر بالحب لبلده سيعيش‮ ‬غريبا فيه‮ " .‬
حياته الشخصية‮ ‬
أول أستاذ نحت بتاريخ العراق وتم تعيينه في‮ ‬معهد الفنون الجميلة عام‮ ‬1962?كان‮ ‬يحب الموسيقى‮  ‬،بدأ الاستماع للموسيقى على جهاز‮ " ‬الكرامافون‮" ‬،كان‮ ‬يستمع لأغاني‮ ‬محمد القبانجي‮ ‬ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم‮ ‬،كما احب الشعر وخاصة للملا عبود الكرخي‮  ‬،‮ ‬تزوج محمد‮ ‬غني‮ ‬من‮ ‬غاية الراوي‮ ‬الرحال،‮ ‬وهي‮ ‬امرأة عراقية وشقيقة للنحات العراقي‮ ‬الكبير خالد الرحال أبنهما الأكبر اسمه‮ ‬ياسر والبنت الكبرى اسمها هاجر‮.‬
وفاته
في‮ ‬الأشهر الأخيرة من حياته كان حكمت‮ ‬يعاني‮ ‬من فشلٍ‮ ‬كلوي،‮ ‬وتوفي‮ ‬عن عمرٍ‮ ‬يقارب الـ82 سنة في‮ ‬الأردن بِتاريخ‮ ‬12 أيلول‮ ‬2011  ? فتمّ‮ ‬تشييعه بحشدٍ‮ ‬كبير ونقل جثمانه ملفوفاً‮ ‬بعلم العراق إلى مطار العاصمة الأردنية لينقل إلى بغداد‮ ‬،‮ ‬تُوفيَ‮ ‬أحد أهمّ‮ ‬النحاتين في‮ ‬الشرق الأوسط والعالم،‮ ‬وهو فنان استطاع تحويل الطين إلى قطعٍ‮ ‬فنيةٍ‮ ‬تسلب الأبصار وتملأ تماثيله ساحات العراق ومختلف ساحات العواصم العربية والعالمية الأخرى‮ ‬،‮ ‬فكان بذلك‮ ‬يستحق بكل جدارة لقب شيخ النحاتين‮.‬
احتفلت شركة‮ ‬غوغل في‮ ‬شهر أبريل عام‮ ‬2016 بذكرى ولادته فوضعت رسم نصب إنقاذ العراق على الصفحة الرئيسية لموقعها‮.‬

أخترنا لك
تأثير جانبي للقاح كوفيد-19 يحير الأطباء

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة