‬القاص السُّوري‮ ‬فريد مراد‮:‬ الكتابة‮ ‬غبطتي‮ ‬وبهجتي

2020/09/07

صبري‮ ‬يوسف

يستلهم القاص فريد مراد حكاياته القصصيّة من الحياة وبما تجودُ‮ ‬به مخيّلته من تدفُّقات في‮ ‬بناء عالمه القصصي،‮ ‬فتأتي‮ ‬القصص مزيجاً‮ ‬من الواقع والخيال،‮ ‬مستخدماً‮ ‬لغةً‮ ‬سهلةً‮ ‬رشيقةً‮ ‬وموائمةً‮ ‬لشخصيَّاتِ‮ ‬قصصه في‮ ‬بناءِ‮ ‬الحوارِ‮ ‬والسَّردِ‮ ‬ووهجِ‮ ‬الشّوقِ‮ ‬والحنين‮.  ‬
يكتبُ‮ ‬قصصه كمَن‮ ‬يناجي‮ ‬نفسَه وقرّاءَه معاً،‮ ‬لأنَّ‮ ‬قصصَهُ‮ ‬مستلهمة من فصولِ‮ ‬ومحطّاتِ‮ ‬عمرهِ‮ ‬وتجاربهِ‮ ‬في‮ ‬الحياة‮. ‬والكتابةُ‮ ‬بالنّسبةِ‮ ‬إليه بمثابة متنفّس له،‮ ‬يعبّر عن أهدافِهِ‮ ‬وطموحِهِ‮ ‬ورغباته وأمانيه عبر حرفه،‮ ‬لهذا نرى كتاباته تموجُ‮ ‬بالعاطفة الجيّاشة والمحبّة والجموح نحو مرافئ السَّلام بين بني‮ ‬جلدته والعالم‮!   ‬
من خلال قراءتي‮ ‬لقصص فريد مراد،‮ ‬لمستُ‮ ‬أنّه‮ ‬يجنحُ‮ ‬نحوَ‮ ‬فضاءِ‮ ‬السَّردِ‮ ‬الرِّوائي،‮ ‬فهو‮ ‬يمسكُ‮ ‬بخيوطِ‮ ‬قصصه بطريقةٍ‮ ‬حصيفة ودقيقة ولديه إمكانيات طيّبة في‮ ‬الدُّخول في‮ ‬الكثير من التّفاصيل الَّتي‮ ‬تتطلَّب الاشتغال عليها في‮ ‬البناء الرّوائي،‮ ‬كما في‮ ‬قصّة‮: "‬مأساة أم معجونة بالسَّلام‮".‬
القاص فريد مراد مغترب سوري‮ ‬من أقصى الشّمال الشّرقي‮ ‬من سوريا،‮ ‬من مدينة ديريك‮/ ‬المالكيّة،‮ ‬حطَّ‮ ‬به الرّحال منذ عقود من الزّمن في‮ ‬مملكة السُّويد،‮ ‬وهو شغوف في‮ ‬قراءة الأدب بأجناسه المتعدِّدة‮. ‬يقرأ القصص والرّوايات والشِّعر وله اهتمام في‮ ‬قراءة الملاحم الشِّعريّة والرِّوائيّة،‮ ‬وله باع طيّب في‮ ‬كتابة الشّعر باللّهجة المحكيّة بسلاسة وفكاهة وبإيقاع رصين،‮ ‬ولديه مَلكة الارتجال الشّفوي‮ ‬في‮ ‬تقديم كلمات التأبين،‮ ‬يقفُ‮ ‬رابطَ‮ ‬الجأشِ‮ ‬أمام الضَّريح ويناجي‮ ‬روحَه والحضور،‮ ‬مستعرضاً‮ ‬مناقب الرّاحل إلى مثواه الأخير‮.‬
تتضمَّنُ‮ ‬قصصه مواضيع عديدة،‮ ‬استوحاها من تجاربِهِ‮ ‬في‮ ‬الحياة،‮ ‬والتقطَ‮ ‬من عوالم الطُّفولة قصصاً‮ ‬طريفة،‮ ‬واقتطفَ‮ ‬من عوالم صباه وشبابه قصصاً‮ ‬تترجم لنا شغفه وشوقه وحنينه إلى مسقط الرّأس وإلى وطنِه الأم سوريا‮. ‬تحملُ‮ ‬بعض قصصه عبقاً‮ ‬شهيَّاً‮ ‬محفوفاً‮ ‬بعذوبةِ‮ ‬القهقهاتِ،‮ ‬ملتقطاً‮ ‬خيوطها الفكاهيّة من وقائعِ‮ ‬الحياةِ‮ ‬ومُضْفياً‮ ‬من خيالِهِ‮ ‬وهجاً‮ ‬طريفاً‮ ‬ومبهجاً‮ ‬في‮ ‬سردِهِ،‮ ‬فيشعرُ‮ ‬القارئ كأنّه أمام مقاطع فكاهيّة من فيلمٍ‮ ‬طريف‮. ‬
تتميّزُ‮ ‬لغة القاص بالسَّلاسة والوضوح والسَّرد الشَّيّق،‮ ‬يبني‮ ‬جملته من دون أيّةِ‮ ‬تعقيدات،‮ ‬أو ترميزات مبهمة،‮ ‬فيعرضُ‮ ‬قصصه بأسلوبٍ‮ ‬واضح،‮ ‬مركّزاً‮ ‬عبر سرده وحوار شخصيّات قصصه على الفكرة الّتي‮ ‬يتناولها بطريقةٍ‮ ‬شيّقة وسلسة‮. ‬التقيتُ‮ ‬معه مراراً‮ ‬في‮ ‬ستوكهولم،‮ ‬واطلعتُ‮ ‬على تجربته القصصيّة بعمق،‮ ‬وأحببتُ‮ ‬إجراء هذا الحوار معه،‮ ‬فوافقَ‮ ‬برحابةِ‮ ‬صدر،‮ ‬وَوُلِدَ‮ ‬هذا الحوار‮:‬
مسقط رأس
‮{  ‬ماذا تعني‮ ‬لك ديريك مسقط الرَّأس،‮ ‬ما رأيك بالطُّفولة،‮ ‬كيف تنظرُ‮ ‬إليها الآن بعد عقودٍ‮ ‬من الزّمن؟‮!‬
‮- ‬لقد بدأتَ‮ ‬سؤالكَ‮ ‬الأوَّل من حيث بدأتُ‮ ‬حياتي‮ ‬في‮ ‬ديريك،‮ ‬وبعد‮ ‬غيابِ‮ ‬ما‮ ‬يقاربُ‮ ‬نصف قرن من الزّمن،‮ ‬تبقى المكان الّذي‮ ‬كلَّما أثقلت عليّ‮ ‬أفكاري،‮ ‬وأتعبني‮ ‬جسدي‮ ‬المادِّي،‮ ‬خرجتُ‮ ‬منه بجسدي‮ ‬الأثيري،‮ ‬ورحلتُ‮ ‬إلى هناك،‮ ‬لأستريح بعض الشَّيء بين تلكَ‮ ‬الكرومِ‮ ‬والبساتين الجميلة الّتي‮ ‬لا وجود لها الآن‮. ‬قد أبالغ‮ ‬إذا ما قلت أن بلدتي‮ ‬ديريك،‮ ‬تضاهي‮ ‬ستوكهولم،‮ ‬المكان الّذي‮ ‬أقطنُ‮ ‬الآن،‮ ‬جمالاً‮ ‬ورونقاً‮. ‬أبداً،‮ ‬إنّما بالنسبة لي‮ ‬تضاهيها‮  ‬حنينيّاً‮ ‬وإلفةً،‮ ‬وإلاَّ‮ ‬كيفَ‮ ‬تفسِّر رؤيتي‮ ‬المستمرّة لها في‮ ‬المنام،‮ ‬وقد هجرتها منذ حوالي‮ ‬خمسة عقودٍ‮ ‬من الزّمن‮.‬
‮{ ‬ماذا‮ ‬يعني‮ ‬لك الحرف،‮ ‬كيفَ‮ ‬تنظرُ‮ ‬إلى اللُّغة،‮ ‬متى تشكَّل لديك ميل للكتابة والتَّعبير عن مكنوناتِكَ؟
‮- ‬الحرف باختصارٍ‮ ‬شديد،‮ ‬هو مفتاح القلب،‮ ‬ومهندس الكلمة‮. ‬أمّا بالنّسبة للشقِّ‮ ‬الثَّاني‮ ‬من السُّؤال،‮ ‬أجيب ببضعة كلمات،‮ ‬أضعها بين هلالين‮: ‬تشكّلَ‮ ‬لديَّ‮ ‬ميلٌ‮ ‬للكتابة والتَّعبير عن مكنوناتي‮ (‬عندما تركتُ‮ ‬الوطن،‮ ‬والأهل،‮ ‬والأحباب،‮ ‬وتذوّقتُ‮ ‬طعم الغربة الحقيقي‮. ‬كان ذلك في‮ ‬عام‮ ‬1977 م‮).‬
‮{ ‬ما رأيك بحنانِ‮ ‬الأمِّ،‮ ‬وحنانِ‮ ‬المكانِ،‮ ‬كيفَ‮ ‬انبعثتْ‮ ‬لديك فكرة كتابة قصّة مأساة أم معجونة بالسَّلام؟‮ ‬
‮- ‬أظن سيبقى الكلام تقليدي،‮ ‬لو تحدَّثتُ‮ ‬عن حنان الأمِّ،‮ ‬وحنان المكان‮. ‬لا‮ ‬يعرف قيمة حنان الأمِّ،‮ ‬إلاَّ‮ ‬من فقد حنانها،‮ ‬كذلك حنان المكان،‮ ‬لا‮ ‬يعرف الإنسان قيمته،‮ ‬إلاَّ‮ ‬عندما‮ ‬يتركه‮. ‬الحنانان‮ "‬الأم والمكان‮" ‬لا‮ ‬يفوقهما حنانٌ‮ ‬آخر‮. ‬لقد كتبتُ‮ ‬تجربتي‮ ‬الشَّخصيّة بهذا الشّأن،‮ ‬في‮ ‬قصّة‮ "‬عندما كنتُ‮ ‬أرآها مُقبلة‮" ‬وأقصد بها أمّي‮. ‬أمّا بالنّسبة لقصّة‮ "‬مأساة أم معجونة بالسَّلام‮"‬،‮ ‬فهي‮ ‬مستوحاة من تاريخ مرير،‮ ‬مُفعم بالويلات والفجائع،‮ ‬عاشته جدّتي‮ ‬لأبي،‮ ‬بصبرٍ‮ ‬عجيب،‮ ‬لا‮ ‬يُصدّق‮. ‬كلُّ‮ ‬الأحداث والمجريات في‮ ‬القصّة،‮ ‬كانت من الواقع الحقيقي‮ ‬وليس من الخيال،‮ "‬ما خلا بعض التَّدفّقات الخياليّة من قبلي‮ ‬ككاتب القصّة‮". ‬تألّمتُ‮ ‬وتأثّرتُ‮ ‬جدّاً‮ ‬وأنا أكتبها لدرجة أنّي‮ ‬بكيتُ‮ ‬في‮ ‬بعض الأحيان وأنا أصوّر المشهد بالكلمات‮.‬
‮{ ‬كيفَ‮ ‬تولدُ‮ ‬فكرة قصّة ما،‮ ‬تحدَّث عن مراحل ولادتها وتطوُّرها إلى أن تصلَ‮ ‬صياغتها صياغة نهائيّة؟‮! ‬هل تستوحي‮ ‬قصصكَ‮ ‬من الواقع أم تولد من جموح الخيال،‮ ‬أم من أحداث الواقع؟
‮- ‬نعم،‮ ‬الفكرة هي‮ ‬حجر الأساس،‮ ‬وعليها تُبنى القصّة‮. ‬هكذا في‮ ‬أغلب الأحيان أكتب القصّة الخياليّة،‮ ‬والقصّة المستوحاة من واقع الحياة‮. ‬أحياناً‮ ‬تخطر لي‮ ‬فكرة معيّنة وأنا في‮ ‬مشواري‮ ‬الصَّباحي‮ ‬مثلاً‮ ‬أو من خلال مشهدٍ‮ ‬ما رأيته،‮ ‬يوحي‮ ‬إليَّ‮ ‬بكتابةِ‮ ‬قصّةٍ‮ ‬معيّنة،‮ ‬لكن في‮ ‬بعض الأحيان،‮ ‬فجأةً‮ ‬أرى أنَّ‮ ‬هذه القصّة قد قادتني‮ ‬إلى‮ ‬غير القصّة الَّتي‮ ‬كنتُ‮ ‬أريدُ‮ ‬كتابتها‮. ‬وهكذا أراني‮ ‬أتفاعل مع أحداث جديدة،‮ ‬ومشاهد جديدة،‮ ‬وأشخاص جدد،‮ ‬وبالتَّالي‮ ‬ولادة قصّة جديدة،‮ ‬أقومُ‮ ‬بصياغتها مرّات عديدة،‮ ‬حتّى تكتمل،‮ ‬وتأخذ شكلها النّهائي‮.‬
‮{ ‬ما هي‮ ‬المواضيع الَّتي‮ ‬تستهويك كي‮ ‬تنسج منها قصصاً،‮ ‬كيفَ‮ ‬تختار الموضوع وتبني‮ ‬خيوط القصّة؟
‮- ‬بالحقيقة أكثر ما‮ ‬يستهويني‮ ‬من مواضيع،‮ ‬المواضيع الاجتماعيّة الَّتي‮ ‬تخصُّ‮ ‬واقعنا بأشكاله المتعدّدة‮. ‬على سبيل المثال لا الحصر،‮ ‬موضوع الاغتراب وما‮ ‬ينتج عنه من إيجابيّات وسلبيّات‮. ‬موضوع العادات والتَّقاليد،‮ ‬قصص عن ذكريات الماضي،‮ ‬الطّفولة والشّباب،‮ ‬وهلمَّ‮ ‬جرَّاً‮.‬
قصص مستوحاة
‮{ ‬هل تستوحي‮ ‬قصصكَ‮ ‬من الواقع أم تولد من جموح الخيال،‮ ‬أم من أحداث الواقع وتجلّيات الخيال معاً؟
أنا لا أعترف بقصّة دون شيء من الخيال،‮ ‬وإلاَّ‮ ‬كانت‮ "‬ناشفة‮" ‬دون الخيال،‮ ‬وتكون‮  ‬كمجرّد كلام‮ ‬يُحكى‮. ‬الخيال والواقع والأحداث والتَّجلّيات،‮ ‬كلّها مرتبطة ببعضها البعض‮. ‬لا نستطيع أن نقولَ‮ ‬هذه قصّة خياليّة خالصة،‮ ‬وهذه قصّة واقعيّة مئة بالمئة‮. ‬نحن نكتب في‮ ‬واقع خيالي‮ ‬نعيشه على هذا الكوكب‮.‬
‮{‬ لكل كاتب وقاص طريقته وطقوسه في‮ ‬الكتابة،‮ ‬ما هي‮ ‬طريقتكَ‮ ‬وطقوسكَ‮ ‬وأسلوبكَ‮ ‬في‮ ‬فضاء الكتابة؟
‮- ‬اللَّيلُ‮ ‬هو صديقي،‮ ‬وأنا صديق اللَّيل‮. ‬في‮ ‬النَّهار تأتي‮ ‬الفكرة،‮ ‬وفي‮ ‬اللَّيل تُنفّذ‮. ‬من السَّاعة العاشرة ليلاً‮ ‬حتّى السَّاعة الثَّانية،‮ ‬وأحياناً‮ ‬الثَّالثة صباحاً،‮ ‬حيث الهدوء والسَّكينة،‮ ‬هو الوقت المفضّل عندي،‮ ‬للمطالعة والكتابة‮. ‬ما تبقّى من الوقت،‮ ‬هو للبيت،‮ ‬والأولاد،‮ ‬والأحفاد،‮ ‬والواجبات الأخرى‮.‬
‮{ ‬هل تتعمَّد كتابة قصصكَ‮ ‬بلغة سلسة واضحة،‮ ‬بعيداً‮ ‬عن الألغاز المطلسمة لأنّها تولد بكلِّ‮ ‬عفويّتها؟
‮- ‬بالضَّبط‮. ‬كلُّ‮ ‬قصصي‮ ‬هي‮ ‬بأسلوب‮ "‬السّهل الممتنع‮". ‬لماذا التَّعقيد والتَّشديد والبحث عن الكلمات التّعجيزيّة الَّتي‮ ‬قد‮ ‬يسأم منها المتلقّي،‮ ‬لا بل في‮ ‬بعض الأحيان‮ ‬يضطرُّ‮ ‬إلى الاستعانة بالقاموس لفكِّ‮ ‬طلاسمها‮. ‬بالنّهاية نحن نقدّم له قصّة وليس خطاب بلاغي‮.‬
‮{ ‬ تحدَّث عن تجربتِكَ‮ ‬في‮ ‬كتابة القصّة،‮ ‬المقال،‮ ‬والقصائد الّتي‮ ‬تكتبها باللَّهجات المحكيّة؟‮!‬
‮- ‬بالحقيقة لست أنا من بدأ في‮ ‬كتابة القصّة،‮ ‬إنّما القصّة كتبتني‮. ‬نعم عندما أقول القصّة كتبتني،‮ ‬أقولها بكلِّ‮ ‬مصداقيّة‮. ‬قصّتي‮ ‬مع الحياة بدأت مريرة،‮ ‬وأنا لاأزال ابن أشهر معدودة‮. ‬أنا مجبول من صغري‮ ‬بمأساة الحرمان،‮ ‬وقصص الحنين،‮ ‬حيث مات والدي‮ ‬وأنا ابن بضعة أشهر،‮ ‬وتركتني‮ ‬والدتي،‮ ‬وأنا ابن سبع سنوات‮.‬
لقد تكلّمت بوضوح عن هذا الحرمان في‮ ‬قصّة‮: ‬عندما كنتُ‮ ‬أراها مقبلة‮. ‬وبالنّسبة للقصائد باللّهجات المحكيّة،‮ ‬كنت أرى فيها نوع من الانبساط والانشراح النّفسي،‮ ‬لا أكثر ولا أقل،‮ ‬خصوصاً‮ ‬عندما أرتجلها بصوتي،‮ ‬وأدائي‮ ‬المميّز‮ "‬هكذا قالوا عنّي‮ ‬المستمعين،‮ ‬جازاهم الله خيراً‮" ‬ممّا شجَّعني‮ ‬على الاستمراريّة‮.‬
‮{ ‬أصدرتَ‮ ‬مجموعتكَ‮ ‬القصصيّة الأولى‮: "‬عندما كنتُ‮ ‬أراها مقبلة‮" ‬ 2018 تحدَّث عن هذه التَّجربة القصصيّة؟
‮- ‬مجموعتي‮ ‬القصصيّة الأولى،‮ ‬أعتزُّ‮ ‬بها كثيراً،‮ ‬لأنّها كانت نقطة الانطلاقة بالنّسبة لي‮ ‬في‮ ‬هذا المجال،‮ ‬وأقصد عالم‮ "‬الكتاب‮". ‬قبل ذلك كانت قصصي‮ ‬مبعثرة،‮ ‬هنا وهناك،‮ ‬وكانت معرّضة للاندثار‮. ‬كتبتُ‮ ‬في‮ ‬مواقع متعدّدة،‮ ‬وعلى صفحات الفيسبوك،‮ ‬معظم قصصي،‮ ‬حتّى كان عام‮ ‬2018? عام فرحتي‮ ‬الَّتي‮ ‬تكلَّلت،‮ ‬بظهور أوّل أعمالي‮ "‬عندما كنت أرآها مقبلة‮" ‬إلى النُّور‮. ‬
‮{ ‬تحتاجُ‮ ‬الكتابة لتعميق فضاءاتها إلى قراءة موازية للكتابة،‮ ‬ما رأيك بقراءة حصيفة لتجارب المبدعين؟‮!‬
‮- ‬المطالعة ثمَّ‮ ‬المطالعة‮. ‬كلّما قرأت أكثر،‮ ‬كلّما اكتسبت خبرة أكثر‮. ‬الاستفادة من تجارب المبدعين،‮ "‬وغير المبدعين‮"‬،‮ ‬ضروريّة جدّاً‮. ‬نعم على القاص،‮ ‬أو من‮ ‬يريد أن‮ ‬يكون قاصّاً،‮ ‬أن‮ ‬يوازي‮ ‬بين الكتابة والمطالعة،‮ ‬
وإلَّا‮ ‬يكون مقلّداً‮ ‬لأحّد،‮ ‬وإلَّا كان الفشل حليفه‮.‬
‮{ ‬لماذا تكتب،‮ ‬ماذا تعني‮ ‬لك الكتابة،‮ ‬القصّة،‮ ‬المقال،‮ ‬الأدب،‮ ‬الفكر الخلّاق،‮ ‬الإبداع عموماً؟‮!‬
‮- ‬أكتب لأنَّني‮ ‬أرى في‮ ‬الكتابة‮ ‬غبطتي‮ ‬وبهجتي،‮ ‬وامتدادي‮ ‬على هذه الأرض‮. ‬الكتابة هي‮ ‬بالنّسبة لي،‮ ‬أكسير
‮ ‬الحياة،‮ ‬هي‮ ‬الارتقاء بالذَّات الإنسانيّة‮. ‬إذا مرَّ‮ ‬يومٌ‮ ‬واحدٌ‮ ‬دون كتابة،‮ ‬أو مطالعة،‮ ‬فهذا اليوم‮ ‬غير محسوب
‮ ‬من العمر،‮ ‬أشعر فيه بالاختناق‮.  ‬
‮{ ‬ما دور الفكر التَّنويري‮ ‬في‮ ‬تطوير المجتمع،‮ ‬هل ترى انحساراً‮ ‬في‮ ‬دور الأدب في‮ ‬تطوير المجتمع؟‮!‬
‮- ‬بالتَّأكيد للفكرِ‮ ‬التَّنويري‮ ‬دورٌ‮ ‬هامٌّ‮ ‬في‮ ‬تطوير المجتمع،‮ ‬فهو الّذي‮ ‬يدفع عجلة الزَّمن إلى الأمام،‮ ‬لكنّه‮ ‬يختلف من مجتمع إلى آخر،‮ ‬بحسبِ‮ ‬الظَّرف والمعيشة والمكان إلخ‮. ‬أمّأ بالنّسبة للشقّ‮ ‬الثّاني‮ ‬من السُّؤال‮. ‬الإجابة نعم‮. ‬والسَّبب اتّجاه الأغلبيّة السَّاحقة نحو الماديّات‮.‬
‮{ ‬لماذا تراجع دور الكاتب والمثقّف والفنّان في‮ ‬المجتمع،‮ ‬وأصبح دور السِّياسي‮ ‬والاقتصاد في‮ ‬الصَّدارة؟
‮- ‬أعتقد هذا السُّؤال له علاقة بالسُّؤال الَّذي‮ ‬سبقه‮. ‬الوضع الاقتصادي‮ ‬المخلخل في‮ ‬العالم كلّه،‮ ‬والسِّياسات الفاسدة،‮ ‬وعدم الطَّمأنينة والاستقرار‮. ‬كلُّ‮ ‬هذه الأمور كانت سبباً‮ ‬رئيسيّاً،‮ ‬في‮ ‬تراجع دور النّخبة المثقّفة،‮ ‬وأكثرهم تضرّراً‮ (‬الكتاب‮).‬
‮{ ‬أصدرتَ‮ ‬مجموعتكَ‮ ‬القصصيّة الثَّانية‮: "‬الدُّنيا كما كنَّا نراها‮" ‬2019 ‮ ‬تحدَّث عن هذه التَّجربة القصصيّة؟
‮- ‬الدُّنيا كما كنّا نراها‮. ‬هذه المجموعة القصصيّة،‮ ‬هي‮ ‬امتداد للمجموعة القصصيّة الأولى‮ "‬عندما كنت أراها مقبلة‮"‬،‮ ‬فيها الماضي،‮ ‬وفيها الحاضر‮. ‬الفارق الوحيد بينهما هو إدخال أسلوب الأدب السَّاخر في‮ ‬بعض القصص من المجموعة الثّانية‮.‬
‮{ ‬ما هو مشروعك القادم،‮ ‬هل لديك مشروع إصدار مجموعة قصصيّة،‮ ‬شعريّة أو روائيّة قادمة؟
‮- ‬بالحقيقة أنا الآن على مشارف الانتهاء من مشروع رواية‮. ‬على الأغلب سيكون عنوانها‮ "‬كنتُ‮ ‬على وشك الرَّحيل‮" ‬محورها‮ ‬يدور حول تجربتي‮ ‬المريرة،‮ ‬وكفاحي‮ ‬العنيد،‮ ‬ضدّ‮ ‬مرض السّرطان،‮ ‬لمدّة ثلاث سنوات،‮ ‬خرجت منها بأُعجوبة‮. ‬
‮{‬ ماالفرق بين كتابة قصّة قصيرة وعمل روائي‮ ‬من حيث فضاءات السَّرد والزّمان والمكان والشَّخصيّات؟
في‮ ‬القصّة تبقى شبه مقيّد،‮ ‬لا تستطيع التَّكيّف‮. ‬أمّا في‮ ‬الرِّواية،‮ ‬فالمجال لديك مفتوح،‮ ‬لك حرّية التَّنوّع،‮ ‬والتَّنقّل،‮ ‬والذِّهاب،‮ ‬والرُّجوع،‮ ‬والخروج عن النَّص ثمَّ‮ ‬العودة ثانية إليه‮. ‬ولك حرّية التَّشبيه والوصف،‮ ‬الشّيء‮ ‬
الّذي‮ ‬لا تستطيع فعله في‮ ‬القصّة القصيرة‮.‬
‮{ ‬كيف تنظرُ‮ ‬إلى الزَّمن،‮ ‬العمر،‮ ‬الحياة،‮ ‬وماذا تعني‮ ‬لكَ‮ ‬الكتابة والحرف والإبداع عبر رحلة العمر؟‮!‬
‮- (‬الزّمن،‮ ‬العمر،‮ ‬الحياة‮) ‬مجرّد أُكذوبة نعيشها‮. ‬أو ربَّما حلم نستفيق عنه في‮ ‬عالمٍ‮ ‬آخر،‮ ‬لنــــــبدأ نتذكّر بعض مقتطفاته‮.‬
‮(‬الكتابة والحرف والإبداع‮ ) ‬هم بالنّسبة لي‮ ‬عبر رحلة العمر،‮ ‬كالماء المالح،‮ ‬كلَّما شربتَ‮ ‬منه اِزدتَ‮ ‬عطشاً‮.‬
‮ ‬وأنا أيضاً،‮ ‬كلّما اِزداد بيَّ‮ ‬العمر،‮ ‬اِزدتُ‮ ‬إليهم شوقاً‮.‬
‮{ ‬لو عادَ‮ ‬الزَّمن إلى الوراء،‮ ‬هل ستغيِّر بعض أو الكثير من برامج حياتك،‮ ‬خاصَّة ما‮ ‬يتعلَّقُ‮ ‬بالكتابة؟‮!‬
‮- ‬بالتَّأكيد كنتُ‮ ‬سأغيّر الكثير،‮ ‬مستفيداً‮ ‬من الأغلاط الَّتي‮ ‬وقعت فيها،‮ ‬أدبيّاً‮ ‬واجتماعيّاً‮ ‬وعلميّاً‮ ‬ولغويّاً‮ ‬إلخ‮. ‬هذا لو عاد الزّمن إلى الوراء،‮ ‬ولكن هيهات‮.‬
‮{ ‬كلمة أخيرة تودُّ‮ ‬أنْ‮ ‬تقولُها‮! ‬
‮- ‬أتساءل‮: ‬لماذا أتى الإنسان،‮ ‬وكما أتى رحل؟ أقصد،‮ ‬دون نفعٍ،‮ ‬دون هدفٍ،‮ ‬دون أثر‮. ‬إذا كانت الحياة مجرّد أكل وشرب ونوم إلخ‮. ‬أجيب على نفسي‮ ‬وأقول‮: ‬تبّاً‮ ‬لهكذا رحلة،‮ ‬وتباً‮ ‬لهكذا حياة‮!‬
ختاماً‮: ‬حاول أن تترك لك‮ ‬يا أخي،‮ ‬على الأقل،‮ ‬بصمة أمل فوق رصيف هذه الحياة،‮ ‬ثمَّ‮ ‬امضِ‮ ‬بسلام‮.‬

أخترنا لك
الامام الخامنئي: الازمة الاوكرانية مخطط غربي لتوسيع الناتو

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة