تقديم/ رجاء حسين
تابع مقال: الدروس الخصوصية حرام حرام!
توقفنا في المقال السابق عنداعتبار أن ممارسة المعلم لمهنة التدريس خارج مجال المدرسة التي يعمل بها هو عمل غيرلائق ولابد أن يحاسب عليه ولكن بشرط: إذا انسحب هذا الكلام على كل الأعمال المماثلة كالطب والهندسة والمحاسبة والقيادة الخ، ولما لم يكن من المنطق ولامن العقل أن يحدث ذلك؛ فلن يكون أمامنا إلامناقشة الموضوع بكل حيادية وعدل من جميع جوانبه؛ حتى نستطيع التوصل إلى حل عادل ومنطقي بشأن مسألة الدروس الخصوصية، وقبل أن نسأل عن الأسباب التي تلجئ المعلم لهذا الأمر، علينا أن نتخيل معا يوما من يوميات هذا المعلم نعيشه معه بقلوبنا وعقولنا وضمائرنا وقبل ذلك إنسانيتنا!
وحتى نكون منطقيين؛ سنعيش يوما مع معلم، ويوما آخر مع معلمة ليس على سبيل التمييز بالطبع، ولكن انطلاقا من اختلاف مهامهم الحياتية اليومية كما سنرى معا، فهيا نبدأ الآن رحلة لمدة يوم مع معلم ممن يشار إليهم كمجرمين يجب ملاحقتهم ومحاسبتهم حسابا عسيرا على ما يقترفونه من إجرام يسمى الدروس الخصوصية، فهيا بنا، وبداية نحذرضعاف القلوب وأصحاب الأرواح المرهفة والضمائرالحية من بعض الأمورالتي ستسبب لهم بعض الألم النفسي فليتحملوا معنا وإلا فلينسحبوا من متابعة الرحلة!
{يوميات مجرم ملاحق}: عفوا عزيزي القارئ! أقصد {يوميات معلم مطحون} ومهروس في رحى الدروس الخصوصية بلسانه:
مرحبا بكم يا أصدقائي أحدثكم وأنا متخفٍ الآن؛ لأني ملاحق وربما يتم ضبطي متلبسا بالجرم المشهود (الدروس الخصوصية):
أستيقظ في الخامسة صباحا بعد ساعات نوم لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، لا بل أقل من ذلك فقد نمت في الواحدة والنصف أو الثانية صباحا، وعلى هذا فلم تتجاوزساعات نومي الثلاث ساعات،
لا لا لا تفهمني خطأ أرجوك؛ فلم أكن سهرانا مستمتعا بفيلم السهرة، ولم أكن في جلسة سمرمع زوجتي وأولادي ولم أكن جالسا على المقهى مع أصدقائي وسرقنا الوقت
عدت إلى منزلي بعد انتهاء آخر درس قمت بإعطائه لبعض التلاميذ، وانتهى قرابة الثانية عشرة مساء ولأني لا أمتلك سيارة؛ رغم سنوات عملي الطويلة، فقد عدت لمنزلي بوسائل المواصلات العامة، قضيت حوالي الساعة إلا الربع حتى وصلت منهكا إلى بيتي، ولكن لنبدأ اليوم من بدايته حتى لا تتوه منا الأحداث
قمت مرهقا من نوم لا يكتمل أبدا، صليت الفجروتناولت بعضا من فطور خفيف مع كوب من شاي التموين المتوفر لدينا،مع ملاحظة أنني إن لم أستيقظ في الخامسة فسوف أفقد رفاهية الإفطاروشرب الشاي بالمنزل، واضطر إليه خارج المنزل هو أمرمكلف ولايخلو من مخاطر صحية كما تعلمون!
يستيقظ الأولاد يستعدون للذهاب إلى مدارسهم، لدى كل منهم مشكلته الخاصة، وموضوعاته التي لا تنتهي، والتي لا أملك الوقت للاستماع إليها،
ألقي إليهم بالسلام خارجا للذهاب إلى المدرسة؛ حتى لا يفوتني تزيين دفترالتوقيع باسمي الكريم؛ فلا أحب ذلك الدفترالآخرالمدعو بدفترالتأخير؛ فهو لص شريريقتص من مرتبي الهزيل في نهاية الشهر ليزيده هزالا، أصل في الموعد المحدد بعد المعركة اليومية للتعامل مع وسائل المواصلات العامة؛ والتي تتآمرمع كل شيء لانتهاك آدميتي وكرامتي وإنسانيتي، ما علينا؛ فلست وحدي في ذلك؛ مما يهون علي قليلا ما ألاقيه، حمدا لله؛ وصلت في الوقت المناسب؛ هذا انتصارأبدأ به يومي الدراسي بعيدا عن اسطوانة التوبيخ من المسئولين بالمدرسة، والذين لا يعنيهم شيء تقريبا سوى تلك الدفاتر العقيمة وتلك التوقيعات البلهاء، وتكراراسطوانة مشروخة مفادها: أن كل شيء تمام تمام؛ وغدا أكمل معكم، ستعيشون معي يوما دراسيا مصبوغا بلون التمام؛ هذا التمام الذي مافتئ ينتقص من آدميتي التي باتت تتآكل بعوامل التعرية الإدارية و الحياتية.
ويتجدد اللقاء وحتى نلتقي نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه
أرق تحياتي/ رجاء حسين