علي حسن الفواز

مواجهة الازمات تتطلب وعياً عميقاً وفاعلاً، مثلما تحتاج الى وجود شرط المسؤولية، بوصفه شرط الارادة والتحمّل، بما يجعل التفاعل بين الوعي والمسؤولية سياقاً حاكماً لإدارة تلك الازمات، وللسيطرة على تداعياتها، لا سيما أنّ أزمات السياسة تفترض القدرة على تأمين واقعي للمواجهة، ورؤية نقدية تُعطي للمسؤولية قوتها الاجرائية، وفاعليتها في ايجاد المعالجات التي من شأنها السيطرة على اسباب الأزمة، وعلى مواجهة نتائجها..

أزمة السياسة في العراق، ازمة تراكمية، مثلما هي الأزمات الأخرى، فحديث الكهرباء والخدمات والصحة هو حديث الملفات القديمة، التي استنزفت من ميزانية الدولة الشيء الكثير من دون وجود المعالجات الحقيقية، ولا حتى وجود الخطط التي كان من شأنها ضمان أفق مستقبلي لتلك المعالجات، وإذا كان البعض ينظر لأزمة السياسة من زاوية ضيقة، أو من خلال مصلحة معينة، أو عبر اجندة حزبية أو قومية أو خارجية، فإن الأمور الآن، وفي ظلّ تضخم ظواهر الفساد وتردّي الخدمات، تحتاج الى زاوية نظر واقعية، والى مواقف ابسط ما يقال عنها إنها " وطنية" رغم أن هناك حساسية عند بعضٍ آخر من هذه الكلمة.

لقد بات واضحا الحاجة الى توصيف تلك الأزمات، على وفق ارتباطها بظروف وصراعات وبجهات معينة، وحتى بمسؤولين عنها، فأيّ أزمة لا يمكن أنْ تأتي من فراغ، وإنّ التغاضي عنها وعدم محاسبة الفاسدين والمهملين هو المسؤول عن تضخمها وعن تعطيل المعالجات الحقيقية لها، لاسيما أنّ أزمةً مثل الكهرباء قد تحولت الى " بعبع" والى منصة لاستنزاف كثير من الاموال، والى تمثيل لظاهر سوء ادارة ملفات الخدمات، فضلا عن ترهلها الوظيفي، وضعف الخطط والبرامج التي تتعلق بالتعاطي معها منذ اكثر من سبعة عشر عاما، وهذا ما يُعطي لخطة رئيس الوزراء، ولورقته الاصلاحية زخما اضافيا، على مستوى تشخيص " المسكوت عنه" في هذه الأزمة، أو على مستوى وضع برنامج حقيقي وواقعي لمعالجة ازمتها، وضمن سقوف زمنية، وعبر التنسيق مع شركات عالمية رصينة، ولها تجارب معروفة في العالم.

إنّ أزمة السياسة لا تعني ادارة السياسة فقط، بل هي ما يخصّ ادارة ملفات الاقتصاد والثروة والأمن والخدمات والثقافة والتعليم والصحة، وهي ملفات ترتبط بشكلٍ مباشر بالقرار السياسي، وبالتشريعات التي تقرّها السلطة التشريعية، فضلا عن ممارسة دورها الرقابي، في رصد مظاهر الفساد، وفي متابعة انجاز البرامج والمشاريع التي تنفذها الوزارات

المعنية.