سوسيولوجيا الإسلام وعلي الوردي

2020/08/07

 نبيل جبار العلي

السوسيولوجيا بالانكليزية sociology اي علم الاجتماع ، وسوسيلوجيا الاسلام هو عنوان رسالة الماجستير للدكتور علي الوردي رحمه الله ، التي نال على اثرها شهادة الماجستير  من جامعة تكساس سنة  1948 باللغة الانكليزية .  ترجمت هذه الرسالة حديثا” وهي من المؤلفات غير المشهورة ، الا انها تمتلك رؤيا وتفسير اجتماعي وتاريخي كبير ومهم  جدا” ، وودت ان الخصها او الخص اهم ما تداولته هذا الرسالة لاهميتها الكبيرة بالنسبة للمجتمع العربي والاسلامي على وجه الخصوص ، وتناقش الرسالة  اهم ركيزة من ركائز الصراع السياسي – المذهبي في تاريخ الاسلام .  يبتدأ الدكتور الوردي في رسالته بمناقشه وتعريف الباحث والقارئ عن مفهومي ( المثالية والواقعية ) ويعتبرها ظاهرة طبيعة موجوده في كل طور من اطوار المجتمع الانساني ،  وفي كل عنصر من عناصره ، اي بمعنى اخر ان لكل مسالة او معضلة او حدث ما ، يبرز رأيان رئيسيان في التعامل معها ، الاول هو الرأي الذي يطالب بحل المشكلة بطريقه مثالية جدا” كاملة وخالية من كل العيوب او الاخطاء ، وهذا ما يطلق عليه ( بالمثالية ) ، اما الرأي الثاني فانه يفترض التعامل ( بواقعية ) في حل المشكلة او المعضلات  والتغاضي عن بعض الاخطاء الناتجة بشكل عرضي وصولا” للاهداف المنشودة ، وتبرير بعض السلوكيات الخاطئة  او كما يصفها نيكولا ميكافيللي ( بالغاية تبرر الوسيلة ) . ولكي نعطي بعض الامثلة على المثالية والواقعية خلال الممارسات الحياتية والاجتماعية الدائمة في حياتنا ، فيمكن ملاحظه العلاقة بين الاب والابن ، فالاب يوجه ابنه بمطالب مثالية والتحلي بالاخلاق وعدم الانجرار خلف الشهوات والالتزام والاتزان في السلوك  ، الى ان الابن لا يستطع المثول امام رغبات ابيه المثالية ، التي لم يلتزم بها الاب في ايام  شبابه ! … كذلك العلاقة بين رب العمل والعامل او بين المهندس والمقاول ، يرغب المهندس المشرف دائما” بان يكون العمل في منتهى الدقة والكمال ،  وينجز في موعده المحدد ، الا ان المقاول لا يستطع دوما” ان يحقق رغبات المهندس بسبب ظهور معوقات عمل جانبيه خارج اراده المقاول تمنعه من ان يكون الناتج عن ادارته مثاليا” كاملا” تلبيه لرغبات المهندس ، وغيرها من الامثلة الكثير .  لسنا في صدد الخوض في التعريف عن المثالية والواقعية ومعانيها الفلسفية ، الا انه من الضروري جدا فهم وتوضيح الفرق ليكون مدخلا” في تفصيل التحليل الاجتماعي – السياسي للاسلام كما يبينه الكاتب . قسوة الحياة

تبدأ القصة عند قدوم النبي محمد (ص) الى جزيرة العرب حاملا” معه المثل العليا ، في مجتمع تغلب عليه البداوه وقسوة الحياة التي تجبرهم على النهب والسلب واغاره القبائل بعضها على بعض لكسب قوتها واستمرار حياتها ، لم يتأثر بهذه المثل العليا الى القليل من الناس والذين اطلق عليهم لاحقا”  بالمهاجرين والانصار ، الذين امنوا بالنبي  وبصدق دعواه ورسالته ، ورضوا بالمثل العليا ان تكون هي الدستور والقانون الذي ينضم الحياة الدنيويه ورفض السلوكيات السابقة .  بعد وفاة النبي ، وفي المراحل المبكرة في تاريخ الاسلام ، ظهرت النزاع الاجتماعي – السياسي والذي عرف فيما بعد بالسنة والشيعة، والذي تفرق فيها المسلمون الى فريقين بشكل اساسي ، كانت دعوات الشيعة ومطالبتهم السلطات الحاكمة الى الالتزام الكامل بالمثل العليا في الكثير من المواقف والاحداث التاريخية ، وتصاعدت هذه المواقف تدريجيا” حتى وصلت الى معاداة للسلطات المتعاقبة ، واتهامها بالانحراف عن النهج المحمدي المثالي  .اما السنة والذين يشكلون غالبية المجتمع الاسلامي ، فقد ارتضوا ان يكون الحكام منهم وتغاضوا كثيرا” عن الممارسات السيئة للحكام لمبررات الاستمرار بالسلطة ، كما يتضح ذلك من بعض النظريات التي يتبناها السنة حول الحكم والحكام  ( ان تبيت الامة على حاكم ظالم دهرا” ، خيرا” من ان تبيت ليلة بدون حاكم ) والذي يوضح مدى الواقعية في تعامل السنة مع السياسة والسلطة ، فبالتاكيد فقدان السلطة يؤدي بلا شك للفوضى والهرج والمرج وفقدان الامن وهلاك الحرث والنسل.  نحن لا نحاول في هذا المقال ان نفضل فئة على اخرى ، انما نحاول دراسة معضلة الاسلام من وجه نظر نفسية واجتماعية ، ولا نحن في مناقشة اي الفريقين على حق ؟ .. ممكن ان يكون كلاهما على حق وعلى باطل في آن واحد … فكيف للشيعة ان يكون لهم حكام مثاليين خاليين من كل عيب وزله ؟؟!! والله خلق فينا الخير والشر معا” ؟ وكيف للسنة ان يتغاضوا كثيرا” عن المثاليات وان يفضلوا الظالم الجائر كحاكم عليهم رغم الرسالة التي قدم بها النبي (ص) والتي تحمل الصعاب من اجل نشرها ومن اجل تثبيت هذه القيم واستمرارها ؟؟!! .

حكم وسلطة

كذلك يمكننا القول ، اننا لو كان باستطاعتنا ان نبادل  الادوار بين السنة والشيعة ، فكان السنة هم (المعارضة ) المثاليون والشيعة هم من تولوا الحكم والسلطة ، لوقع الشيعة بنفس ما تعرض له السنة خلال فترة استمرار سلطتهم وزمان حكمهم ، كما يظهر ذلك بوضوح في بعض الفترات التي تولى الشيعة فيها الحكم .  شاءت الاقدار ان نعيش في سنواتنا هذه احداثا” قد تكون داعمة ومؤكدة لنظرية الدكتور الوردي حول سوسولوجيا الاسلام ( الطبيعة الاجتماعية المذهبية السياسية للاسلام  ) ، فبعد ان استلم الشيعة معظم زمام امور الدولة العراقية منذ 2003 حتى يومنا هذا ، لم يستطع الشيعة ان يقدموا نموذج مثالي ، بل  انهم اخفقوا كثيرا” بتطبيق حتى الحدود الدنيا للمثل العليا، فلم يقترب حكمهم من عدالة علي بن ابي طالب (ع) ، ولا نزاهته ولا ورعه ولم يقفوا ضد المفسدين ، بل انهم حاولوا تجميل وتبرير الافعال و والتعذر بالاسباب ، اي انهم تعاملوا بواقعية وتركوا المثالية لغاية الاستمرار بالحكم واستمرار سلطانهم..!

يقرب لنا الدكتور الوردي بوصفه للسنة والشيعة ، بانهم اشبه بالبرلمان ، فالسنة تاريخيا” كانوا يمثلون الغالبية النيابية التي استلمت الحكم في اغلب محطات التاريخ الاسلامي وتحاول تبرير افعال الحاكم وتجميلها ، اما الشيعة فانهم  اشبه بالمعارضة داخل المجلس ، التي تبحث دائما عن عيوب الحاكم وتضخمها وتطالب بتطبيق المثل العليا ومحاسبة الحاكم .

كتبت هذه المقاله بتلخيص كبير وبتصرف واسع لرسالة الماجستير للدكتور علي الوردي ( رحمه الله )  آملا” ان اكون قد وفقت بكتابتها ، ايمانا” مني باهمية الموضوع  لفهم التاريخ وتغيير اثره المعاصر ، وانهي كلامي بان هذا الصراع التاريخي ، لم يكن سببه الرئيسي هو الصراع بين المثالية والواقعية ، الا ان من الممكن القول انه من اهم الاسباب التي كونت فيما بعد بما نسميه المذاهب والطوائف

71247

71247

أخترنا لك
غزة تقبع تحت الظلم بقلم:هناء الخالدي

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة