رواية (نزاز) باركنسون العرب

2020/08/03

    بقلم سيد محمد الياسري

( كل هذا مباح لرجل يملك أصابع مثل اصابعك ، ... ، على الأقل ان تترك لهم جملة بين قوسين تدلي بأن ما مروا به هو فصل تالٍ من مرويتك الجديدة – نزاز:١٨) التي لم يبرح منها مقام للعرب الا وذكر ( طلال مرتضى )  ذلك الرعاش -باركنسون-  في ( نزاز)الذي ربما يؤدي بهم الى موت حتمي او ان الحتمية تبدأ من شرق أوسط الأرض تشرق ثم يصيبها التخفي الى نهاية ليس بعدها لدار الفناء بداية ...

   لم يستثنِ ( طلال مرتضى ) نفسه من باركنسون لانه حتمي على الأسلوب نفسه الذي لايشعر به مع انه أضاف الى ( نزاز) من حياته الخاصة من دون ان يخلق مبررات كما فعلوا غيره من الادباء ولاسيما ظهور (الببلومانيا)جنب الى جنب باركنسون ولاسيما القرآن الكريم الذي يقتنيه كل مسلم في بيته لكن النسبة الأكثر منه ببلوماني بل يوجد في السيارات واطارات المعارض، ومحلات البيع ، وحتى صالونات التجميل ...الخ ، الا ان الشعور به بات حاجة ان يكون بجنبهم من دون النظر الى ما داخله ، تعبيرا منه الى ان العرب لاينظرون مطلقا في داخلهم ، اما ماحفظوه من نتف  بالاجبار كعلامة سوط والده الذي يجبره على صلاة الصبح مع انه يؤدي تلك الصلاة ولايستطيع ان يبوح لوالده انه على (جنابة) فتخرج منه روحا وبدناً ، هذه القوة تبدأ بالانهيار كلما تقدم الزمن يصبح باركنسون يهز جميع مفاصله حتى بات لايستطيع ان يمسك السوط ( صولجان القوة ).

   ليس ( نزاز) تعبير شخصي للكاتب وان كللها باكليل واقعه بصدق من دون ان يبرر لنفسه او يحاول ان لايميط اللثام عن شخصه،ففيها جزء كبير من حياته هو نفسه الكاتب يعترف امام الجميع ، لكن من الغامض على الكاتب ان في أسلوبه شيء أراد ان يقول باعترافه انه تمرد عليه ونجى منه ، فطلال مرتضى من دون شعور لايرى الأسلوب الاخر الذي بدا طافيا على الرواية ولو فصل نفسه عن واقعه يمكن ترفع الرؤية لكن بجزئية لانه من المستحيل ان يراه وقد آل على نفسه ان يرميه اول عبوره البحر بعيدا في منتصف مسافة التجذيف للشاطيء الاخر ، فابيه والحارة وامه والحجارة والدكان ، والسوط ، والقرآن ... الخ كلهم معه الا ان مالم يراه من هذا الارث مازال يتلو القرآن من دون ان يعلم وما زال ينسى بتلاوته: تلك الجنابة ، فالاسلوب القرآني واضحا في سطور الرواية بل هناك اوزانا من الجمل مطابقة لتلك التراتيل الشبابية فيه وهناك ماهو مطابق لايه قرآنية بتغير بسيط او بتغير كلمة او أحيانا لايوجد تغيير كأن طلال يريد ان يمحي مالا يمحى وكأن يريد القول ان العرب تقول مالا تفعل وها أنا نزار جزء منها.

    لاتعني القرية الا ذلك المتسع لكل مكان عربي ، فليس سوريا ولا فلسطين بقدر ماهي أي مكان يسكن فيه العرب ، وليس تلك الروايات الحديثه من اصدقاءه الا ببلومانيا العرب الذي يقتني صورا لكتاب وواقع ، وذلك الدكان عبارة عن مجمع لكل الفتن، والرزق ،والشائعة، والمعلومة، والساسة والحكومة ،...الخ لهذا هو حكومة البلاد وان كان هناك مديرا وامنا وشرطة وما الجامع الا تلك الصفحة البيضاء اللامعة من الناس البسطاء الذين لم يدركوا من اين جاء الامام (شيخ الجامع) وما يريد منهم ، نعم عندما يدركون انه ليس رجل دين ، يظلوا يسألون ما فائدة هذا عندما جاء اليهم جاسوسا وليس شيخا هاديا، لارض ليس فيها خير ، نعم سؤالهم يعود لنفس الصيغة التي أراد طلال مرتضى البوح بها انهم لايعلمون ما بداخلهم فكيف يعرفون مافي داخل الأرض؟

   الانشغلات الطفولية تلغي ان البراءة لا حد لها ، فالخصر والثوب الملتصق على المرأة وهي تسبح بالنهر او البركة تجعل ان البراءة لها حدود ولم تكن تلك الحدود بتلك السعة بل هي مرسومة لحد الرؤية التي سقطت من نزار على فتيات القرية وتنتهي وتضمحل البراءة عندما يطوق الطفل خصر بنت القرية كي يساعدها الا ان العرب هكذا تبدأ لا تحس الا بالخصر منذ الطفولة بينما لحد العقل والكهل لاتعرف ان امام المسجد ليس مسلما بل جاسوسا اسرائلي ... هذه الحدود العنفوانية تتسع بالغريزة الجنسية ، بينما القوة والعقل يصاب كلما تقدم بالرعاش ( باركنسون) ..

   نزاز وضع خارطة العرب الحقيقية ، وليس تلك الحدود بل خارطة المفهوم الحسي للشخص العربي الذي بدا بالانهيار تحت وصف ان اعتاد على تلك الظروف ( المذلة والقاهرة والفقيرة  ) وتلك القوة التي تنمو فقط فيما بينهم ثم تبدأ بالرعاش الخارجي ، لم تكن تلك الرسومات التي قدمها الا حياة العرب التي تهتم بالاقاويل وتنتهي بالتصديق بها ولم يظهر حدود الداخل بمظهر حدود الخارج ، فالفقر نابع من ذاتهم وليس من تلك الأرض والتدبير بات ضحلا حين يقرر موقع الدكان شرف فتاة او سؤال عن شرفها .

   الأسلوب الذي قدمه طلال مرتضى مختلف تماما عن أي أسلوب روائي اختص به ليس لانه كشف عن مضامين صادقة في حياته ، ولا لانه لم يستطع الابتعاد عنها رغم محاولاته في التغيير من حيث ان كتب ماينقده ويحاول ان ينفيه ، بل لان النصف الاخر اصدق من الاعتراف، لانه من دون وعي أضاف فكان صادقا في تصوره حتى في وضع بعض الكلمات او الجمل العامية فانه رسم بها ذات الشخص العربي خروجا من تلك القرية الى أي بقعة عربية تمثلت بسكان عرب وليس وطن عربي .

    كما ان الأسلوب امتزج مع المضمون ، والهدف ، فالقصة التي رسمها كان فيها الأسلوب رسما اخر لنفس القصة ولنفس الهدف من حيث – مثلا – ببلومانية العرب ، وطلال مرتضى ايضاً كتب ببلومانية ، اذ كان أسلوبه يصف مع الصفة وكانما اتحدا الواصف والموصف بهدف واحد ، وان القوة التي يمتلكها العرب هي غلاف وراثي يعيشون عليه سرعان ما يتقدم العمر بها ويظهر الإرث الباركنسوني فيسقط الصولجان  ، حتى في الكتابة ، فانه مهما كان محاولا ان يبعد عن ذلك القهر العربي بكل اشكاله يجد نفسه يتحدث باسلوبه لينتقده فهكذا تكون ( نزاز) باركنسون العرب من قادة لايعون مايفعلون او انهم مسيرون تحت اضعاف من الاقاويل ، الى شعب يحمل الاقاويل نفسها الى قادته لتعود عليه بنفس الطيف حتى يضعف ويرتعش ... فلايقظة بقدر ان يترك الانسان ماضية المريض أصلا ، ولا عافية من دون معرفة العلة ...

    السيميائية  تختلف تماما عن أي سيمائية في الكتابات الأخرى صورة الثوب المبتل الملتصق بالجسد لاتنعكس بنفسه الا انها منغمسة مع براءة الطفل التي يناشدها العرب في كل كتاباتهم ، مع ظهور الاوزان في الجمل مطابقة للقرآن الكريم ، انه ذاك الذي نتعلمه جبارا وقهارا في الطفولة التي تحتاج الى الرحمن الرحيم الضائعة بين العرب تماما ، هي صبغة شعرية التي تحدث عنها جاكبسون في طي كل من الرومانسية والانطباعية والكلاسيكية والتعبيرية ... الخ كلها تحت طي الشعرية بانزياحات قصدها طلال مرتضى كي تكون خاصة به من حيث الأسلوب الطلالي وتحت تعبير شعرية جون كوهين للاسلوب بانه : ( كل ما ليس شائعا ولا عاديا ولا مطابقا للمعيار العام المألوف – بنية اللغة الشعرية:١٥) فصياغته من حيث اختيار المفردات اللاواعية والواعية هي تراث بين إرادة التسجيل لحبكة القصة وثيمتها والهدف ، وذلك الاختيار الواعي الذي كتب فيه ملتحما مع أسلوبه الهارب في ايقاعات كأنه يصيغ من اوزان القرآن وينحدر الى اعظم الكتاب ثم يعود باللغة لمعيارها المرسوم تحت بلاغة العرب ، ليزج حتى الأمثلة ويجعل نهايات بعض الفقرات نهايات ايقاعية للدلالة ان هذا القرآن الذي يملأ البيوت ببلوماني مازال في نفسه ويتجه بالعرب في انزياح معياري خاطيء فهم لم يفهموه ولم يفهموا ذلك الرب الرحيم ، بل فهموا صيغ تقاليد رسمت لهم وظلوا كالقطار لايحيد عن سكته المرسومة له بانتظام حتى تخور قواهم تحت تلك المعايير الخاطئة من انشغلات حثية بين حكام ورعية بعضها يستغفل بعض باطر تراثية لاتنستنهض الا من بعض الجمر تحت رماد الفتنة ...

   نزاز في النهايات لايلمه مقال فنحن سلطنا على رؤوس أقلام وتركنا بعضها لبحث اكاديمي كي ينظر للاسلوب الباركسوني في رعشته العربية الأخيرة او تحت تلك الانزياحات التي سيجبر حولها جبيرة البلاغة ... بأن العرب هم وطن في أي بقعة وليس الوطن هو عربي ...

أخترنا لك
تأملات في نصوص "نثرات روح" للشاعرة نهى عودة ( ج2 ) بقلم:ظاهر صالح

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة