باق أنت وهم راحلون

2020/07/31

حسين الجاف

 

العم(قدو) ومنذ اكثر من اربعين سنة يعمل في شعبة الضيافة بمكتب سكرتارية اكبر شخصية امنية بالبلد يقدم الشاي المطيب في اقداح مذهبه والقهوة العربية المهيلة في فناجين بيضاء مفضضة نظيفة

يدخل على الوزير بقامته الشامخة انيقا حليقا وجراويته البغداديه النظيفة جدا الملفوفة بأناقة بالغة حول عرقجينه الابيض المطرز بخيوط الساتان اللذهبية  تعلو زاهية على قمة رأسه وكأنها تاج ملكي، يدخل بقامته المديدة على رئيسه حاملا صينية الشاي البرونزية شديدة اللمعان محييا اياه بتحية الصباح بهدوء  واحترام شديدين فيرد المسؤول الكبير عليه بأحسن منها اهلا ابو طالب  .. على اسم اكبر انجاله وكان زميلا لنا بالمرحلة الابتدائية  ويتبسط معه الرجل الكبير في بعض الاحيان ليسأله بلهجته البغدادية المحببة ( ابو طالب شكو ماكو؟)فيرد عليه احيانا والله(باشا سلامتك ماكو شي) واحيانا ان احس بوجود امور تستحق الابلاغ لمعالجتها باعتبارها تخص الطبقة الفقيرة التي ينتمي اليها ابو طالب  وخاصة فيما يخص الغلاء والبطالة او الابتزاز والفساد  فيبث الوزير همومه بهدوء بخصوصها فيدون الوزير هذه الهموم في مفكرة صغيرة للنظر فيها فيما بعد  بدون ان يقطع   بوعد وكان الوزير يعتبر هذا المستخدم البسيط النبيه نبض الشارع وثرمومتر احداثه وكان العم قدو حريصا جدا  ان يوصل اليه بمصداقية عالية كل ما يهم مصالح ابناء طبقته وبعد التحقق من صحة مايبلغ المسؤولين به تتخذ الاجراءات المنصفة لازالة معاناة المواطنين  منها…

  وكان العم قدو(الجايجي) الانيق جدا بمكتب الوزير كتوما جدا فيما يخص امور الوزارة وقراراتها ومايسمعه من طراطيف الكلام بخصوص الاوضاع العامة من الوزير وضيوفه اثناء تقديمه الضيافة لهم.على اية حال مرة  عرض اثناء تقديمه قهوة الصباح لمسؤ وله الكبير مشكلة مجموعة كبيرة من  الشرطة المحالين على التقاعد لبلوغهم السن القانونية عندما طالب موطف فاسد من كل فرد منهم مبلغ (5) دنانير لقاء تنظيم هوية المتقاعدين لكل منهم وكان هذا مبلغا كبيرا على هذه الشريحة الفقيرة في اربعينيات القرن المنصرم   فتسلم منه الوزير الكفؤ الهميم الشكوى بمعلوماتها الدقيقة ولم يقل للعم (قدو) سوى هذه العبارة المقتضبة(يصير خير) دون اي اشارة اخرى وبعد ايام قليلة ذهب الوزير متخفيا بصحبة احد الاشخاض الذي كلفه بعرض معاملة تقاعدية مزعوعة على الموظف الفاسدفساومه على دفع المبلغ للمطلوب وعندما  اعطى الرشوة  له انقض الوزير على الموظف  الفاسدوبيده ورقة من فئة (5) دنانير ومن يومها صار  العم المسن موضع ثقة كل الوزراء الذين تعاقبوا على كرسي المسؤولية الاولى فيها مهابا مقدرا ومبجلا حتى انه لقب لامانته ونظافته وخلقه وحبه لمعاونة الناس بالوزير المزمن  مرة اقتربت منه وكان من  رجال محلتنا البارزين لطيفي الخلق  والمعشر   وقلت له  بعد ان تقاعد كم سنة بقيت تعمل في دائرتك ،؟فأجابني ضاحكا  وقال في فخار ملحوظ  42سنة  وما  احد قال لي على عينك حاجب 8  بل ان احد الوزراء الذين عملت معهم قال مرة ضاحكا وبين الجد والهزل : ابو طالب كلنا راحلون وان باق لان اعمارنا على كرسي الوزارة لاتتجاوز السنة اما انت فبأخلاقك الحميدة وحرصك في خدمة رؤسائك والناس الذين فانت باق ونحــــن راحلون وستبقى ذلك الوزير الابدي على كرسي هذه الوزارة.

أخترنا لك
وفاة الشيخ عبد الكريم راضي المنوخ شيخ خفاجة الزور

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة