حميد الربيعي رحيل صادم وموجع
2020/07/29
|
محمد جبير
كنت قد عزمت على إعادة قراءة النصوص
القصصية للقاصّ حميد الربيعي أيّام الحظر
الإجباري الذي فرض علينا بسبب جائحة كورونا، ولدت هذه
الرغبة بعد أن اطّلعت على آخر أعماله "جمرات يارا"،
والتي كان من المفترض صدورها مع بداية هذا العام عن
"دار صفافة– القاهرة "،إلّاأنّ الجائحة عرقلت هذا
الإصدار، على الرغم من أنّ الرواية جاهزة للطبع بعد ان
استكملت الدار إجراءات التصميم الداخلي والخارجي،
والانشغال في مشروع المراجعة والكتابة عن تلك النصوص
دفعني إلى أن أعدّ مجموعته الأولى "تل حرمل" الحدّ
الفاصل بين مرحلتين إبداعيتين في التفكير السردي،
مرحلة ماقبل "بيت جني" وهي الروايات "سفر
الثعابين– تعالى وجع مالك–جدّد موته مرتين– دهاليز
الموتى"، ومرحلة مابعد "تل حرمل" وهي "بيت
جني–قصص/ أحمر حانة – رواية/ غيمة عطر–قصص/ وجمرات
يارا- رواية "، ولكلّ مرحلة لها ملامحها وسماتها
الجمالية، وجاءني خبر الرحيل الصادم وأنا في نشوة
الكتابة، شلّني وأبكاني وأدخلني في حزن مضاف قبل
ان أخرج من حزن صديقنا العزيز القاصّ والروائي "محمد
علوان جبر"، وبعده رحيل الصديق الناقد والشاعر والكاتب
الصحفي "رزاق إبراهيم حسن"، تكالبت علينا الأحزان
ونحن في محجرنا المنزلي، نبكي رحيل أحبابنا من
المبدعين الكبار، توقّفت عن التواصل، فقد غلبني
حزني، وهذا ماكتبته قبل سماعي خبر الرحيل المفجع
والمؤلم والصادم..
تثير نصوص حميد الربيعي السردية الكثير من الأسئلة أثناء
فعل القراءة أو ما بعده، وهو الأمر الذي يضفي نشوة
المتابعة لتلك النصوص والتواصل معها والتفكير بها،وبناء
حوار مستمر مع شخوص ورؤى وتصوّرات تكشف عن الزوايا المظلمة
والمضيئة في هذا الكون الشاسع، فالكاتب لايفكّر أثناء
الكتابة السردية (القصصية "تل حرمل، بيت جني، غيمة
عطر، أو الروائية"سفر الثعابين، تعالى وجع مالك، جدّد
موته مرتين، دهاليز الموتى، أحمر حانة ") بما يحدث
بين قدميه، خافياً رأسه هربا من رؤية العواصف التي
تحيط بالإنسان وتدمّر وجوده بدوافع وفلسفات وإطارات سياسية
وفكرية تحدّد قدرة العقل على التجاوز ليدور في دولاب
ناعور الأفكار.
في قراءاتي للكاتب حميد الربيعي أجده مختلفا ومتجاوزا
في مرحلتين كتابتين، الأولى في نصوص إثبات
الوجود الإبداعي التي كتبت في الربع الأخير من القرن
الماضي، والمرحلة الثانية في نصوص التجاوز الإبداعي،
وهذ مايحتاج إلى دراسة مستفيضة تحدّد وترسم سمات كلّ
مرحلة من هاتين المرحلتين، سواء في كتابة القصة أو
الرواية، وهو ما نسعى لتحقيقه في هذه الدراسة معتمدين
في ذلك على قراءة النصّ وما يمكن ان يكشفه مع إزاحة
الإسقاطات الخارجية التي قد تفرض هيمنتها على القراءة
النصية وتضعها في إطارات خارج موضوع هذه الدراسة.
تمنح السرديات القصصية والروائية المتلقّي حرّية التأويل
والانطلاق في فضاءات أوسع من فضاء الجملة السردية
النصية، وذلك لما تتوفر عليه من محمولات ودلالات إيحائية
تنشط الخزين الصوري في الذاكرة الشخصية، وتؤسّس علاقة
تواصلية بين النصّ المكتوب والنصّالرؤيوي المخزون في
الذاكرة، حيث يتشكّل ناتج العلاقة الحوارية التواصلية
مشهدا مركّبا خارج متن النص وناتجا عنه يوطّد علاقة
المتلقّي مع النصّ ويحثه على التواصل في الفعل
القرائي، وقد تكون هذه العلاقة التفاعلية الثقافية بين
النصّ والمتلقّي لعبة تمارس بذكاء واتفاق ضمني بين
النصّ ومتلقّيه، يقوم برسمها ونسج خيوطها لاعب خارجي
كأن يكون السارد أو منتج النص ذاته.
لملمة الشتات
يشير حميد الربيعي في كلمة تصدير مجموعته القصصية
الأولى "تل حرمل– دار تموز– سوريا- 2012" إلى همّ
مشترك يلاحق كُتّاب العراق في الشتات، الذين
توزعوا على دول العالم المختلفة بعيدا عن مستقرهم في وطن
يطرد أبناءه،ففي رحلة الشتات والضياع والبحث عن المستقر
ضاعت الكثير من الأوراق التي توثّق خريطة الإبداع وترسم
مسارات تطوّر الكاتب، حيث إنّه في رحلة التنقّل يكون
من الصعب جدا الاحتفاظ بتلك الأوراق المتناثرة أو تراجع
أهميتها أمام أولويات وجودية وإنسانية، إذ يقول في
ذلك التصدير الذي حمل عتبة "أوراق متناثرة" الآتي
"بسبب عدّة نكبات وتنقلات، شملت أصقاعا شتّى، بلدان
عدة انتقلت إليها، بعضها قسرا والبعض الآخر مجبرا أخاك
لابطل""مج– تل حرمل– ص7"? ثم يضيف "منذ العودة إلى
الوطن وأنا أحاول أن أجمع شتاتي، لكن الكثير من القصص قد
ضاع، في خضمّ الوجع الذي اكتنفنا عند الولادة على
شواطئ الرافدين، هذه القصص بعض ماتبقّى من الأوراق
المبعثرة، للأمانة التاريخية ولأهميتها تجمع هنا في
كتاب"."نفسه– ص7-8".
تنفتح هذه الإضمامة القصصية على قصة "كان مزهرا مثل
شقائقه"، وهي القصّة التي كتبت في
"الكويت-1985" حسب ما مثبّت في نهاية القصة،وتنتهي
بنصّ "شيش كباب" الذي كتب في " بغداد– 2012"? وما
بينهما جاءت أربعة نصوص قصصية هي "قطيع غربان-
دمشق- 1983? تعال نرقص–فينا-1987? شيء يشبه
الضجيج- فينا– 1990? تل حرمل-طرابلس-1997"? من خلال
قراءة السنوات التي ذُيّلت بها تلك النصوص فإنّنا نقرأ
ضياع ثلاثين عاما بين مدن وبلدان مختلفة، لم يخرج منها
الكاتب إلا بستّ نصوص سردية قصيرة، وهو أمر غير
منطقي ولا يمكن الركون إليه، فهو أقلّ من القليل،
وماضاع من النصوص هو الكثير، ولكن لو سألنا سؤالا
بريئا: هل فقد الكثير؟ أم تمّإهماله عن قصد من قبل
الكاتب؟كيف سيكون شكل الجواب على ذلك التساؤل؟
هذا السؤال لا يمكن الإجابة عنه بسهولة أو عجالة،
وإنّما يحتاج إلى قراءة متأنّية لإنتاج الكاتب السردي
في حدَّيه القصصي والروائي للتعرف على طريقة تفكيره
السردي الخاصّ الذي يحدّد نظرته للنصوص، وهو أمر
في غاية الصعوبة، يتطلّب تفكيك المنظومة السردية
والفكرية العامّة ومديات انشغالاته الإنسانية في النظرة
إلى المتغير الإنساني خارج الإطارات الثابتة التي تسعى
إلى إعاقة الإبداع كأن تكون إطارات فكرية أو نفسية أو
اجتماعية.
تكشف الصفحة "91" عن مسرد الأعمال المطبوعة للكاتب،
والتي سبقت إصدار هذه المجموعة وهذه الأعمال السردية هي
أعمال روائية "سفر الثعابين– 1987? تعالى وجع مالك–
2012? جدّد موته مرتين– 2012"? وقد رسخت الأعمال اسم الكاتب
في المجتمع الأدبي إلّا أنّ ما رسم من خلال تلك
الأعمال على الرغم من خصوصية الحضور وما قدمته من كشوفات
جمالية لم يكن في مستوى ما كان يفكّر بهأو يطمح له
على الصعيد الجمالي على الرغم مما يمتلكه هذا العالم من
طاقة سحرية وتبني الكشوفات المستقبلية، لذا كانت النصوص
المبعدة أو التي ضاعت في تنقّلات الشتات أقل من المستوى
الذي يطمح له الكاتب أو خطّط له مستقبلا، لذلك اختار
عيّنات من تلك النصوص، وهذه النصوص هي نصوص إمّا وليدة
أو ناتج عن سرديات روائية سابقة أو إنها بذرات لم تزهر
بعد، وتنتظر إنباتها في سرديات قصصية وروائية
لاحقة.
سوف أذهب مع فرضيةأنّ تلك النصوص القصيرة هي بذرات
لسرديات روائية أو قصصية تظهر لاحقا بين مدّة وأخرى قد تكون
متباعدة أو متقاربة زمنياًإلّا أنّ الثيمة المركزية تبقى
ترنّ في ذاكرة الكاتب تبحث عن أرض صالحة للإنبات،
فبُناة الأفكار وإن ظهرت هنا أو هناك بشكل خجول،إلّا أنّها
تبقى حية في انتظار لحظة الولادة المناسبة، وهناك أيضا
من الأفكار التي تكشف عن نفسها في أكثر من موقع أو عمل
وبأوقات زمنية متفاوتة، ومازالت تبحث عن تربتها
المناسبة.
آخر الشوط في أوله
لن ينتهي أول الخيط السردي في نهاية قد تكون مفترضة
في نصّأو تنقطع عن الظهور في نصوص لاحقة،إلّا أنّ
الأفكار تبقى قائمة في الرؤى والتصورات والشخوص لتبقى
قائمة في ذات النصّ وليس هيكليته الهندسية البنائية،
إذ تبقى الفكرة روحاً لائبة تبحث عن التجسيد الأمثل حتى
وإن كان ذلك التمثيل افتراضيا في ذهن المتلقّي، في
"جمرات يار– دار صفاف– مصر-2020? وتحديدا المقطع
السابع ترد هذه الإشارة "كنّا على وشك الوصول إلى مرقد
الولي الصالح في الجزء الشمالي من الحي، الذي
يفضي إلى ساحة زبيدة، الناس تعدّ ذلك المكان مقدّسا
في ما مضى، لكني أرى بعض الصبية قد تبولوا على الحائط
ومجراه لحظة انحداره إلى الأسفل لم يرسم شكلا مميزا،
لكنه ترك أثرا، كما الحيطان قد تآكلت، الدورة الكاملة
من الدوران عبر الأزقّة وصولا إلى باب المرقد جعلنا نستدير
إلى الشرق ثم ننعطف جنوبا أو غربا، يقال إنّ موضع
الباب في المرقد لم يثبت في مكانه، ففي كلّ
مرة، بين حين من الدهر وآخر، تجده الناس وقد غيّر
موضعه، هو الآن في الطرف الجنوبي الغربي من صحن
المرقد، لم أكن متلهفا لما سيطرحه أسطى طه من أفكار بخصوص
القبر، فأنا أعرف أن الرجل كان يطرح أفكارا عدة،
يتركها سائبة وفي اليوم التالي يعود فقط إلى تلك التي
نضجت، دون سواها، ما قاله عن فكرة مجنونة لم يرق لي
ولم آخذه على محمل الجدّ، باعتباري قد تعودت طريقة
تفكيره سابقا، ضمن هذا الإطار لم أحسب مدى التغيير الذي
حدث له، حتى تفاجأت بالفكرة التي كان يحصيها على
أصابعه،في أثناء مشينا باتجاه المرقد.
- " انظر .. تمعن .. ماذا ترى ؟".
- قبر الولي الصالح وبجواره قبر اليهودي ذي
الثعبان".
-" يابني، صحّح معلوماتك، اليهودي لايمتلك ثعبانا،
إنّما وفد إلى القبر لاحقا وتوطّن فيه، بعضهم أشاع الخبر
كي لاتنتهك حرمة اليهودي المسكين". "رواية جمرات
يارا– منشورات دار صفافة– مصر 2020- ص48- 49".
لم يكن هذا المقطع بالجديد على ما يكتبه الربيعي،
وإنّما جاء متماهياً مع نصوص أخرى تظهر في سرديات
قصصية وروائية في أوقات متباعدة، وإذا عدنا إلى العام
2012? وهو العام الذي صدرت فيه مجموعته القصصية "تل
حرمل– دار تموز– سوريا"، نتعرّف على جذر هذه الحكاية
التي جاءت نصّاً سردياً مقطعياً ضمن عدد من المقاطع
السردية الحكائية لتذوب في البنية السردية العامّة لنصّ
"جمرات يارا" العمل الجديد للكاتب، وكأنّ الأمر
هو "حكاية تفضي إلى حكاية"."الرواية–ص66"? و"هذه
الحكاية حين تروى، لاأحد يأخذها على محمل الجد".
"نفسه- ص66"? فهو يرى أنّ "كلّ الحكايات تظل طي
النسيان حتى يفجرها التشظي"."نفسه-ص70"?إنّ توالد
الحكايات حكاية تلد حكاية يضفي على الأفكار السردية
ديمومة التشكّل الحكائي في ثياب وإطارات متجانسة أو
مختلفة وصولا إلى ولادة الحكاية الأم التي يمكن أن تكون
مركزا مشعّاً وملمّاً لكلّ التشظيات الحكائية في
النصوص السردية، وهو مايشكّل رحلة بحث جمالي للوصول
إلى الحقيقة، حقيقة الروائح التي تنبعث من تفسّخ
الحكايات التي تعشش في العقول، ولا تريد أن تغادرها
لرؤية الجمال "إنّهم ليسوا بحاجة إلى عطورنا، لديهم
أنواع وأصناف شتى، يستعملونها للتجميل والزينة، ضنك
الحياة هناك يدفعهم إلى الإفراط في استعمالها، لكن
بالضرورة يختلف عن سبب استعمالنا نحن للعطور، نحن نريد
أن نجمّل الحياة، أن نجعلها مقبولة، وسط هذا الركام من
الموت المجاني أو القرف، العطور بحياتنا مثل حاجة
لتغطية خرابنا الداخلي، إنّها ضرورية كي ترى الجمال
يغلّف الحياة، لا نراه لكننا نرغب بشدة بوجوده، على
العكس من أهل الغرب"."جمرات يارا- ص113".
لا تخلو الجملة السردية في نصوص الكاتب من دلالات إشارية
تكشف عن الخطاب، ولنصٍّمضمر مقصود، لاسيما في قراءة
مجمل نصوصه لاكتشاف البنية الإطارية العامّة التي تحدّد
موجّهات اختيار المفردة السردية، وهي في أغلب الأحيان
لاتكون بريئة أو عفوية، وإنما مرسومة رسما دقيقا لكشف
حالة من حالات القبح أو الورم الفكري " التفسخ،
والروائح العفنة"، لاتبتعد كثيرا عما يراه أو
ماتشكّل من تراكم معرفي في تفكيك الحكايات المروية
والمتداولة شفاهيا والتي حملت شفرات ورسائل بثت مفاهيم
بالية وعششت في الذاكرة الجمعية لتكون فيما بعد أشبه
بالثوابت الفكرية، وهذه الثوابت المتوارثة هي مايسعى
إلى تفكيكها وإعادة تشكيلها وفق جماليات العصر لتكون الصورة
أكثر بهاءً وبعيدا عما علق بها من شوائب.
في العودة إلى نصّ " شيش كباب" من مجموعته "تل
حرمل-2012" نقرأ الآتي "لم تنتشر رائحة التفسّخ رغم
مرور ألف واربعمائة سنة فما زالت الاصوات من قبر الولي
الصالح في قنبر علي تثير الهلع في الشوارع الخالية
منذ أمد، ورغم ان الألفية الجديدة ستدخل التاريخ عما
قريب بيد ان الغرفة بقيت على حالها، وكأن تعاقب
الامد الطويلة لم يغير من واقعها شيئا، هي مثل بقعة
معزولة من مجرى الاحداث، لربما في حالها علة، بيد أن
المرور الطويل لم يشكل علامة فارقة، الغرفة تقع بالضبط
بعد الزقاق السادس الذي يمتد طوليا مع حائط المسجد،
لكنه ينثني قليلا بعد ما يميل نحو الشرق، الميلان
هذا تكرس شيئا فشيئا بمرور الوقت، كانت الالف والاربعمائة
كافية لان تحرفه كلية الى الاتجاه الاخر، الذي يفضي
الى خارج المنطقة بالكامل، هذا ما حدث بالضبط في كل
الاحياء"."مج– تل حرمل- ق- شيش كباب–ص81".
يحمل هذا المقتبس النصّي الكثير من الدلالات الإشارية
لبنى إطارية مرفوضة، وأخرى مقبولة، وتكاد تشكّل البنية
العامة للخطاب السردي الذي يتبنّاه الكاتب في هذا
النصّأو النصوص السابقة واللاحقة، فهي بنية مركزية في
منظومة الكاتب الجمالية في إطارها العام حيث يكشف لنا
تفكيك هذا المقتبس إلى وحدات نصّية مستقلة تفصح عن
بنية هذا الخطاب.
أولا: التفسخ.
ثانيا: ألف وأربعمئة سنة.
ثالثا: أصوات تثير الهلع.
رابعا:الشوارع خالية.
خامسا: ألفية جديدة ستدخل التاريــــــــخ.
سادسا: الغرفة على حالها.
سابعا: بقعة معزولة لمتشكّل علامة فارقة.
ثامنا: الزقاق يميل إلى الشرق.
تاسعا: ألف وأربعمئة كافية لأن تحرفه إلى الاتّجاه
الآخر.
عاشرا: الانحراف يفضي إلى خارج المنطقة
بالكامل.
إن المتغير الزمني يؤدّي إلى المتغيّرات الجمالية
والفكرية في هذه البقعة من العالم مهما كانت هذه البقعة
ساكنة أو توصف بالسكونية أو الجمود، حيث تشير الجملة
العاشرة إلى الانحراف، وهو انحراف عن المسار العام،
والمسار العام هو المتراكم العقائدي أو الإطاري الذي
يؤدّي إلى التطور والتقدم، وإنما إلى الجمودية
والتحجّر من والبقاء أو التعايش مع الجثث المتفسخة والرائحة
النتنة بسبب الخمول الذي يمسك بالقاطن في تلك البقعة،
وهو ليس خمولا جسديا، وإنما هو خمول فكري عام يقيّد
الحرية الإنسانية، لكن الزمن ومتغيراته يحرف المسارات
الفكرية رغما، وليس طوعا باتّجاه التغيير نحو الضفة
الأخرى وهي الضفة التي تختلف وتتقاطع مع الضفة الأولى،
ليخرج المكان ذاته من "بقعة معزولة" إلى مكان حضاري
واضح المعالم، وهو الأمر الذي نلمسه بشكل واضح في
السردية الروائية "أحمر حانة– دار صفافة– القاهرة"،
إذ تشكل تشظيات الحكاية وتمظهراتها في نصوص متباعدة
زمنيا وإجناسيا "قصة- رواية"، حالة من القلق
الخاصّ لدى الكتاب في ولادة نص متكامل من هذه التشظيات
النصية في زمن لاحق ينتظر اكمال ونضج الحكاية
كما يطمح أن تكون.
|
|
|