الشاعر المصري‮ ‬عصام سامي‮ ‬: ‬للكلمة الصادقة ثمن باهظ وأنا مستعد لدفعه

2020/07/24

عبد اللطيف الموسوي

يبدو ان الشاعر والقاص المصري‮ ‬الشاب عصام سامي‮ ‬يريد أن‮ ‬يتفرد بشيء ما لا ان‮ ‬يحجز لنفسه مكانة مهمة بين ابناء جيله فحسب‮.. ‬هذا هو انطباعي‮ ‬الاول منذ ان بدأت اتابعه‮ .. ‬ادركت انني‮ ‬ازاء مثقف متوهج معطاء‮ .. ‬يسلك طرقا ودروبا متنوعة بعضها شائك لكنه لا‮ ‬يبالي‮ ..‬
أقرأ في‮ ‬سيرته الذاتية‮ : ‬الاسم عصام سامي‮ ‬ناجي،‮ ‬تولد‮ ‬15/7/1986 بدأ كتابة الشعر في‮ ‬سن مبكرة‮ ‬،‮ ‬ليسانس أداب‮ - ‬جامعة عين شمس بالقاهرة،‮ ‬صدر له أربعة مجاميع‮ ( ‬أغاني‮ ‬الحب والحرية‮) ‬و(شاهد على مأساتي‮) ‬و(هوامش من زمن المنفى‮) ‬و‮ (‬وانتصف ليل القاهرة‮). ‬وهو عضو في‮ ‬اتحاد كتاب مصر وفي‮ ‬رابطة ادباء الحرية ورابطة الزاجلين وكتّاب الأغاني‮. ‬والحق اني‮ ‬وجدت نفسي‮ ‬مجبرا على سبر‮ ‬غور هذا الشاعر الذي‮ ‬يريد ان‮ ‬يتقدم بقوة فما وجدت افضل من ان اقدمه للقراء عبر حوار لاستخرج منه المكنون‮.. ‬فكان السؤال الاول‮ : ‬
‮{ ‬يأخذنا الشعر إلى مناطق وعرة لا‮ ‬يعرف تضاريسها إلا الشعراء الحقيقيون‮ ‬،وأحيانا تكون تلك المناطق محظورة‮ ... ‬كيف كان اختراقك لتلك الأماكن ؟ حدثني‮ ‬عن تجربتك الشخصية بهذا الخصوص تحديدا‮ .‬؟
‮- ‬أنا أدرك طبيعة المرحلة وماهية الحقبة الزمنية التي‮ ‬نعيش فيها الآن‮ ‬،‮ ‬وأعرف أنه قد تكون للكلمة ثمنها الباهظ في‮ ‬معظم الأقطار العربية‮ ‬،‮ ‬ولكن رغم هذا لم أستكن في‮ ‬يوم من الأيام وأخوض مع‮ ‬غيري‮ ‬من المثقفين والكتّاب معركة الحرية وسلاحي‮ ‬في‮ ‬تلك المعركة هو قلمي‮ ‬الذي‮ ‬لم أكتب به‮ - ‬بفضل الله‮ - ‬كلمة تخالف قناعاتي‮ ‬أو أساند به ظالما أو مستبدا‮.. ‬نعم حتى الآن لم أدفع ثمنا كبيرا لمواقفي‮ ‬ولكنى مستعد لتحمل تبعات ونتائج تلك المواقف‮ ‬،‮ ‬وفي‮ ‬المحصلة أن‮ ‬يأخذ الإنسان موقفًا ويكون له دور في‮ ‬معركة الوعي‮ ‬أفضل بكثير من العيش على الهامش،‮ ‬ذلك الهامش الذي‮ ‬لا‮ ‬يليق بكاتب صاحب فكر ورؤية‮ ‬يحاول من خلالهما تغيير الواقع المؤلم الذى‮ ‬يعيش فيه أبناء وطنه‮ ‬،‮ ‬هذا من ناحية الشعر السياسي‮ ‬أو المقاوم‮. ‬أما من ناحية الشعر العاطفي‮ ‬فأنا أحاول أن ارتقي‮ ‬في‮ ‬كتاباتي‮ ‬بعيدا عن المقرر والمستهلك وإن كنت لا أكتب قصائد رومانسية بشكل مستمر بفعل الحالة المزاجية الناتجة عن الأوضاع التي‮ ‬تمر بها أمتنا والتي‮ ‬هي‮ ‬بلا شك سيئة للغاية‮ .‬
‮{ ‬لا تكاد القصيدة علي‮ ‬الدوام منقادة ومطواعة للشاعر في‮ ‬جميع الأوقات‮... ‬هل عاندك الشعر‮ ‬يوما ما ؟ وكيف تتغلب على القصيدة وتخرجها على الورق ؟
‮- ‬منذ دخولي‮ ‬عالم الكتابة وأنا أحاول أن أكتب في‮ ‬الوقت الذي‮ ‬أريده‮ ‬،‮ ‬بغض النظر عن حالتي‮ ‬النفسية وتقلباتي‮ ‬المزاجية،‮ ‬وهذا ما تحقق منذ مدة لدرجة دفعت بعض الأصدقاء من الوسط الأدبي‮ ‬إلي‮ ‬القول أنني‮ ‬أكتب بشكل مميكن وآلي‮ ‬،‮ ‬ولكن طبعا هذا لا‮ ‬يمنع أنه في‮ ‬بعض الأوقات تعاندني‮ ‬القصائد فانصرف عنها وأعود إليها في‮ ‬وقت لاحق فأجدها مطواعة ولا أجد أي‮ ‬صعوبة في‮ ‬كتابتها‮ ‬،‮ ‬وفي‮ ‬حقيقة الأمر أنا لا أمتلك رفاهية الوقت في‮ ‬الكتابة لأن الوقت المخصص للكتابة لدي‮ ‬قليل بفعل ضغوطات العمل والوقت التي‮ ‬يستغرقه‮ .‬
‮{ ‬هل تشعر انك في‮ ‬تنافس مع المبدعين الآخرين من شعراء وكتاب قصة؟ أم انك تدخل في‮ ‬تحد ذاتي‮ ‬لتتقدم أكثر في‮ ‬عالم الإبداع وترى أن ذلك هو وسيلتك للنجاح بغض النظر عن مدى نجاح وتقدم الآخرين؟
‮- ‬أنا أحاول بقدر الإمكان متابعة الحركة الأدبية في‮ ‬الوطن العربي‮ ‬ليس من باب التنافس ولكن من أجل الوقوف على مدى التطور الحادث في‮ ‬المشهد الأدبي‮ ‬ولكني‮ ‬في‮ ‬النهاية أنكفئ على ذاتي‮ ‬كي‮ ‬أخرج نصا متميزا‮ ‬،‮ ‬وإن كنت أرى أن التنافس ليس عيبا مادام ذلك التنافس بعيدا عن الحقد وغيره من الأمراض التي‮ ‬تصيب النفس البشرية،‮ ‬وتجعل الإنسان‮ ‬يحزن لنجاح الآخرين وكان الأجدر أن‮ ‬يحاول الوصول إلى النجاح بدلا من شغل نفسه بغيره الذى قد‮ ‬يكون أشتغل على نفسه وبذل مجهودا من أجل الوصول إلى مستوى متميز‮ ‬،‮ ‬فالنجاح لا‮ ‬يأتي‮ ‬مصادفة ولكن النجاح‮ ‬يحتاج إلى الجد والعرق والكفاح‮ .‬
‮{ ‬أنت تكتب في‮ ‬أجناس أدبية مختلفة‮ ... ‬ألا تخشى من التشتت،‮ ‬ألا‮  ‬ترى أنك لو ركزت في‮ ‬مجال واحد أو مجالين لربما أبدعت أكثر؟
‮- ‬موضوع التشتت‮ ‬غير وارد لأن الموضوع‮ ‬يدور في‮ ‬فلك الكتابة الأدبية فأنا اكتب القصة القصيرة من خلال عناصرها المحددة وهي‮ ‬الإضمار وإبهام العنوان والتلميح وعدم التصريح والحبكة وغيرها من العناصر المتعارف عليها‮ ‬،‮ ‬وأكتب المقال من خلال المباشرة والعمق وغيرها من عناصر المقال وأما الشعر فمن خلال العروض والقافية والصور الجمالية‮.. ‬وكما أسلفت كل ما أكتب هو في‮ ‬الأدب فمثلا أنا لا أمارس الكتابة والموسيقى أو الرسم حتى أخشى من التشتت وأن كنت لا ألوم على من‮ ‬يمارس عملين مختلفين ففي‮ ‬الغرب مثلا قد‮ ‬يكون الشخص أكاديميًا متخصصًا في‮ ‬الكيمياء أو الفيزياء ومهتم بدراسة الآثار‮ ‬،‮ ‬ومن هنا‮ ‬يتضح أن التنوع أثراء أكثر منه تشتتًا ما دام الشخص‮ ‬يمتلك أدواته‮ .‬
‮{ ‬وهل هذا التنوع إشباع لرغبة أم لأنك تعتقد بقدرتك على ذلك؟ وماذا لو طلبت منك أن تختار ميدانا واحدا فأين ستجد نفسك؟
‮- ‬موضوع التنوع له أبعاد تاريخية‮  ‬حيث كانت بداياتي‮ ‬في‮ ‬عالم الكتابة من خلال القصة القصيرة وأدب الأطفال وكان ذلك في‮ ‬المرحلة الإعدادية من التعليم الأساسي‮ ‬،‮ ‬ومع نمو وعيي‮ ‬اكتشفت أن الشعر هو الأقرب إلى وجداني‮ ‬ونفسي،‮ ‬فاتجهت لدراسة العروض وإن كانت كتاباتي‮ ‬الشعرية قبل اتجاهي‮ ‬لدراسة العروض كانت موزونة إلي‮ ‬حد كبير بفعل الموهبة التي‮ ‬حباني‮ ‬الله بها شأني‮ ‬في‮ ‬ذلك شأن كل الشعراء‮. ‬أما كتابة المقال فكانت نتيجة‮  ‬تسارع الأحداث ومن أجل مواكبة كل جديد في‮ ‬حياتنا حيث أن الشعر‮ ‬يحتاج في‮ ‬كتابته لمدة زمانية أطول من تلك التي‮ ‬قد‮ ‬يحتاجها المقال‮. ‬وأيضا القصة تحتاج في‮  ‬كتابتها لوقت أطول مما‮ ‬يحتاجه المقال‮. ‬وفي‮ ‬المحصلة أعتقد أن معظم الشعراء‮ ‬يكتبون مقالات في‮ ‬الصحف‮  ‬وأيضا معظم من‮ ‬يكتبون في‮ ‬الأدب الروائي‮ ‬يقومون بنفس الشيء‮ .‬
‮{ ‬أراك مهتما في‮ ‬نشر إبداعك داخل مصر وخارجها في‮ ‬مختلف الدول‮  ...‬ما الذي‮ ‬يدفعك‮ .. ‬هل هي‮ ‬الرغبة في‮ ‬الانتشار‮  ‬؟ أم الرغبة في‮ ‬إيصال صوتك؟
‮- ‬موضوع النشر بالنسبة لي‮ ‬وسيلة وليس‮ ‬غاية‮ ‬،‮ ‬بمعنى أن النشر طريقة لإيصال أفكاري‮ ‬إلى القراء‮ ‬،‮ ‬وهو أيضا من الوسائل التي‮ ‬أخوض بها معركة الوعي‮  ‬ضد مثقفي‮ ‬السلطة وأبواقها الذين‮ ‬يديرون منظومة الإعلام الرسمي‮ ‬في‮ ‬الوطن العربي‮ ..‬تلك المنظومة التي‮ ‬تستهلك ملايين الدولارات من أجل إدخال الشعوب الراغبة في‮ ‬التحرر والحرية إلي‮ ‬حظائر المستبدين وبيوت الطاعة الآثمة‮  ‬،‮ ‬وطبعا لا‮ ‬يفوتنا أن نذكر أن الأموال التي‮ ‬تنفق علي‮ ‬منظومة الأعلام الرسمي‮ ‬هي‮ ‬من مقدرات الشعوب‮ .... ‬وفي‮ ‬هذا السياق أيضا وما دمنا نتحدث عن موضوع النشر،‮ ‬والسؤال المطروح بشأنه‮ ‬،‮ ‬فالقضية برمتها قضية جدلية أو بمعنى أدق قضية محيرة وتتلخص في‮ ‬سؤال‮ ‬يفرض نفسه وهو‮ : ‬هل الإنسان‮ ‬يكتب من أجل نفسه‮  ‬أم‮  ‬من أجل الآخرين؟ والإجابة على هذا السؤال تختلف من كاتب لآخر‮ ‬،‮  ‬ولكن في‮ ‬النهاية‮  ‬الكاتب‮ ‬ينطلق من ذاته ومن القضايا التي‮ ‬تشغل باله باتجاه المتلقي‮ ‬الذي‮ ‬بالتأكيد هناك قواسم مشتركة تجمعه بالكاتب‮. ‬
‮ { ‬تكتب الشعر في‮ ‬مواضيع مختلفة‮ ..‬أين تجد نفسك في‮ ‬الشعر الوجداني‮ ‬أم الوطني؟
‮- ‬الموضوع‮ ‬يختلف من مرحلة إلى أخرى‮ ‬،‮ ‬فمثلا بعد ثورات الربيع العربي‮ ‬كان لدينا رفاهية الكتابة الرومانسية‮ ‬،‮ ‬ولكن أمام سيل الدماء الذى نراه في‮ ‬أوطاننا المقهورة أعتقد أنه لا وقت لدينا للكتابة المفرطة في‮ ‬الرومانسية والشعر الوجداني‮ ‬،‮ ‬نعم لا ضير أن‮ ‬يكتب الشاعر من آن لآخر بعض النصوص الرومانسية والوجدانية من باب كسر‮ "‬التنشنة‮ " ‬أو تغيير‮  ‬الجمود في‮ ‬الحالة النفسية التي‮ ‬نمر بها‮ . ‬وفي‮ ‬هذا الموضوع أتذكر حوارا للشاعر العراقي‮ ‬الراحل عبد الرازق عبد الواحد قال فيه انه تم دعوته لمؤتمر كبير في‮ ‬القاهرة‮ ‬،‮ ‬وكان في‮ ‬هذا المؤتمر سيتم تكريمه‮ ‬،وصادف وجوده في‮ ‬الولايات المتحدة في‮ ‬ذلك الحين‮ ‬،‮ ‬فطلب منه القائمون علي‮ ‬المؤتمر أو المهرجان أن‮ ‬يرسل لهم عبر البريد الإلكتروني‮ ‬بعض النصوص الوجدانية والرومانسية المكتوبة حديثا،‮ ‬فقال لمن أرسل الرسالة‮ :‬يا رجل‮  ‬أنا إنسان‮  ‬يرى شلال الدماء‮ ‬يغرق وطنه وأنتم تريدون مني‮ ‬أن أكتب شعرا رومانسيا ووجدانيا‮ ‬،‮ ‬والشاعر نزار قباني‮ ‬أيضا عندما قيل‮  ‬له كلما كتبت‮ ‬،‮ ‬كتبت للمرأة فقال‮ : ‬أسقطوا عني‮ ‬قوميتي‮ ‬أه لو تدركون‮  ‬أن جل ما أكتب من أجل الوطن‮ ‬،‮ ‬ومن المعروف أن هزيمة حزيران مثلت صدمه لنزار وحولت مجرى أشعاره من الرومانسية إلى الشعر المقاوم وهو أعترف بهذا في‮ ‬قصيدة‮ "‬هوامش علي‮ ‬دفتر النكسة‮ " ‬فقال‮ ‬يا وطني‮ ‬الحزين‮ / ‬حولتني‮ ‬بلحظة من شاعر‮ ‬يكتب الحب والحنين‮ / ‬لشاعر‮ ‬يكتب بالسكين‮ " ‬وأعتقد أننا في‮ ‬هذا الوقت وتلك الحقبة الملبدة بالغيوم تجاوزنا بمراحل أجواء هزيمة حزيران‮.‬

 

70586

أخترنا لك
مناعة المتعافين من «كورونا» قد تزول خلال أشهر

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة