الفنان التشكيلي أحمد حسين الزعيم : اللون عنصر مقدّس في بنية الوعي والوجدان

2020/07/22

 حاوره: عادل الميالي

 تعد تجربة الفنان التشكيلي أحمد حسين الزعيم من التجارب المهمة والجادة في التشكيل العراقي المعاصر , كونها تستند إلى موهبة فنية وحس مرهف وثقافة عالية , دفعته للمساهمة بشكل ملموس في رفع مستوى الإبداع الفني , عبر أعمال فنية ناضجة ومتفردة ومجتهدة تطالبنا بالبحث من أجل الوصول إلى الاعتراف بخصوصيتها وجماليتها , فهي دائماً ترفض الثبات على رتابة الاسلوب الأكاديمي لتفترض حيويتها وتمردها لكي تسهم في إضافة حياة أخرى للمشهد الفني العراقي.

    تجربة الزعيم وفلسفته الجمالية تستند إلى خطاب بصري له إمتداداته الضاربة في عمق التاريخ , إذ يسعى عبر اسلوبه المتفرد والمبتكر إلى تناول موضوعات الموروث العراقي  الممزوج بالمعاصرة من خلال توظيف تقنيات وخامات متنوعة , مجددا بذلك في اسلوبه الذي أضحى سمة بارزة في تجربته البعيدة عن التبعية والنمطية .

   الزعيم فنان بارع في صناعة عوالم الجمال , إذ ان أعماله تنقل الرائي إلى عوالم سحرية تثير الدهشة والتأمل , عبر إمتلاكه لمهارة فنية في إنتقاء الفكرة والروية المتجددة ساعيا بذلك إلى تجسيد عوالمه الفكرية بتقنيات متنوعة .

  ما يميز تجربة الزعيم الجرأة المتناهية والثقة بالنفس عبر أعمال تستمد مرجعيتها من أفق التاريخ مستندا إليها ليقدمها في شكل فني وعلى نحو جديد .. إنها محاولة لاستحضار الماضي لكن وفق توليفة مغايرة تبعث الروح في الذاكرة الجمعية للمجتمع .. انه بذلك يجسد براعة التشكيل وعمق الفكرة عبر محاولات مستمرة للتجديد ساعيا إلى المغايرة .. إنه مغامر بامتياز عبر الفكرة والتقنية .

  في هذه المساحة نسلط الضوء على تجربة الزعيم ورؤاه الفنية والجمالية , فكان هذا الحوار :

{ لماذا الرسم دون غيره من الفنون التعبيرية الأخرى ؟

– كل الفنون تعبيرية , لكني أجد في الرسم مساحة أوسع في تقديم  النص اللوني , هذا لا يعني أن باقي الفنون ذات فضاء ضيق في إيصال المضمون , لكن الموهبة تحدد مسار الإتجاه والاختيار , فالرسم نظام شكلي تشترك في إنتاجه مجموعة أنشطة , نشاط حركي عبر اليد التي ترسم , ونشاط عقلي من خلال ذهن يفكر , ونشاط وجداني يمثله الإحساس , لذا أجد نفسي في هذا النظام وبين هذه الأنشطة , وكلما حاولت الإنتقال إلى نوع اّخر من الفنون التعبيرية , فسرعان ما تجدني عائدا للرسم .

 { مشوارك الفني , عن أي خطاب يفصح ؟

–   اللوحة عندي تعتمد على صياغة بصرية في التشكيل التقني عبر تعدد الخامات  والمواد المستخدمة حتى أعطي أفق أوسع في تفصيل جانب المضمون للمتلقي , في النهاية تبقى حاجة الإنسان إلى الفن هي التي تعبر عن معناه .

  الموروث العراقي

{ تستلهم في لوحاتك الموروث الرافديني والشعبي العراقي , هل هو توجه إلى الموروث برؤى وتصورات جديدة ومعاصرة ؟

– الفنون تبنى على أساس خلفيتها الاجتماعية والثقافية المشتركة , هنا تظهر قيمة الهوية في الموروث , فضلا عن ان تلاقح الحضارات ينتج نسيج فكري يساعد على إيصال الخطاب الفني  بشكل جمالي وصور مبتكرة , لتثوير قضايا كانت وما زالت تشغل مكان في وجدان الناس .

{ معظم لوحاتك مشبعة بروح المكان , فهل المكان يشكل هاجسا بالنسبة لك ؟

– المكان معنى وصدى للشخصية , وبما ان الإنسان كائن طقسي يرتبط بالمكان ارتباطا قويا من خلال العلامات التي يصدرها المكان , لذا فإن هناك مبثوثات عبر مجسات الفنان تؤشر هذه الحالات لتثويرها جماليا , وحين انتخب افلاطون أكاديميته كتب على بابها (من لم يكن مهندسا لا يدخل علينا) ، وبما الفنان يهندس الوعي وهذا ما أطلق عليه مؤخرا الانطولوجيا أي هندسة المعرفة لذلك علينا أن نضع حالة تثبيت على هذه المقولة ونتخذها خط شروع للإبداع .

  العناصر الفنية

{ أي العناصر الفنية أقرب إلى نفسك .. اللون أم التخطيط أم لعبة الضوء والظل الخالدة ؟

– كلها تلعب دور في إيصال الخطاب الفني سواء جاءت منفردة أو متجمعة , حيث يقول بول كلي (اللون هو مكان حيث يتلاقى عقلنا بالكون) , أما التخطيط فكل شىء يبدأ بخط  الضوء هو روحانية اللون , والظل سيد الألوان , وبذلك فإن لكل عنصر عالم من التجليات .

{ وماذا عن جدلية العلاقة بين الشكل والمضمون ؟

 – رسالة الفنان هي فك هذا الاشتباك القائم بين الشكل والمضمون , وهذا الاشتباك لا يفك إلا من خلال وعي متفرد , حيث أستذكر مقولة الفنان جواد سليم (ان الفنان يتابع ما يجري من حوله , ويعبر عنه بإخلاص , ولكن علية أن يعرف كيف يحقق هذا التعبير) .

{ هل تسعى إلى المغايرة والمغامرة عبر تعدد الخامات ؟

– هو لا مغايرة ولا مغامرة , فمبدأ تعدد الخامات موجود في كثير من الحضارات ومنها حضارة وادي الرافدين , ومثال على ذلك راية أور والقيثارة وغيرهن من النتاجات الفنية , إنه تلاقح الحضارات , لذا فأنا إمتداد لذلك الفنان السومري .

 اّداب اللوحة

{ لوحاتك لا تخضع للكثير من القوانين , فهل أنت مع عصيان اّداب اللوحة ؟

– الفنان منفلت التفكير وله مساحات اشتغال شاسعة , لذا فالخطاب الذي يعتمد على التلميح لا التصريح يعطي عمق أكثر , من هذا المبدأ يمكن نسبيا خرجت عن القوانين في تقديم النص اللوني والخطاب الجمالي.

{ هل تؤمن بالاتجاهات والمدارس الفنية المعاصرة ؟

– الفن مفهوم مفتوح يتغير على الدوام كونه يدخل في علاقات مشتركة .. طقوس دينية . . إجتماعية .. أساطير , وتلك العلاقات متغيرة من مكان لاّخر , من هنا أؤمن بتعددية الاتجاهات حينما تنسجم مع علاقاتنا المشتركة .

 بوح اللون

{ ما الاّلية التي تتحرك فيها ألوانك , هل هي خاضعة للمزاج الفني أم لضرورات اللوحة ؟

– هنالك ضواغط نفسية وأكاديمية تعيش مع كل فنان أثناء العمل , لكن بالأغلب يشتغل ضاغط الحالة النفسية عندي , فأنا ضد القوانين من هذه الناحية .

{ ما الذي يبوح به اللون لديك ؟

– اللون عنصر مقدس في بنية الوعي والوجدان عند الكل سواء فنانين أو غير فنانين , فهو ضرورة مهمة عندي لإيصال رسالة المضمون حيث أحرص على تسميته بالنص اللوني .

{ أين تكمن جمالية وتعبيرية المنجز الفني ؟

– في توصيل المضمون سواء بشكل مشفر أوتصريح مباشر , فالجمال الفني الظاهر تقنيا من أهم العناصر التي تسوق ذهن ووجدان المتلقي على أن يقف متفحص لذلك الخطاب .

ذاكرة بصرية

{ وهل لابد للفنان أن يعيد ترتيب ذاكرته البصرية ؟

– هذا ضروري من فترة إلى أخرى , إذ يجب على الفنان أن ينظر إلى تجربته دوماً ويناقشها من الألف إلى الياء حتى لا يصاب بالغرور , فضلاً عن تنمية القراءات والتطلع بشكل واسع , كونه يعطي الفنان حافز على إستهواء المعرفة كونها تدخل في رؤيته لإظهار العمل الفني بكل وظائفه وخصوصياته .. فالذاكرة البصرية مرتبطة دائماً بإحساس الفنان وانفعالاته الحياتية واستحضار ما يؤثر به من خلال رؤية وتعبير فني عالي .

{ وما هي مديات البحث في الفن للوصول إلى نتاثج مقنعة ؟

– يعتمد هذا البحث على بعدين أساسيين وهما الحرفة والوعي ، حيث تأتــي الحرفة من موهبة تصقل من خلال الدراسة أو المتابعة ، وهذا البعد يعطيك سيطرة كاملة للإخراج الفني والتشكيلي واللوني لصناعة العمل الفني ، أما الجانب الآخر فهو الوعي ، إذ لا يمكن للفنان أن يكون عمله مكتملا دون الاطلاع على الجانب الفلسفي والتاريخي والأدبي ، لذلك فان القراءة والاطلاع هما ركن أساسي لإنتاج عمل فني ناضج يضيف شيئا جديدا .

{ علاقــــــــــــــــة الثقــــافة بالفن , هل هي عــــــــلاقة حتــــــــــــــمية ؟

– إذا لم يحمل الفنان ثقافة لا يستطيع أن يحمي نفسه ويدافع عن عمله , ولا يستطيع أن يستمر في مجال الفن أصلاً , فبدون الثقافة لا يوجد فن أو قيمة فنية متميزة , فالثقافة تعطي معرفة في القيمة الشكلية واللونية والتكوين العام في العمل الفني في شتى تخصصاته وهي بالضبط قيمة حتمية .

{ حيث لا يوجد إبداع لا يوجد فن ، ما هو مفهوم الإبداع من وجهة نظرك ؟

–  الإبداع يتجسد بتطور خامة اللون والتكنيك ، بمضمون الفكرة وكيف ترتقي سبلاً مختلفة كي تحقق انجازاً شفافاً بالغ الدقة ، إذ لابد للعمل الفني أن يحمل هرمونية لونية روحية وأجواء مسيطرة على اللوحـة توحي بإبداع حيوي بارز , بشكل عام ليس هناك لوحة خالية من الإبداع وإلا فانها لا تمت للفن بصلة .

أخترنا لك
ذكرى شهادة السفير مسلم بن عقيل (عليه السلام)

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة