حُب تحت رحمة كورونا

2020/07/18

نهى العبدلي

 

في إحدى ليالي أبريل المُفعمة بأجواء خلابة خَرجت لتستنشق نسمة هواء عذبة أخذت تضطرم في شوارع المدينة وأزقتها الزاهية المشعة بالإنارة المركزية في كل مكان كأنها نشرة ضوئية تزين غرفة عروسيّن في ليلة زفافهما ..رغم تفشي جائحة كورونا في العالم أجمع إلا إنها أبت الرضوخ حبيسة الدار لمدة مفتوحة الأمد بلا حد مدروس ..

بين عذوبة الجو والمعالم الرحبة، تناهت صوت لايشبه أي صوت مر عليها مسبقاً ..إنه يقبع وسط  مجموعة من الأنام في ذات الشارع الذي أخذت تسير فيه بخطوات وئيدة لتتمعن في المظاهر الخلابة للشوارع،للبضائع،للنظام ،لوجوه المارة من حولها..إنه كروان في ليلة منيرة فريدة من نوعها ..رمقتهُ بنظرات مُبجلة ثم غمغمت بصوت خفي يالهُ من شاب يجذب من الوهلة الأولى ..بلا مقدمات..بلا معرفة مسبقة ..بلا تكلف .. ياليتهُ كان لي سنداً ،عوناً ،أخاً،حبيباً،سرمدياً،وليتركني العالم بأجمعه ،سيكون هو عالمي بأسره..أحست إن وجنتيها إتقدت إحمراراً..هيمنت على مشاعرها بكياسة مصطنعة قطبت حاجبيها وأخذت تراقب وضعهُ المُحتدم عن بُعد..في قلبها بدأ يزداد النبض المختلف عن سابق عهده،تسارعت دقات القلب أخذ يخفق بسرعة على غير عادته وكأنهُ يحاول الهروب منها ليقفز نحوه ،ليشعره إنهُ مُلهمها المستقبلي بلا منازع ..مابرحت ترتسم البسمة على ثغرها وروحها وقلبها إلا لدقائق معدودة حيث إنتهت المشادة الكلامية وتوارى عن ناظريها ذاك اليافع الذي بدأ يستوطنها صدفة منذ اللقاء الأول الغير مخطط له على الإطلاق..بنظرات يعتريها الأسى عادت أدراجاً في خطواتها لتنبذ حظاً مابرح ان يتقد نوره بعد ان لازمه الديجور لفترة زمنية ليست بالقليلة ..مضت وهي تردد على مسامعها مقولة للجواهري(مستحيل تنسى ملامح شخص وصل الى اعمق نقطة في قلبك)

دلفت احد المحلات للتبضع وطيفه لايني يتراقص في مخيلتها وهي تردد على مسامعها :كيف إكتظت ذاكرتي به لعدة دقائق !

أكملت مسيرها لتأخذ فسحة لاأكثر ، علها تواسي ذاتها لتفعمها بحُلة قَشِبة ، أخذت تتمعن عبارة للجواهري مُدرجة على أحد المقاهي في المدينة مفادها:

(ليس وحيداً من يستمتع بصحبة نفسه)

حيث كانت فكرة المقهى أنه طاولته لاتسع إلا لشخص واحد وتحتوي على جانبها قائمة اسماء كتب ومجلات وصحف متنوعة ينتقي منها الزبون ليُغذي بها عقله بمفرده مع فنجان من الشاي او القهوة او ماشابه ذلك ..

يالها من نُكتة مُبكية ! شتان بين الإثنين ان تنبهر بشخص يستوطنك من اللحظة الأولى ويختفي باللحظة ذاتها وأن تستمتع بصحبة نفسك مع ماتهوى..مضت بخطوات مضطربة وهي تردد لمَ لايتم الجمع بينهما لتكتمل لديَ الحياة السعيدة ..ثم سارت للعودة الى المنزل بعد نزهة مُنتزعة من البهجة والأمل ولو لبرهة ..

في منتصف شهر أبريل إشتدت أزمة جائحة كورونا حيث تم إعلان الحظر الصحي وأخذ الحيطة والحذر لتفشي الوباء ولتفادي عدم السيطرة عليه لعدم وجود العلاج للتخلص منه في حالة الإصابة ..

بنظرة مُمضة لما حولها أخذت تتمرد على الواقع لا لقلة الوعي إنما لشدة مرارة الواقع الذي اصابها ..باتت تجهش وتنشج بالبكاء ..

وتتمعن في قول شكسبير (لكي تستخرج الحرير يجب ان تموت دودة القز ولأن الحياة لن تعتذر لك أبداً تعلم أن تتجاوز ) .. اعلى درجات التصالح مع الذات ان يواسي الإنسان ذاته بقوة ذاته ليمضي بالحياة قُدماً دون الرجوع للوراء،وبالرغم من ضجرها من الوضع المُحتدم إلا إن إضطرارها للخروج الى الصيدلية لأخذ علاج، كان خطوة لإستعادة ذاكرتها ووقوفها بجانب المقهى الفردي ..بقلب كليم دخلت المقهى لتواسي عقلها هذه المرة لتشبعه حُباً وشغفاً بما يهوى رغم الحظر الجزئي ..

تتمتم ياترى كيف تكون الصدف في اللقاءات ..كان قد جلس على الطاولة الأمامية يرتشف فنجاناً من القهوة ،إلتقت عيناهما خلسة دون موعد مسبق ..تلك هي محاسن الصدف عندما تأتي على طبق من ذهب ..

بإبتسامة مشتركة عن بُعد..إبتدأ مشوار جديد إتجه نحوها إستجاب لإبتسامة ثغرها ..بكياسة واضحة :عفواً آنستي هنا تُكمن المحاسن الجميلة .لعليّ للمرة الأولى والأخيرة أنطق بما لم اود نطقهُ سابقاً ..جعلها في حيرة من أمرها ، هل كان يعي نظرة مسبقة لم تكن طويلة الأمد أم ماخطبه!

آنستي تتلاقى القلوب وفق ذبذبات متشابهة فتتعانق بلا موعد مسبق وبلا مدة محددة ، كانه أشفى غليل سؤالها ؟ إبتلعت لسانها لم تعد قادرة على النطق من شدةفرحها بتلك الصدفة ..أخذ يفسر لها إختفائه في المرة الأولى للقائهما ..حيث مضى عنوة عن نفسه ..كُنت في ذاك اليوم ،حينها مستقبلاً خبر صدمتي (إصابتي بالكانسر) أخذت الدموع تترقرق في عيناها العسليتيّن ، ثم أكمل حديثه قائلاً :ولذات السبب لإصابتي باللعين فإن مناعتي تكاد تكون شبه ضعيفة ومعدمة وها انا اليوم أجريت فحص لمعرفة كوني مصاب بالوباء واللعين الثاني والى الآن أنتظر النتيجة ..إستوقفته قائلة : اتعلم إن التبريزي يقول : الإيمان والحُب يجعلان البشر أبطالاً لأنهما يُذبلان الخوف والقلق من قلوبهم ..

بإبتسامة مشتركة أخذ بيدها وذهبا نحو مستقبل مُفعم بشجون وحُب سرمدي ، علهُ يستمر وينتصر ولايأبه ولايخضع للذبول وإن كان تحت رحمة كورونا ، كون السرمدية لاتعني الزمن المطلق بل تعني الخلود . وكما قالها التبريزي لكيميا :-

(وفي العشق تختلط الحدود) .

أخترنا لك
رونالدو: الملعب بدون جمهور مثل الحديقة بدون زهور

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة