شخصيات من مدينتي (52) عبد الحليم احمد الحصيني

2020/07/16

الدكتور هادي الحمداني
ولد الدكتور هادي حمودي احمد الحمداني في مدينة الشطرة عام 1931م وكان ثاني أخوين بينهما اخت واحدة وكان على رأس العائلة اب صاحب خلق رفيع مع حرص شديد على توفير اجواء معيشية رغيدة لأفراد اسرته البالغ عددهم (5) ابناء، وبعد وفاة الاب ينبري الاخ الاكبر "مهدي حمودي احمد" راعيا ومدبرا حياة هذه العائلة، فكان الاخ والاب الذي خلده اخوه بأكثر من مقطوعة من قصائده، ومن ذلك قوله:
هذا الشقيق الذي لولاه ما طرقت
كفي لأبواب مجد ظل محتجبا
منذ الفطام صغيرا كان يحرسني
ولم يزل بعيون الود مرتقبا
وكم رعاني ــ رعاه الله ــ في صغر
مذ كنت في المهد لا ريشا ولا زغبا
وكم لعبت واياه بمدرجة
اعدو اذ يعدو أو الهو إذا لعبا
وقادني صاحبا القى بصحبته
خلا وفيا فانعم بالذي صحبا
وبث في روحي العادات طيبة
وبث في نفسي الاخلاق والأدبا
حتى إذا أبصر الاتعاب مثمرة
لم يأل جهدا فزاد الجهد والتعبا
انساني اليتم: أم شاء خالقها
في ان يوسدها الغبراء والتربا
انساني الفقر حتى طيف صورته
وقد عدمنا فلا مالا، ولا نشبا
حتى القرابة انساني فحيرني
اخا يكون لـ (هادي) ام يكون أبا
وفي مدينة الشطرة كانت طفولته في رعاية هذا الاخ والاب الرؤوم، وفيها تعلم الحرف الاول، اذ أكمل الابتدائية في مدرسة الشطرة الابتدائية، ثم غادر الشطرة لعدم وجود مدرسة متوسطة فيها الى محافظة ديالى وعلى وجه التحديد الى قضاء الخالص حيث تعيش اخته ومكث فيها سنة دراسية واحدة انتقل بعدها الى كركوك حيث يسكن عمه علاوي الذي كان ضابطا في الجيش العراقي، اذ تكفل بابن اخيه سنتين كاملتين ليحصل على الشهادة المتوسطة. أحس بثقل الايام عليه ولما يزل صبيا يافعا وغربته عن المدينة التي ولد فيها وعن اخيه الذي كان يحبه ويرعاه لكن حبه للدرس هون عليه احزان الغربة اذ يقول:
جبت الديار صغيرا ابن عاشرة ولم أزل في سبيل العلم مغتربا
وفي عام 1947 / 1948م دخل في دار المعلمين الابتدائية الواقعة في منطقة الاعظمية ببغداد على الرغم من امكانية التحاقه بالمرحلة الثانوية نتيجة لما حصل عليه من درجات عالية تؤهله لذلك طلبا لاختصار الطريق على نفسه اذ انه سيتخرج بعد ثلاث سنوات معلما ليتكفل بنفسه ويضمن السلم الاول في عيش كريم متواضع له، زيادة على ان هذه الدار تقدم لطلبتها واكثرهم من ابناء الطبقة الفقيرة والمتوسطة المسكن والطعام والملابس وراتب بسيط يعينهم على التنقل ايام العطل من بغداد الى مدنهم وقراهم خارج بغداد.
وعند تخرجه من دار المعلمين الابتدائية عام 1950م تم تعيينه معلما في الناصرية ونسب الى مدرسة الحسينية الابتدائية ثم نقل الى مدرسة الشطرة الابتدائية التي أنهى دراسته الابتدائية فيها، وبعد مرور سنتين على وجوده في هذه المدرسة التحق بدار المعلمين العالية (كلية التربية فيما بعد) وكان من أبرز طلبتها اذ حصل على درجة الليسانس ــ البكالوريوس بمرتبة الشرف عام 1956م.
ثم دعي الى الخدمة الالزامية في الجيش فالتحق بكلية الضباط الاحتياطي بتاريخ 15 / 12 / 1956م وبعد ستة أشهر من التدريب العسكري تخرج برتبة ملازم احتياط وتسرح في 17 / 3 / 1958م وبعد التسريح من الجيش عين مدرسا في المتوسطة الغربية ببغداد ولم يكن يعين أحد من الخريجين في بغداد وفي مثل هذه المدرسة الا من كان من الاوائل على دفعته في الجامعة ولكونه الاول رشح في بعثة علمية الى جامعة مانشستر بإنكلترا عام 1960مفسافر الى انكلترا وهناك نال شهادة الماجستير ثم الدكتوراه وكانت اطروحته "روميات ابي فراس الحمداني" من جامعة مانجستر في المملكة المتحدة، وحين عاد الى الوطن عيّن تدريسياً في كلية التربية عام 1963 / 1964م، ثم قام بتدريس اللغة العربية في جامعتي بغداد والمستنصرية.
قال في زوجته وحبيبته وصديقته ورفيقة دربه السيدة الفاضلة (ام فراس) عام 1963م حيث فارقها لسفر قام بها:
عودي ألي فهذا القلب لم يجد
الا بقربــــك طعــم العز والرغد
لو لاك ما عشــق الدنيـا ولذتها
ولا اشتهى مأكلا فيـها ولم يرد
تلمسي خفقة الاشـواق يا أملي
وحياتـي التـي ترنو لفجر غدي
ويـا مناي ويا عــزي ويا حلمي
ويا قصيدي ويا وحيي الى الابد
تلمسي مدي لــي كفا على بعد
ففــي تلمسها بــرء الى كبدي
وفي العام الدراسي 1967/ 1968م اعيرت خدماته الى كلية الشريعة بمكة المكرمة، فقضى هناك سنة واحدة لم يستطع احتمال مفارقات المكان وخفقات الروح وهي تحن الى الاهل والاحبة والاصدقاء في (دوحته الشعرية) والى بغداد ولياليها وغير ذلك من المشاعر التي عبر عنها خير تعبير في قصيدته (حنين الى بغداد) التي نظمها عام 1968م وهذ بعض ما قال فيها:
أترقب الفجــر يا مـن هدك السهر؟
وترصد النجم يا من نجمك القدر؟
الليــــل غيرك يــا ليلـــي، وانجـمه
غيـــر النجـــوم، وغير الروعة القمر
نامـــت بظــلــمته روحــــي فآلمها
فــي ان تنـــام ولا لقيـــا ولا ســـمر
اشتـاق الثم مــن بغـــداد مبسمـهــا
اذا طغى الشوق واهتاجت بي الذكر
ما صــورة الكأس؟ اني بت اجهلها
وبت اجهــل ما تــوحــي به الصور
من قبل الف وهذي الخمـر سلوتنا
فكيف يحيـــا علــى فقدانها البشر؟
كفرت بالبعـد لا انتــم فأرشــفكم
ولا طـلا استبقــي منـــه واصـطبــر
وقـد رمتني النوى فــي دار مجهلة
لا يؤمنـــون بـأن فـــي جنــة سكـر
وانــه الله قـد اجــرى لنـــا عســـلا
نهــر تسيل ومـــن خمــر لنـــا نهـر
زيدوا على الكأس في روحي لها ظمأ
لا ينطفــي، وبقلبــي فيــكــم شــرر
اشتاقكـم، أي ذوب مــن حديثـكم
لا اشتـهيه وفــــي اعمــاقـــه درر؟!
فقل عائدا الى بغداد مسرح حبه وجذله واصحابه في (جماعة الدوحة الشعرية) وباشر التدريس بكلية التربية ببغداد ثم استلم رئاسة قسم اللغة العربية في الدراسة المسائية اعتبارا من عام 1968م حتى عام 1972م وفي عام 1974م اعيرت خدماته الى القطر الجزائري عاد بعد فترة قليلة الى بغداد وظل يتردد على الجزائر استاذا زائرا في جامعة وهران. واستمر مدرسا لمادة اللغة العربية حتى عام 1998م حيث سافر الى اليمن وعمل بعقد للتدريس في كلية التربية بجامعة عدن ، وفي منتصف العام الدراسي 1998 / 1999م التحقت بالحمداني زوجته (ام فراس) وسكن مع عائلته في منطقة (خور مكسر) على شاطئ البحر في عدن، مضت الايام على هذه الحال حتى جاء صيف عام 2001م سافر الى عمان حيث كان عازما دخول بغداد بعد ان غاب عنها ثلاث سنين وفي 1 / 8 / 2001م سافر الى بغداد بمعية زوجته وولده (مصعب).
وصل الحمداني ومن معه الى بغداد التي كأنها استدعته ليودعها وتودعه، ولتحتضن جسده الطاهر، فتوعك في بغداد ولما يمض على وصوله غير اسبوعين دخل على أثر ذلك المستشفى في بغداد بتاريخ 27 / 8 / 2001م ومكث هناك يوما واحدا نقل على إثرها الى (مستشفى ابن البيطار) وكان يشكو من مشاكل في القلب وفي 11 / 9 / 2001م فارق الحياة، دون ان يتمكن من حضور مناقشة اطروحة الدكتوراه لابنته الدكتورة (اروى) التي كانت قد تمت في 2 / 9 / 2001م وهو راقد في المستشفى. انها رحلة طويلة لرجل كبير الشأن فيها من ضروب المعاناة ما فيها وعلى الرغم من تقلبات الاحداث وتناقضاتها احزانا ومسرات يبقى الحمداني واحدا لم يتغير مبدعا متفوقا في كل ميدان من ميادين الحياة فوراء عمره الحافل بجلائل الاعمال الذي يناهز السبعين عاما (1931 ــ 2001م) كان هناك كفاح وترحال ودراسة وابداع وآمال وافراح واحزان، كل هذه الرحلة الطويلة قد خلف بعدها الحمداني مآثر ومعطيات منها عدد كبير من المؤلفات .
للشاعر هادي الحمداني اهتمامات عديدة الجوانب فهو المعلم والشاعر والفنان تنوعت مساهماته الثقافية واتسعت دائرة معارفه. فأصبح اسمه من بين الإعلام العراقيين في ميدان اللغة والأدب والشعر رغم قلة إنتاجه المنشور اذ ظل همه الفكري في قاعة الدرس فكان نموذجا فكريا يثير طلبته وزملاءه للاقتداء الجميل والحذو المثابر في التمكن من أدواته بلغة شفافة جميلة متواصلة مع ارث أمته ووطنه. ومثلما عرفه زملاؤه وطلابه عالما جليلا في تخصصه فقد عرفه الكثيرون شاعرا وخطاطا ورساما من الطراز الأول
ويرى الشاعر الحمداني إن الأيام وقحة وعصية لا ترجع ثانية:
حـفـيـرتـان حيــاة كـلـهـا تـعـب
وحـفـرة بعـد هذا العمــر في التعب
ونحن فيها كمـا شــاءت طبيعتها
شيء من الحلم في لوح من الخشب
وهذه الشطرة تجلس على ربيع أحلامه:
لولاهم مـا أتيت الربـع اقصده
ولا زهت بالربيع الحلو شطراء
والغراف لم تخرج من دائرة الذكرى:
نحط على الغراف عصرا وليلة
رحالا ليمضي القلب فيهن حاديا
وهذه مويجات الغراف تسبح في قوافيه:
عروسة الشعر والغراف ما برحت
فيه المويجات للعشاق صهباء
يشكو غربته في العراق الذي لم يكن كعراقه الذي يعرف:
انا الغريب وقد امسيت في بلدي
لا الدار داري ولا الاهلون اهلونا
وحينما فرشت الغربة خيمتها على عينيه وهو يفارق العراق قال:
عن العراق اما قد جئت من خبر
عنـه نســائـل زوارا وركبـانـا
ولم ينس المثل الشائع:
لملم بقاياك ما هذي بآخرها
فـأول الغيث قـطـر ثـم ينـهمـر
ومن المحطات الاهم عند الحمداني مدينته الام الناصرية والعاصمة الاكبر بغداد:
قال في هذا المجال:
يصارعه امران اهل وصحبة فلم يدر أي الصاحبين خليل
إذا مـال نحو الناصرية ركبه فقلب الـى بغـــداد منه يميل(1)
ومن آثاره:
المؤلفات المطبوعة
1ــ (ديوان الحمداني ، 1965م) 2ــ (مهارات في الخط العربي 1990م) (2)
وله كتابات أخرى عديدة تناول فيها :
1ــ (الإشارة في شعر المتنبي بغداد 1976م) 2ــ (الأمثلة النحوية 1972م) 3ــ (الحروف الزائدة 1971م) 4 ــ (الشاعر العربي سجينا وأسيرا 1970م) (3) 5 ــ (القافية ودورها في التوجيه الشعري ، مجلة الاقلام العدد السابع 1968م) 6 ــ (اماكن في مكة ذكرها الشعراء ، مجلة الاستاذ 1969م) 7 ــ (الحروف الزائدة ، مجلة الجامعة المستنصرية، العدد الثاني 1971م) 8 ــ (الاختصاص ... هل هو نداء ، مجلة الاستاذ العدد 16 العام 1968م) 9 ــ (الامثلة النحوية ، مجلة الجامعة المستنصرية العدد 3 في 1971م) 10 ــ (" ما " في شعر المتنبي ، مجلة الجامعة المستنصرية العدد 4 في 1973م) 11 ــ (ظاهرة المفعول المطلق عند ابي تمام ، مجلة كلية الآداب العدد 20 في 1976م) 12 ــ (المتنبي وحروف الجر ، مجلة الضاد العراقية العدد الاول 1988م) 13 ــ (البناء الفني لشعر الحكمة عند المتنبي : دراسة لغوية ، مجلة الضاد العدد الثاني 1989م) 14 ــ ( العلاقة بين شطري البيت في شعر المتنبي ، مجلة الضاد العدد الثالث 1990م) 15 ــ ( القافية في شعر المتنبي، مجلة الضاد العدد الرابع 1990م) 16 ــ (كراسة تحسين الكتابة الاعتيادية للمراحل الابتدائية الاولى) 17 ــ (كراسة الخط العربي للصف السادس الابتدائي) 18 ــ (دليل المعلم لتعليم الخط) 19 ــ (النحو والتطبيق للسنة الاولى في كليات الآداب في الجامعات العراقية ــ بالاشتراك مع المرحوم سعيد عبد الكريم والدكتور هادي نهر 1978م) 20 ــ (اللغة العربية للصفوف الاولى والثانية والثالثة من التعليم ، بالاشتراك)
المصادر
1 ــ الدكتور هادي نهر، ديوان هادي الحمداني ، الاعمال الكاملة (1 ــ 4) جمع وتحقيق ودراسة ، صفحات متفرقة
2 ـ حميد المطبعي ، موسوعة اعلام العراق في القرن العشرين، ج 1 ص 217
3 ــ الدكتور صباح نوري المرزوك، معجم المؤلفين والكتاب العراقيين (1970ـ 2000) ج8 ص 215
أخترنا لك
رواية الكاتب سليم مطر (كوكب الصفاء) وكوكب التعاسة

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة