يخيّم الإحباط على ذوي العضلات المفتولة ومزاولي رياضة كمال
الأجسام في مصر بعدما أصبحت تمارينهم وعروضهم حبيسة المنازل، في
ظل التدابير المتخَذة لمواجهة فيروس «كورونا المستجد»، ما يصعّب
عودتهم إلى روتينهم في الصالات الرياضية حيث مصدر لقمة عيشهم.
يقف لاعب كمال الأجسام المصري محمد علي ابن الـ33 ربيعاً، وقد
انتفخ ذراعاه بعضلات ضخمة ومُشقت بطنه بتكتلات مقسمة. وبعدما كان
يُعرف عنه الحماس الشديد في عروضه، يبدو علي كأنه ينظر بريبة إلى
قوته الجسدية التي تراجعت خلال فترة الحجر المنزلي التي امتدت
لنحو ثلاثة أشهر.
في منزله داخل أحد المجمعات السكنية الراقية في شرق القاهرة، ينظر
علي المكنّى «عصب» نسبةً إلى عروقه البارزة، بسخرية إلى جسده الذي
حاد عن هيئته البدنية المعتادة.
يعمل «عصب» مدرباً شخصياً، وشارك في العديد من بطولات كمال
الأجسام القارية والعالمية مع المنتخب المصري الذي عُرف عنه تميز
أفراده في هذا المجال على الصعيد الدولي.
ويقول «عصب» لوكالة الصحافة الفرنسية: «البطولة الأخيرة التي
شاركت فيها كانت في 2016، لكن مع الحظر قررت أن أعود وأجهّز
لبطولة لأني أملك وقتاً كثيراً وأشعر بالفراغ».
ومنذ منتصف مارس (آذار)، تخضع مصر لحظر تجول ليلي لمواجهة تفشي
وباء «كوفيد - 19»، لكن أعداد المصابين تواصل ارتفاعها رغم ذلك.
وسجّلت وزارة الصحة حتى الآن أكثر من 58 ألف إصابة، بينها أكثر من
2300 وفاة.
وفرضت الحكومة قيوداً وإجراءات احترازية كان من ضمنها إغلاق صالات
الألعاب الرياضية، لكن ذلك لم يمنع «عصب» من التدريب المكثف في
منزله، ويأمل في أن تمكّنه التمارين القاسية، من استعادة بنية
جسدية تخوله المنافسة في «مستر أولمبيا»، مسابقة كمال الأجسام
الأولى للهواة في العالم، والتي من المقرر بشكل مبدئي أن تقام في
ديسمبر (كانون الأول) في مدينة لاس فيغاس الأميركية.
إلى جانب تطلعاته التنافسية، يبدي «عصب» قلقاً بشأن مدخوله
المالي. فهو صاحب 16 صالة رياضية في القاهرة، واضطر مؤخراً بسبب
القيود المفروضة لمواجهة «كوفيد - 19»، إلى صرف رواتب مئات
الموظفين، من دون الحصول على أي مدخول في المقابل.
وافتقدت صالات التمارين خلال الأشهر الثلاثة الماضية، الضجيج
المعتاد للآلات الحديدية ومعدات رفع الأثقال وصيحات الرجال في
أثناء التمرن، بعد قرار السلطات إقفالها هذه الفترة.
وهذا الشهر، أكدت الحكومة أنها وضعت خططها لإعادة إطلاق الأنشطة تدريجياً في ضوء تطورات الموقف الطبي، ما سيتيح إعادة فتح صالات الألعاب والنوادي الرياضية، من دون أن يتم حتى الآن تحديد موعد رسمي لذلك.
في غرفة الجلوس التي تمتلئ أرضيتها بالأثقال المعدَّة للتمرين، يؤكد «عصب» أنه يواجه أيضاً صعوبات نفسية. ويوضح أنه منذ بداية أزمة «كورونا»، «أحاول فصل نفسي عن الاكتئاب والأحداث الصعبة، لأننا (مالكو الصالات)، مثل صناعات أخرى كالسياحة والطيران والمطاعم، تأثرنا بنسبة 100%». وأضاف: «هذا هو عملي وأكل عيشي واستثماري... ولديّ فريق كامل حتى إذا صرفت رواتبه فهو يعتمد على عمولات الخدمة المقدمة (للأعضاء)... لا أعلم إذا ما كنّا قادرين على العيش كما كان من قبل أم لا».
ليس «عصب» وحيداً في هذا المجال. فمحمد نسيم، السوري البالغ من العمر 33 عاماً، انتقل إلى القاهرة هرباً من بلاده مع بدء النزاع فيها عام 2011. ورغم طلّته القوية، لكنه بات متردداً أيضاً في التباهي بعضلاته.
وفي إحدى الحدائق العامة في غرب القاهرة، يوضح نسيم لوكالة الصحافة الفرنسية أنه بدأ «بممارسة رياضة كمال الأجسام في سوريا تقريباً في 2003 وكان الأمر في بدايته فقط لمجرد زيادة الوزن». ويتابع أنه في عام 2011 «حصلت على المركز الأول في مسابقة سيد الشاطئ، ولكن بعد الأحداث توجهنا إلى مصر».
ويعجّ حساب السوري على موقع «فيسبوك» بصور يشكّل فيها بجسده حركات كمال الأجسام على منصات مسابقات إقليمية. ويقول: «كانت هناك خطة للعودة مرة أخرى للمنافسات الدولية وبعض المسابقات المحلية بمصر، لكن كل هذا توقف بسبب (كورونا)»، مضيفاً: «طبعاً حاولت الحفاظ على لياقتي البدنية باستخدام الأثقال والتمارين بالبيت لزيادة قدرة التحمل وأن أحفظ شكل عضلاتي التي بنيتها» على مدى أعوام.
تحول العديد من لاعبي كمال الأجسام المصريين البارزين مثل «رامي الكبير» الذي أشاد به الممثل الأميركي أرنولد شوارزينغر، إلى مشاهير على مواقع التواصل، وانخرط عدد منهم في مجال التمثيل حتى.
لكنّ العديد من مزاولي هذه الرياضة حالياً يبقون طموحاتهم محدودة في ظل الظروف الراهنة، ومنهم نسيم الذي تلقى عمله كمدرب شخصي، ضربة قاسية. وهو حريص على العودة إلى عمله حيث اعتاد تدريب مزاولي رياضة كمال الأجسام الناشئين، والذين يتطلعون حالياً للحفاظ على لياقتهم. ويقول: «يجب أن نحسّن مزاجنا بالتمارين الرياضية... الموضوع (إغلاق الصالات) أثّر فينا مادياً ومعنوياً. لا أرى حقاً أي مبرر لإغلاق الصالات الرياضية فهي أمر جيد لمناعة الناس وما دام يتم اتخاذ جميع الاحتياطات اللازمة».
ويشارك نسيم مشاعر الإحباط، صديقه مصطفى الروبي الذي يملك صالة ألعاب رياضية وكمال أجسام في القاهرة.
ويبدي ابن الـ27 عاماً استغرابه لاستمرار إغلاقها رغم إعادة فتح بعض الأعمال الأخرى مثل مراكز التسوق.
ويقول الروبي الذي يجد نفسه حالياً دون أي مصدر رزق، إن «(جائحة) كورونا أنهت لعبة كمال الأجسام». ويضيف «من المفترض أن تكون الرياضة رقم 1 للقضاء على أي مرض، أرجو أن يُفتح مجال الرياضة والصالات حتى نتمكن من التمرين وزيادة المناعة لمواجهة المرض».