عيون من زجاج

2020/06/12

عيون من زجاج
نبأ الحيدري
في‮ ‬احد صباحات ايار المشؤومة،‮ ‬في‮ ‬قرية‮ ‬يسودها السلام والوئام‮ ‬،‮ ‬مكسوة بالثوب الاخضر حيث حقول القمح ع امتداد البصر‮ ‬،وحقول الدواجن والحيوانات الأليفة المنتشرة في‮ ‬تلك الحقول،‮ ‬،أفاقت احدى صغيرات تلك القرية من ذلك البيت الذي‮ ‬كان منارة فيها‮ ‬،‮ ‬على نواح وعويل لم تكن معتادة عليه في‮ ‬منزلهم الذي‮ ‬يعج بصخب الحب‮ ‬،وبراكين الحنان‮ ‬،‮ ‬واندلاع السعادةوالفرح،فتحت إحدى عينيها التي‮ ‬لم تكتفي‮ ‬من النوم بعد وأخرى آثارها الفزع‮ ‬،بعين‮ ‬يغشاها النعاس تارة وتارة‮ ‬يأخذها الروع،كأن عجاج السنين ثار بهما‮ ‬،أستفهمت من الحاضرين ويداها تمسحان عينيها مالذي‮ ‬يجري‮ ‬،‮ ‬لكن لا أحد‮ ‬يجيب من وقع الصدمة،‮ ‬فالكل‮ ‬يولول وثائر من هول المصاب،‮ ‬اقتربت إلى نسوة كن‮ ‬يجلسن بركن قصي‮ ‬من بيتهم وسألتهن ؟‮! ‬وكانت علامات الفرح تكاد تتفجر من وجنتيهن‮ ‬،‮ ‬فقالت لنفسها علهن‮ ‬يجبنني‮ ‬لأنها رأت فيهن ما‮ ‬يجعلهن‮  ‬يختلفن عن الجميع‮ ‬،فقد كانت عيونهن كالزجاج‮ ‬يسلخن مايمر امامهن من المارة بنظرات وقحة مستبشرة بما الت إليه أمور هذا البيت،أستدركت قائلة‮ :-‬
مالذي‮ ‬يحصل ؟‮!‬
‮ ‬اجبنها دون شفقه ورحمة تجيز لهن أن‮ ‬يحملنها تجاه طفلة لم تبلغ‮ ‬السابعه بعد‮ ! ‬
لقد مات‮!!!‬
من ؟؟
أبوك‮!!‬
هنا اتتها صفعة ألهبت مشاعرها‮ ‬،اخذتها نوبة دوار تتجول في‮ ‬أروقة متاهة ما اخبرنها به‮ ‬،شعرت الصغيرة أنها في‮ ‬حلم‮ ‬،ركضت نحو ساقية قريبة من منزلهم اعتادت الذهاب إليها كلما أضاعت والدها تجده هناك‮ ‬،‮ ‬لانه‮ ‬يحب مشاهدة‮ ‬غروب الشمس وطلوعها حيث الساقية،‮ ‬بحثت في‮ ‬أرجاء المكان علها ترمقه لتخبره عما قالته النسوة الخبيثات التي‮ ‬كان‮ ‬يكرههن بشدة لأنهن كريهات الطباع‮ ‬،‮ ‬لكن دون جدوى،‮ ‬رجعت إلى البيت ركضت بإتجاه والدتها المفجوعة‮ ‬،تنظر إليها وهي‮ ‬تكنس بقايا شعر رأسها شعرة شعره‮ ‬،وكأن الحزن‮ ‬غازل ظفائرها‮ ‬،مر عليها وتركها كشجر الخريف بلا اوراق،تتجول بحدقتيها اللامعتين من الغضب في‮ ‬أرجاء الغرفة وقع بصرها على مهد صغير بجوار امها‮ ‬يصرخ من الجوع‮  ‬ففمه لم تتورد على شفتيه حلمة بعد،‮ ‬اخذها الروع من المنظر راغت بنفسها خارجا،‮ ‬وهي‮ ‬تنظر للجميع‮ ‬يبكي‮ ‬ويلطم عدا تلك الخبيثات الشامتاات‮ ‬،‮ ‬رأت اخاها الكبير الذي‮ ‬لا‮ ‬يتجاوز عمره الثانية عشرة‮ ‬يتكئ على حائط منزلهم الفخم‮ ‬يبكي‮ ‬وينوح كأن أحدهم عبث بلعبته المفضلة لديه،‮ ‬وبعض الرجال حوله‮ ‬يخففون عليه حدة الالم‮ ‬،‮ ‬تدور بوجهاا البريء وكل ماحولها‮ ‬يفيض‮ ‬غرابة ودهشة،‮ ‬فإذا باخواتها اللاتي‮ ‬يكبرنها بعدة أعوام‮ ‬يصرخن ابي‮ ‬ابي‮ ‬،اقترب احد اقرانها من اولاد عمومتها منها وقال‮ :‬
_بعد اليوم لن تتباهي‮ ‬علينا بابيك ولن تصرعي‮ ‬رؤسنا في‮ ‬المساء عندما‮ ‬يأتي‮  ‬محملا بأكياس الفواكه والحلويات،‮ ‬ولن تركبي‮ ‬تلك السيارة الفخمة وتقولي‮ ‬لا تمتلكون مثلها،‮ ‬وتتفاخري‮ ‬أمامنا به لقد أصبحت من الآن بلا أب‮!!!‬
هنا عرفت ماقلن لها تلك اللعينات وذاك الطفل اللئيم‮ ‬،باتت بمشاعر متهرئة لا تعرف ماذا عليها فعله‮ ‬،طأطأت رأسها وعيناها تقبلان الأرض خيبة،‮ ‬ومنذ تلك اللحظة صك الحزن أسنانه‮ ‬غيظا‮ ‬،وعربد فيها الحزن وجعا‮ ‬،هبت عليهم رياح صفراء اقتلعت كل شيء جميل نما بفيء والدها ذاك الرجل الذي‮ ‬عرف بكرم اخلاقه،‮ ‬وسخائه‮  ‬الذي‮ ‬لا‮ ‬يختلف عليه اثنان ذا الثراء الفاحش،‮ ‬وتد خيمتهم قد سقط‮ ‬،لا دلال وغنج بعد اليووم‮ ‬،الأقنعة التي‮ ‬كانت تتزين بها تلك الوجوه الشريرة تكشفت وبانت على حقيقتها‮ ‬،وقفت‮  ‬ورفضت عزاءهم لانه لم‮ ‬يمت بداخلها،‮ ‬وفعلا كأن ذاك الوقت قد انضجها كثيرا عما هي‮ ‬عليه‮ ‬،‮ ‬فالشمس التي‮ ‬اذابت جمود قلوبهم وفجرت‮ ‬ينابيع الفرح بداخلهم قد‮ ‬غابت خلف أفق بعيد ولن تشرق على صحراء أرواحهم لتدفئ حياتهم بالأمل‮ ‬،اشابت جدائل أحلامهم البريئة وأخذ الموت مأخذه منهم‮ ‬،‮ ‬مع صراخ ذاك الطفل الصغير الذي‮ ‬لم‮ ‬يبلغ‮ ‬الا ساعات،فقد جاء في‮ ‬زمن بخيل وتوقيت كأن كل ساعته بدأت بالتوقف،‮ ‬والكل‮ ‬يكيل لمجيئة باللعنة التي‮ ‬حطت رحالها بفناء حياتهم،وهناك امرأة بح صوتها ولم تنفك وهي‮ ‬تضرب رأسها بكل قوتها بالجدار‮ ‬،عارية من العقل،‮ ‬بفؤاد فارغ،أصبحت ترى نفسها‮  ‬اكبر وتفكر للقادم‮ ‬،بعد مرور ستة أشهر وقفت على اطلال صرحهم الذي‮ ‬شاخت أركانه فهوى كبيت عنكبوت هش‮ ‬،تذره الرياح،‮ ‬
اخذت تمعن النظر اليه‮ ‬،تترنح على أرصفة الخذلان بذاكرتها الحبلى بالوجع،تسعى بين حقولهم التي‮ ‬سلبها منهم اقاربها،لم‮ ‬يعد‮ ‬يملكون من ذاك الثراء وحقول التبر‮  ‬مايسدون به جوعهم،تشاهدهم كيف‮ ‬ينهمون خيرات اراضيهم نهم الإبل نبتة الربيع،‮ ‬وهم‮ ‬ينهالون عليها بكركرات ضحك بعيون وقحة جامدة كالزجاج مهشمة من الرحمة‮ ‬،تراهم كيف انتزعوا جلباب عزهم و كبريائهم والبسوهم معطف الفقر والهوان‮ ‬،‮ ‬جمعتهم امهم تحت عبائتها بعدما تم طردهم من هناك،‮ ‬فأصبحت كشجرة واهنة من العطش بوجه الريح تنتحب‮...‬
أخترنا لك
ليدز بعشرة لاعبين يعرقل انطلاقة مانشستر سيتي في الدوري الإنجليزي

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة