الروائي مؤيد جواد الطلال.. سردية بإطار محدّد في دمعة وحيدة

2020/05/05

 حمدي العطار

على الرواية إن تقدم لنا (قصة) و(راوي للقصة)، ويفضل ان يكون اكثر من راوي للقصة ليكون هناك تعدد لمستويات السرد وتنوع رؤية كل سارد في هذه الرواية، في رواية (دمعة وحيدة) للروائي “مؤيد جواد الطلال” الصادرة من (دار العراب ) في دمشق سنة الاصدار 2019 والتي تقع في 189 صفحة وتحتوي على 12 فصلا، يتكفل بوظيفة السرد (ماجد) وهو الرجل الستيني ومرات يكون على (حافة السبعين) يقيم في دمشق هاربا من الاوضاع الامنية المتردية في بغداد”اليوم ، يوم الذكرى السنوية الثالثة لوصولي إلى الشام، لاجئا، وهاربا من جحيم الاقتتال الطائفي في العراق”ص29 ? يقرر ان يكتب رسائل الى الفاتنة (شروق) ومن خلال تلك المراسلات تكون مادة للرواية، التي يمكن ان تكون من (أدب الرسائل) واحيانا حينما يتحدث عن الجنس في دمشق والاماكن التراثية والاثرية في بغداد تكون من (أدب الرحلات )، لاتوجد قصة ولا احداث متطورة او متصاعدة هي تداعيات اغلبها يطغى عليها ويغطيها الجنس الموجود في الرواية على حساب (العناصر الجمالية الاخرى )، لذلك القارئ لهذه الرواية سيكون عليه ان يتفاعل معها غريزيا اكثر مما يتجاوب معها من الناحية الفكرية والعقلية! لا اعرف لماذا احسست بنفسي كأنني اقرأ- الى حد ما- احدى روايات الكاتب الايطالي (البرتو مورافيا) مثل (السأم أو الاحتقار أو الانتباه) وقد تكون بشكل دقيق رواية (أنا وهو)، التي البطل فيها يبحث عن تصعيد الطاقة الجنسية لرفع مستوى الابداع الفني (حسب نظرية الفرويد).

المحور الجنسي

حاول الروائي ان يكون جريئا جدا في هذا المحور الذي يصر على جعله ثيمة للرواية، وانقذ النص ما يملكه الكاتب من ذخيرة لغوية نظيفة واسلوب سلس للتعبير عن الجنس بطريقة (الثرثرة الممتعة) “لم يكن يكتشف بعد أسرار المرأة الحقيقية على الرغم من كل خبرات عمره.. المرأة التي تتجاوز مفهوم الصورة، وحركة الفيلم الإباحي، وجمال الوجوه، ورشاقة الأجساد، لتجرك إلى جنون الفراش الذي يكشف لك أسرارا وأسرارا، و يتوقف الأمر عند الثغور الرئيسة الثلاث التي توصلك إلى أعالي سدرة منتهى اللذة، ولا الزندين البضين أو النهدين النافرين، أو اليدين المزينتين أحيانا بالذهب والاحجار الكريمة.. أو غيرهما..أو غيرهما.. أو ..غير..هما”ص12 وسيجد القارئ الكثير من هذه المقاطع وأكثر جرأة واباحية في الرواية “(رغبة شبقية محمومة- لن ترتوي حتى لو ساح دفق ذكورتي الساخن بين فخذيك العاجيين كأنهما المرمر الصقيل”ص13 . الرواية ليست جنس 100 بالمئة فقد حاول السارد وهو الروائي والصوت الوحيد في السرد ان يتناول من مخزونه الثقافي التطرق الى كتاب اجانب وعرب وعراقيين في تلك التداعيات مثل (توماس مان) و(كول ولسن) و(هادي العلوي) و(حسين مروة) و(سعيد عقل) واحيانا يزج عرض ورؤية نقدية لبعض الاعمال القصصية والروائية مثل اعمال فؤاد التكرلي في روايته (الرجع البعيد) و(المسرات والاوجاع)التي “قد أرخت لمجموع آلام الشعب العراقي بدءا بالاحتلال البريطاني وانتفاضات الشعب ضد المعاهدات وأشكال الاحتكار والاستغلال الاقتصادي”ص115? ولا تخلو الرواية من الفلسفة ” صحيح انك لن تستطيع جعل دقائق اللذة- حتى لو أمتدت لساعات- أبدية خالدة، بل هي متغيرة متحولة كما هي حال المراحل الجميلة من الحياة: الطفولة المبكرة إن كانت سعيدة، سنوات الدراسة الاولى، فترة المراهقة، الحب الأول، زهو الشباب، النجاح في الدراسة والعمل، ذروة الرجولة”ص123 ? كما انها لا تنعدم من السياسة “هل يعقل أن يكون اليسار العربي قد أصبح عاجزا، وفاشلا، في قيادة الجماهير – ولهذه الدرجة !؟ هل على احزاب الشيوعية مثلا أن توجه ما تبقى لها من جمهور – أو مجازاجماهير كما كانت تسميها- ليرفع هذا الجمهور السلاح ويقاتل (داعش الرهيبة السوداء) وأخواتها مع كل القوى التي تدعي محاربتها رغم التناقضات واختلاط الأورق، وتداخلها، أن الأمر أصبح متعلقا بوجود الأنسان وما تبقى من إرثه الحضاري؟!”ص64

سكينة الروح

لعلني اجد افضل ما في الرواية هو الفصل السابع (سأطير إلى حيث تسكن الروح) وهو نص مكتوب من العراق، ويبدو ان (ماجد) السارد قد اودع جسده ومغامراته الجنسية رهينة عند صديقه الذي يسكن منطقة (جرمانا) في دمشق وهو يسميه (صديق المتعة) كمحاكاة (لزواج المتعة)، في هذا الفصل تبرز مؤهلات (ماجد) الثقافية من خلال زيارته لشارع الثقافة والكتب في المتنبي، وفي وصف جميل لأبرز المناطق التراثية والثقافية والمقاهي ينقلنا الروائي اليها “مقهى الشاهبندر، التي ترى فيها صور الملوك والسياسيين الذين لعبوا دور في تاريخ العراق الحديث معلقة على جدرانها المتعددة العالية إضافة إلى الصور التاريخية لمعالم بغداد الأثرية القديمة”ص67 تكتسب هنا اللغة شيئا من الرومانسية في الوصف “يضيع تغريد البلبل، صاحب الصوت الصادح والعذب، بين أصوات المحاورين في شتى أمور الحياة من ثقافة وسياسة وسواها” ص67  يتوازن البطل ماجد حينما يربط الهم الخاص بالهم العام وهو يتجول في (القشلة، وسوق السراي، ومحل الحاج زبالة لبيع العصير) ويذهب بخياله الى حيث المدن وذكرياته (تكريت وبيجي) ولا ينسى مقاهي بغداد القديمة (الزهاوي ومقهى حسن عجمي ومقهى أم كلثوم) وهو العاشق لأغاني ام كلثوم ودائما يذكرها في السردية.

ومن الثقافة ينتقل الى السياسة بشيء من النقد والعتاب “هل فشل اليسار في تحقيق أهدافه وكره العرقيون الأحلام الوهمية وراحوا يعبرون اليوم بطرق ملتبسة هي غامضة عليهم من الناحية الفكرية والفلسفية والنفسية- عن رفضهم للأمر الواقع”ص72 فصل جميل جدا يحتوي على جميع العناصر المشوقة وهو طويل (29 صفحة ) وهو الذي ينقل المتلقي اى الضفة الاخرى من أبداع الروائي!

الخاتمة

يبقى علينا ان نسجل اعتراضنا على غلاف الرواية فهو تصميم متواضع غير جذاب ، وكذلك العنوان (دمعة وحيدة) لم يكن متلائم مع شخصية ماجد الباحث عن اللذة الجنسية ، كان يمكن ان يكون العنوان المطابق لثيمة الرواية هو (المراهقة ما بعد الستين) أو (عودة الشباب) أو فليكن (جرمانا وصديق المتعة)! أخيرا نحن بأنتظار رواية ثانية للصديق ” مؤيد الطلال” يجعل لذة النص فيها بأن تكون (الاحداث تسرد نفسها ).

أخترنا لك
منظمة الصحة العالمية تمنح اللقاح الصيني «سينوفارم» موافقة طارئة

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة