الاستاذة : رجاء حسين

العنكبوت

قال تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ العَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوهَنَ الْبيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) العنكبوت41

العنكبوت: اسم جنس جمعه عناكب وعناكيب، شبه الله الذين يتخذون اولياء غيرالله كمثل العنكبوت اتخذت بيتا لتحتمي به ولكنه ضعيف لا يحمي ولا يسترولا يثبت، ولو علموا أن الملجأ الذي اختاروه ليحميهم من أوهن أنواع البيوت لما فعلوا ذلك، وهنا يظهر دور العلم في حماية الإنسان وضبط بوصلة حياته وتوجيه عقيدته إلى الاتجاه الصحيح

الجماليات: نلاحظ دقة الألفاظ في استخدام مَثَل بفتح الميم والثاء وهي تستخدم لتشبيه قصة بقصة، أما مِثْل بكسر الميم وسكون الثاء فهي تستخدم لتشبيه مفرد بمفرد، والتشبيه التمثيلي المركب هنا يوضح الصورة تماما كما سبق الشرح

نعلم أن لفظ العنكبوت مذكر في اللغة العربية فلماذا جاء الحديث بصيغة المؤنث، اتخذت بيتا؟

لأن التي تقوم ببناء البيت هي أنثى العنكبوت فهي تمتلك أداة البناء التي تتمثل في مغزل خاص موجود في نهاية بطنها، ولا يمتلك الذكرمثله.

لماذا وصفه الله تعالى أنه أوهن البيوت؟

يتجلى الإعجاز الإلهي في هذا التعبير حيث أن الوهن هنا يشمل الوهن المادي والوهن المعنوي، كيف؟

لقد أثبتت الدراسات العلمية الحديثة هذا الأمر بشكل يجعلنا عاجزين سوى عن قول سبحان الله فمن ناحية الأنثى وهي ربة البيت والتي دورها يتمثل في إشاعة السكينة والطمأنينة في جنبات البيت، والتي من المفترض أن تكون سكنا للزوج كبقية المخلوقات، ماذا تفعل؟ صحيح أنها تتولى بناء البيت بما وهبها الله من قدرة، ولكنها سرعان ماتقتل الذكر بعد تلقيحها وتقوم بالتهامه! ولعل شهرة عنكبوت الأرملة السوداء خير مثال، ولذلك نجد الذكرسعيد الحظ هو من يستطيع أن ينجو بنفسه في الوقت المناسب، بعد أن يكون قد اتخذ قراره بعدم العودة نهائيا إلى منزل الرعب الذي تقيم فيه الأنثى! ومن الطريف أن بعض العناكب يقدم لأنثاه هدية في موعد التزاوج؛ عبارة عن وجبة غذائية (حشرة) ويقوم بالتزاوج أثناء انشغالها بالتهام وجبتها، ولكن الويل له إن انتهت من وجبتها قبله؛ لأنها ستكمل به وتلتهمه؛ لذلك يحرص على أن تكون الحشرة الهدية كبيرة

وماذا عن الأبناء؟! ولأن هؤلاء الأبناء من تلك الأم المفترسة نجدهم يسيرون على دربها؛ فيقومون بأكل بعضهم البعض بمجرد خروجهم من البيض! أو يهربون من البيت خوفا من أن تفعل بهم الأم مافعلته بالأب! أو يقتلون أمهم ويأكلونها ثم ينقلبون على بعضهم البعض،

أما عن حال الضيوف الذين يوقعهم حظهم العاثر في ضيافة هذا البيت أوالاقتراب منه؛ فلا يجدون لا أمنا ولا أمانا ولا ضيافة سوى أنهم يصبحون وليمة لمن في البيت!

(وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لبيت العنكبوت) تذييل بليغ لتقريرالغرض من التشبيه في الآية

أوهن أفعل تفضيل يدل على شدة الوهن والضعف، وهكذا حال من يبتعد عن طريق الله القويم، فلا يجد غير التشرذم والتفكك والضياع في دروب الحياة، فما أحوجنا إلى التشبث بحبل الله المتين!

ملاحظات مهمة

نجد الاشارة في غاية الدقة فالوهن للبيت بكل ما يحمله من معان اسرية وتربوية واجتماعية وعاطفية وقد أثبتت الدراسات انه من أكثر البيوت انعداما للتوازن الأسري والتفسخ الاجتماعي

خيوط العنكبوت من أقوى الخيوط لدرجة ان العلماء يسمونه الفولاذ الحيوي او البيولوجي لدرجة انهم وجدوه أنسب الخيوط لصنع الدروع الحربية الواقية وبالرغم من ذلك فإن أية حركة بسيطة لإزاحته كافية لتقويضه

الاعراب

مثل: مبتدأ الذين مضاف إليه/اتخذوا: فعل وفاعل/من دون الله: جار ومجرور واسم الجلالة مضاف اليه/ أولياء: مفعول به/ كمثل: خبر المبتدأ/ العنكبوت: مضاف إليه/اتخذت: فعل ماض والفاعل مستتر/بيتا مفعول به/ج ف حال/

إن/حرف توكيد ونصب مبني على الفتح

أوهن/اسم إن منصوب وعلامة نصبه الفتحة البيوت/مضاف إليه مجرور

لبيت العنكبوت/اللام المزحلقة للتأكيد وبيت خبرإن مرفوع مضاف والعنكبوت مضاف إليه

من التأدب مع كلام الله أننا نقرأه بتمعن ولا نمر عليه مرور الكرام وكأننا نستمع إلى أغنية أو كلام عادي، أو كما أخبر الرسول – صلى الله عليه وسلم -: (سيخرج أقوام من أمتي يشربون القرآن كشربهم اللبن) كناية عن قراءتهم السريعة للآيات بدون تدبرولا تأمل، فتمرالآيات على ألسنتهم كما يمراللبن سريعا، بدون أن يترك أثرا، اللهم اجعلنا ممن يتفكرون في آياتك، وممن تخشع قلوبهم لذكرك، ولا تجعلنا من القاسية قلوبهم برحمتك يا أرحم الراحمين

وغدا لقاء جديد

تقبل الله صيامكم وصلاتكم وقيامكم

أرق تحياتي/ رجاء حسين