أطلقت كلمة "مستشرق" أول مرة سنة (1630م)، على أحد أعضاء الكنيسة الشرقية، وعرّف قاموس "أكسفورد" الجديد معنى المستشرق بأنه "من تبحر في لغات الشرق وآدابه"، واستعملت كلمة "الاستشراق" لأول مرة في معجم الاكاديمية الفرنسية سنة (1838م)، بعد أن شاع استعمالها وأصبحت اللفظة دالة على التخصص في الثقافات الشرقية، والاستشراق مدرسة فكرية ذات خصائص ودوافع وغايات، وليس من اليسير على أي باحث أن يحيط بأسرار هذه المدرسة وأن يستكشف كل خطواتها، وأن يلم بأهدافها، وهي وليد صراع طويل بين الحضارتين الاسلامية والنصرانية، وهي نتاج تجربة حية من نقائض وتباين بين عقيدتين وثقافتين وحضارتين(1) والاستشراق بمفهومه الاصطلاحي الضيق يعني "اهتمام العلماء الغربيين بالدراسات الاسلامية والعربية ومنهج هؤلاء العلماء ومدارسهم واتجاهاتهم ومقاصدهم"(2) ما قاموس أكسفورد الجديد فيحدد المستشرق Orientalist بأنه "من تبحر في لغات الشرق وآدابه، وذلك هو التفسير الذي سنعتمد عليه، وإن كان يفرض علينا أن ندع لآخرين أن يكتبوا عن ذلك الجم الغفير من ذوي الشهرة والصيت الذين عرفوا الشرق معرفة جيدة، والذين استلهموا أدباً بديعاً، ولكنهم خرجوا عن حد التعريف السابق، فلا يستطاع تسميتهم مستشرقين"(3).
مفهوم الاستشراق لدى علماء الغرب
يقول بارت: "الاستشراق علم يختص بفقه اللغة، ولا بد لنا إذن أن نفكر في المعنى الذي أطلق عليه كلمة إستشراق المشتقة من كلمة "شرق" وكلمة شرق تعني مشرق الشمس، وعلى هذا يكون الاستشراق هو علم الشرق أو علم العالم الشرقي، والأمر إلى هذا الحد واضح، ولكن ما معنى كلمة شرق في هذا المقام بالذات؟ الظاهر أن إسم الشرق تعرض لتغيير في معناه، فالشرق بالقياس إلينا نحن الألمان، يعني العالم السلافي، العالم الواقع خلف الستار الحديدي كما كان يسمى كذلك في الماضي، وهذه المنطقة يختص بها علماء بحوث شرق أوروبا، أما الشرق الذي يختص به الاستشراق فمكانه جغرافياً في الناحية الجنوبية الشرقية بالقياس إلينا، وذلك الاصطلاح يرجع إلى العصر الوسيط، بل إلى العصور القديمة، التي كان فيها البحر المتوسط يقع كما قيل في وسط العالم، وكانت الجهات الأصلية تحدد بالنسبة إليه، فلما إنتقل مركز الأحداث السياسية بعد ذلك من البحر المتوسط إلى الشمال بقي مصطلح الشرق برغم ذلك على الدول الواقعة شرق البحر المتوسط، كذلك تعرضت لفظة "الشرق" في أعقاب الفتوحات العربية والاسلامية لتغيير آخر في معناها، أو إذا شئنا دقة أكثر تعرضت لاتساع في نطاق مدلولها، فقد إنطلق الفاتحون في ذلك الوقت من شبه الجزيرة العربية لا ناحية الشمال والشرق فحسب بل إلى ناحية الغرب كذلك، وزحفوا في غضون عشرات من السنين إلى مصر وشمال أفريقيا وتعرب السكان تدريجياً، وهم الأقباط في مصر والبربر في غربها، ومنذ ذلك الحين تعد مصر وبلدان شمال إفريقيا ضمن الشرق ويمتد الاستشراق إلى الشمال غرب أفريقيا الذي يسمى بالمغرب أي بلد غروب الشمس، وإن كان المفروض أن إسم الاستشراق يختص بالبلدان الشرقية دون غيرها، ومهما يكن من أمر فإن الاسم لا يبين بوضوح مستقيم المقصود منه بالضبط والمهم هو الموضوع ذاته"(4).
ويعرف جويدي علم الاستشراق وصاحبه قائلاُ: "والوسيلة لدرس كيفية النفوذ المتبادل بين الشرق والغرب إنما هو "علم الشرق" بل نستطيع أن نقول إن غرض هذا العلم الأساس ليس مقصوراً على مجرد درس اللغات أو اللهجات أو تقلبات تاريخ بعض الشعوب كلا، بل من الممكن أيضا أن نقول أنه بناء على الارتباط المتين بين التمدن الغربي والتمدن الشرقي ليس علم الشرق إلا باباً من أبواب تاريخ الروح الانساني، وليس صاحب علم الشرق الجدير بهذا اللقب بالذي يقتصر على معرفة بعض اللغات المجهولة أو يستطيع أن يصف عادات بعض الشعوب، بل إنما هو من جمع بين الانقطاع إلى درس بعض أنحاء الشرق وبين الوقوف على القوى الروحية الأدبية الكبيرة التي أثرت على تكوين الثقافة الانسانية، هو من تعاطى درس الحضارات القديمة ومن أمكنه أن يقدر شأن العوامل المختلفة في تكوين التمدن في القرون الوسطى مثلا أو في النهضة الحديثة، وعلم الشرق هذا علم من علوم الروح Science de Lespirit يتعمق في درس أحوال الشعوب الشرقية ولغاتها وتاريخها وحضارتها ثم يستفيد من البحوث الجغرافية والطبيعية أن يسمى كما أسميناه درس تاريخ الروح الانساني من جهة الشرق، لأن إظهار قوى الروح واستعدادها يختلف باختلاف الزمان والمكان"(5).
ويمضي رودنسون في دراسته لتاريخ الاستشراق قائلا: "وهكذا ولد الاستشراق وظهرت كلمة مستشرق في اللغة الانجليزية حوالي عام (1779م)، كما دخلت كلمة الاستشراق على معجم الأكاديمية الفرنسية في عام (1838م)، وتجسدت فكرة نظام خاص مكرس لدراسة الشرق، ولم يكن المتخصصون بعد من العدد بحيث يمكنهم تشكيل جمعيات أو مجلات متخصصة في بلد واحد أو شعب واحد أو منطقة واحدة من الشرق، ومن الناحية الأخرى، كثيرا ما كان أفق هؤلاء المستشرقين يشمل عديداً من المجالات بطريقة غير متوازنة في عمقها، ومن هنا بدأ تصنيفهم "كمستشرقين" وشهدت فكرة الاستشراق تعمقا كبيرا إلى أنها تعرضت كذلك لأضرار وندوب، وكان الشرق يأخذ مكانه في مؤلفات القرن الثامن عشر إلى جانب الغرب في أفق شمالي"(6).
ويرى ديتريش أن "المستشرق هو ذلك الباحث الذي يحاول دراسة الشرق وتفهمه ولن يتأتى له الوصول إلى نتائج سليمة في هذا المضمار ما لم يتقن لغات الشرق"(7).
بعد إمعان النظر في الآراء التي صاغها علماء الاستشراق أنفسهم نستطيع أن ننتهي إلى نتائج ذات دلالات بالغة لينفذ منها إلى تقرير الحقائق التالية:
أولاً: إن دارس موضوع الاستشراق يجب عليه قبل كل شيء أن يحدد مفهومه ويحاول إيصال معناه محدداً إلى قارئيه.
ثانياً: إن الاستشراق علم ذو حدود واسعة وأحياناً غير واضحة، إذ يختلط ميدانه بميادين العلوم الأخرى لأن المستشرق قد يشارك في أبحاثه علماء الآثار والأصوات، والاشتقاق، والحفريات، والاهوت والفنون والفلسفة وما شاكل ذلك.
ثالثاً: إن المفهوم العلمي لكلمتي "الاستشراق" و "المستشرق" قد مر بأدوار مختلفة منذ عام (1783م)، عندما كان يعني أحد أعضاء الكنيسة الشرقية إلى عصرنا هذا حيث أصبح يعني التبحر في إحدى لغات الشرق وآدابها، فكأن هذا التبحر شرط أساس في عالم الاستشراق لأنه لا يمكن أن يأتي بنتائج علمية سليمة إطلاقا، وإلا بذلك كما هو واضح عند آيري وديتريش.
رابعاً: إن كلمة الاستشراق ذات دلالتين، أولهما إنه علم يختص بفقه اللغة ومتعلقاتها على وجه الخصوص، وثانيهما إنه علم الشرق أو علم العالم الشرقي على وجه العموم فعلى هذا الأساس يشمل كل ما تعلق بمعارف الشرق من لغة وآداب، وتاريخ وآثار، وفن وفلسفة وأديان وغيرها من علوم وفنون.
خامساً: إن الاستشراق علمياً يرجع إلى العصر الوسيط، بل إلى العصور القديمة، وأن مدلول لفظ "الشرق" تعرض لتغيير خطير بعد إنطلاقة العرب حتى أصبح يتعلق بالموضوع ذاته أكثر منه بالمنطقة الجغرافية، ويفتح آفاقاً واسعة للتفكير والبحث، والتحليل كما هو بين في آراء نولدكه وبارت.
سادساً: إن كلمتي "الاستشراق" و "المستشرق" علمياً حديثتا العهد نسبياً في الانجليزية والفرنسية إذ تبنتها الأولى حوالي عام (1779م) وتبنتها الأخرى عام (1799م)، وإعترفت بهما الأكاديمية الفرنسية المشهورة بالحيطة في إدخال الكلمات الجديدة إلى اللغة الفرنسية فأدخلتهما إلى معجمها المشهور عام (1838م).
سابعاً: إن الاستشراق كفكرة علمية قد نال حظاً عظيماً في أثناء القرن الثامن عشر، حيث كان الشرق يأخذ مكانه في أبحاثه ومؤلفاته إلى جانب الغرب في أفق شمولي، كما يؤكد ردونسون، مما يدل فيما نظن على أن دراسة العرب وما يتعلق بهم كان وما يزال أمراً بالغ الأهمية لعلم الاستشراق ودراسته.
ثامنا: إن الاستشراق في مفهوم جويدي أخذ ظلاً جديداً، إذ أصبح إطلاقه لا يقتصر على معرفة إحدى اللغات المجهولة للغرب والعادات الغربية عليه، وإنما على الجمع والانقطاع إلى دراسة الأنحاء المختارة من الشرق، والوقوف على قواه الروحية وآدابه العظيمة التي أسهمت إسهاماً فعالاً في تكوين ثقافة العالم بأسره، وتعاطي دراسة الحضارات القديمة والتمكن من تقدير العوامل المختلفة التي أثرت في تكوين تمدن القرون الوسطى والنهضة الحديثة، وأهمية هذا العلم تكمن في وسيلة فعالة لدراسة النفوذ المتبادل بين العالمين، الشرقي والغربي، وأنه على هذا الأساس يغوص في أعماق دراسة الشعوب الشرقية وكل ما يتعلق بها، وإذا كان الأمر كذلك فإنه يعد من أوسع العلوم موضوعاً وأبعد مدى، ولذلك يحق للباحث أن يسميه علم تاريخ الروح الانساني لأنه قوى الروح واستعدادها للتحولات التاريخية تختلف باختلاف الزمان والمكان، ويبدو أن هذا العلم في نظر جويدي يعد من أهم العلوم الانسانية وأخطرها، سواء فيما يتعلق بالموضوع نفسه أو فيما يتعلق بالتعرف على الروح الانسانية وتبادل النفوذ بين العالمين المتصارعين عبر التاريخ(8).
مفهوم الاستشراق عند العرب
وأما علماء العرب فقد ذهبوا في فهمهم للاستشراق مذاهب عديدة لا بد من الاشارة إلى بعضها، يقول أحمد حسن الزيات: "يراد بالاستشراق اليوم دراسة الغربيين لتاريخ الشرق وأممه ولغاته وآدابه وعلومه وعاداته ومعتقداته، وأساطيره، ولكنه في العصور الوسيطة كان يقصد به دراسة العبرية لصلتها بالدين ودراسة العربية لعلاقتها بالعلم، إذ بينما كان الشرق من أدناه إلى أقصاه مغموراً بما تشعه منائر بغداد والقاهرة من أضواء المدنية والعلم، كان الغرب من بحره إلى محيطه غارقا في غياهب الجهل الكثيف والبربرية الجموح"(9) ويذهب أحمد الاسكندري وأحمد أمين في تعريفهما للمستشرق بأنه "كل من تجرد من أهل الغرب لدراسة بعض اللغات الشرقية، وتقصي آدابها طلباً لتعرف شأن أمة أو أمم شرقية من حيث أخلاقها وعاداتها وتاريخها وديانتها أو علومها وآدابها، أو غير ذلك من مقومات الأمم، والأصل في كلمة (مستشرق) أنه صار شرقيا، كما يقال (إستعرب) إذا صار عربياً"(10) ويتوسع علي العناني في فهمه للاستشراق فيقول: "من صيغة هذه الكلمة تعرف أن المستشرق هو المشتغل بالعقليات الشرقية سواء أكانت سامية أو غير سامية، ولكن هذه الكلمة في إصطلاح العلماء والأدباء تطلق على المشتغل بالعقليات السامية خاصة، ويتبع ذلك البحث في اللغات"(11).
ويقول أحمد الشرباصي "المستشرقون قوم من أوروبا، ونسبوا أنفسهم إلى العلم والبحث وشغلوها في أغلب الأحيان بالبحث في التاريخ والدين والاجتماع، ولكل منهم لغته الأصلية التي رضع لبانها من أمه وأبيه ومجتمعه وبيئته، فصارت له "اللغة الأم" كما يعبرون، فهو يغار عليها ويتأثر بها، ويستجيب لموحياتها، مع ذلك تعلم اللغة العربية بجوار لغته الأصلية ليدرس حضارة الشرق وعلومه وآدابه"(12)? ويتطرق محمد عبد الغني حسن لعلم الشرق قائلاً "الاستشراق هو إشتغال غير الشرقيين بدراسة لغات الشرق وحضاراته وفلسفاته وأديانه وروحانياته وأثر ذلك في تطور البناء الحضاري للعالم كله"(13).
ويصف إبراهيم عبد المجيد اللبان أصحاب الاستشراق بقوله: "المستشرقون إسم واسع ويشمل طوائف متعددة تعمل في ميادين الدراسات الشرقية المختلفة، فهم يدرسون العلوم، والآداب الخاصة بالهند والفرس والصين واليابان والعالم العربي وغيرهم من أمم الشرق(14)? ويتعرض محمد الحوماني لدراسة الاستشراق فيقول "يكاد يكون الاستشراق علماً قائماً بنفسه له أصوله وفروعه، وله مقدماته ونتائجه، ويكاد يكون رجاله على رغم شتاتهم، شعباً خاصاً له أفقه الخاص به، وحياته المقصورة عليه، وقد مر بهذا الشعب وبرجاله في العالم قرون لم يتكشفه، كما هو، عالم أديب، ولكن هناك بضعة من الكتاب نقلوا لنا وللغربيين نتفا من أخبار هذا الشعب ... في معرض النقد أو التقريظ، والناقل أما شرقي يشكر للمستشرق إنصافه أو ينعي عليه تعصبه، وأما غربي يشكر له تعصبه وينعي عليه إنصافه(15) ويرى مالك بن نبي أنه "يجب أولاً أن نحدد المصطلح: إننا نعني بالمستشرقين الكتاب الغربيين الذين يكتبون عن الفكر الاسلامي وعن الحضارة الاسلامية، ثم علينا أن نصنف أسماءهم في شبه ما يسمى "طبقات" على صنفين:
الأول: من حيث الزمن، طبقة القدماء مثل جرير دوريياك والقديس توما الأكويني وطبقة المحدثين مثل كاردوفو وجولدسهير.
الثاني: من حيث الاتجاه العام نحو الاسلام والمسلمين في كتاباتهم، فهناك طبقة المادحين للحضارة الاسلامية وطبقة المنتقدين لها المشوهين لسمعتها.
وكذا وعلى الترتيب يجب أن تقوم كل دراسة شاملة لموضوع الاستشراق(16).
نستطيع بعد تفحص دقيق لهذه الآراء التي نسجها علماء العرب أن نستخلص النتائج الآتية:
أولاً: إن الاستشراق علم يحاول أصحابه دراسة الشرق وكل ما يتعلق به من لغات وآداب ومعتقدات وعلوم وفنون وما شاكلها.
ثانياً: إن المعنى الأصلي لكلمة "استشراق" صار شرقياً وإن صيغة "المستشرق" علمياً تطلق على ذلك الذي يشتغل بالعقليات الشرقية عامة والسامية خاصة، والعربية بوجه أخص.
ثالثاً: إن الاستشراق علم لا يقتصر على دراسة غير الشرقيين للشرقيين فحسب، بل أثر الشرق في تكوين البناء الحضاري وتطوره في العالم بأسره.
رابعاً: إن الاستشراق علم يشمل طوئف مختلفة تعمل في مجال الدراسات الشرقية من علوم وآداب تتعلق بالشرق كله.
خامساً: إن الاستشراق علم قائم بذاته، له خصائصه التي تدل على إستقلاله، وإن أصحابه قد شغلوا وقتاً طويلاً دون أن يهتم أحد بدراستهم دراسة علمية واعية إلا في أحايين نادرة في معرض النقد أو التقريظ.
سادساً: إن الاستشراق مهمنة أكثر منه علماً وأنه أقرب إلى دائرة التبشير من دائرة العلم، ومع ذلك فقد قدم المستشرقون خدمات جليلة فيما يتعلق بالمباحث التاريخية.
سابعاً: إن الاستشراق في المفهوم العلمي علم يضم في رحابه الكتاب الغربيين الذين يكتبون عن الفكر الاسلامي وحضارته، ولهم طبقات من حيث الزمن (القدماء والمحدثين)، ومن حيث الاتجاه العام نحو الاسلام (المادحون والمنتقدون)، والدراسة الشاملة لا بد أن تقوم على هذا الأساس والترتيب.
ثامناً: إن التعريف بالمستشرقين تعريفاً شاملاً فيه صعوبة بالغة، ومع ذلك فيمكن القول إنه عالم غربي يهتم بالدراسات الشرقية على الاطلاق، ويجب أن يكون عالماً متخصصاً غربياً أصلاً أو إنتماء وأن تتعلق دراسته التي يقوم بها بالشرق سواء كانت فلسفة أو اقتصاداً أو حضارة أو أدباً أو آثاراً، ولكن ليس من الضروري أن يذهب إلى الشرق، أو أن يعتنق أحد أديانه أو أن يتحدث باحدى لغاته، وإن كان إلمامه بها يساعده في أبحاثه ودراساته.
تاسعاً: إن لفظة "إستشرق" مولدة أدخلها المحدثون عن طريق ترجمة كلمة (Oreintalsim) وعلى هذا الأساس شاعت هي ومشتقاتها في الأوساط العلمية في الغرب والشرق سواء بسواء.
عاشراً: إن الاستشراق كمفهوم علمي، حركة علمية تعنى بدراسة الشرق، ماضيه وحاضره، وما يتعلق به من علوم مختلفة وما تركه للانسانية من أثر، أضاء أمامها الطريق نحو التقدم والازدهار(17).
مقارنة بين آراء الغربيين والعرب
بعد هذه النظرة لكلمتي "الاستشراق" و"المستشرق" يجدر بنا أن نوازن بين أراء علماء الغرب وعلماء العرب فيما يتعلق بالمفهوم العلمي لهما على النحو التالي:
أولاً: إتفق العلماء على أن الاستشراق قد أصبح علماً مستقلاً له ذاتيته وكيانه، ويقوم بدراسة كل ما يتعلق بالشرق وحضارته.
ثانياً: قرر العلماء إن المستشرق لا بد له من معرفة كاملة باحدى اللغات الشرقية وآدابها، ولا بد له من التخصص المتعمق وبعد النظر وثبات الوقوف على القوى الروحية والآثار الأدبية، وأثرها في الحضارة الانسانية قديماً وحديثاً.
ثالثاً: إعتنى علماء الغرب عناية كبيرة بتاريخ الاصطلاح نفسه منذ ظهوره حتى الاتراف به وإدخاله إلى لغاتهم ومعاجمهم، وعلى عكس ذلك لم يشر علماء العرب إلى هذه الخاصية إلا بعيد جدا.
رابعاً: إتهم بعض علماء العرب علم الاستشراق وأصحابه صراحة بالتطرف والتعصب، وذلك لصلته الوثيقة بالتبشير ومهمته. خامساً: أشار الجميع إلى الدور الكبير الذي أداه الاستشراق في تعريف الغرب بحضارات الشرق عامة، وحضارة الاسلام وآداب العرب خاصة وأثرهما في الغرب نفسه ونهضته العلمية والفكرية على حد سواء(18).
الهوامش
1- محمد فاروق النبهان، الاستشراق – تعريفه – مدارسه – آثاره ص 11 منشورات المنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة، ايسيسكو، 2012.
2- المصدر نفسه.
3- آ. أربري، المستشرقون البريطانيون، ص 7/8 ترجمة محمد الدسوقي، مطبعة وايام كولتر بلندن 1946م.
4- ر. باريت، الدراسات العربية الاسلامية في الجامعات الألمانية، ص11/12 ترجمة مصطفى ماهر، دار الكتاب العربي، القاهرة 1967م.
5- م. أ. جويدي، علم الشرق وتارخ العمران، الزهراء، 1970م، 1347هـ، ص 11/14.
6- رودنسون، صورة العالم الاسلامي في أوروبا، الطليعة، 1970م، ص 74.
7- ديتريش، الدراسات العربية في المانيا، ص7 دار نشر فرانز تناينر بنسيادان، 1962م.
8- أحمد حسن الزيات، تاريخ الأدب العربي، ص512? ط25.
9- أحمد الاسكندراني وآخرون، المفصل في تاريخ الأدب العربي، ج20 ص 408.
10- علي العناني، المستشرقون والآدب العربي، الهلال، ج10 ص 40 1932م.
11- أحمد الشرباصي، التوصف عند المستشرقين، ص6? سلسلة الثقافة الاسلامية، مطبعة نور، 1966م.
12- محمد عبد الغني، حسن عبدالله الفكري، ص89 أعلام العرب.
13- ابراهيم عبد المجيد اللبان، المستشرقون والاسلام، ص4/5 مجمع البحوث الاسلامية، 1970م.
14- محمد الحوماني، المستشرقون، الرسالة، 1937م.
15- مالك بن نبي، إنتاج المستشرقين وأثره في الفكر الاسلامي الحديث، ص5/6 دار الارشاد، بيروت، 1969م.
16- يحيى مراد، من قضايا الاستشراق، بحوث ودراسات، ص31.
17- المصدر نفسه.
18- نفسه.