بقلم :: رجاء حسين
{مقال أسبوعي} نسعد فيه بصحبتكم الطيبة مع دعوتكم لفنجان قهوة...أجمل الأوقات
تأتي بعض الأحداث؛ كفاصل بين مرحلتين، قد يحدث هذا الفاصل تغييرا جذريًا في حياة البعض، وقد لا يؤثر في حياة البعض الآخر، وجاءت كورونا لتؤثر في حياة الجميع شاء أم أبى، فلاشك أن الجميع متضررمما يحدث، والكل يعبرعن تضرره بطريقته الخاصة، ومن حق كل منا أن يبعد الضررعنه بما لا يسبب الضررلغيره من منطلق: {لا ضررولاضرار}، وما بين نزول العمال إلى أعمالهم أو توقفهم لفترة محددة حتى تمر الأمور بسلام؛ نجد أن هذه الضرورة، بالرغم من الحظرالمفروض لصالح الجميع، وبالرغم من أهمية هذا الحظر، وخطورة نزول هذه الأعداد في وقت واحد، لكن الإصرارعلى هذا الرأي الغريب لا يفوقه غرابة سوى التبريرالذي يرى أنه (عندما يموت بعض الناس من أجل أن تعيش البلد فهذا أمرعادي؛ وأن موت بعض الناس ومرض البعض الآخرأفضل من أن يفلس اقتصاد البلد)، كان من الأجدى أن يتكاتف الجميع ممن يملكون ثروات طائلة من خير هذا الوطن، وأن يقوموا بدورهم الوطني في حل هذه الأزمة؛ لم يكن من الصعب على من صدعونا بحبهم وعشقهم للوطن، أن يثبتوا هذا بشكل عملي عندما حانت لهم الفرصة، وليكونوا قدوة لغيرهم، لكنهم اختفوا مع ثرواتهم ليثبت زيفهم أمام الجميع، ويؤكد بعضهم أنه لا بأس في مرض أوموت بعض الناس من أجل أن تعيش البلد ولهؤلاء أقول: وما البلد إن لم تكن هي الناس؟! وما البلد بدون الناس؟!، وكما يقول المثل الشامي مجازا (الجنة بلا ناس ماتنداس):
عندما نقول عن بلدٍ إنها بلدٌ متحضرة؛ فهذا يعني أنَّ ناسَها متحضرون
عندما نقول عن بلدٍ إنَّها بلدٌ متخلفة؛ فهذا يعني أنَّ ناسَها متخلفون
عندما نقول عن بلدٍ إنها بلدٌ متعلمة فهذا يعني أنَّ ناسَها متعلمون
عندما نقول عن بلدٍ إنها بلدٌ جاهلة فهذا يعني أنَّ ناسَها جهلاء
عندما نقول عن بلدٍ إنها بلدٌ سعيدة فهذا يعني أنَّ ناسَها سعداء
عندما نقول عن بلدٍ إنها بلدٌ تعيسة وبائسة فهذا يعني أنَّ ناسَها تعساء وبؤساء
عندما نقول عن بلدٍ إنَّها بلد غنية فهذا يعني أنَّ ناسَها أغنياء
عندما نقول عن بلدٍ إنَّها بلدٌ فقيرة فهذا يعني أنَّ ناسَها فقراء
عندما نقول عن بلدٍ إنَّها بلدٌ تافهة فهذا يعني أنَّ ناسَها تافهون
عندما نقول عن بلدٍ إنَّها بلدٌ تتسم بالعقل فهذا يعني أنَّ ناسَها عاقلون
عندما نقول عن بلدٍ إنَّها بلدٌ خفيفة الظِّل فهذا يعني أنَّ ناسَها يتَّسمون بخفة الظِّل
عندما نقول عن بلدٍ إنَّها بلدٌ دمها ثقيل فهذا يعني أنَّ ناسَها يعانون من ثقل الدم
عندما نقول عن بلدٍ إنها بلدٌ حية فهذا يعني أنَّ ناسَها أحياء
عندما نقول عن بلدٍ إنَّها بلدٌ ميتة فهذا يعني أنَّ ناسَها أموات
عندما نقول عن بلدٍ إنها بلدٌ شبعانة فهذا يعني أنَّ ناسَها شبعانين
عندما نقول عن بلدٍ إنَّها بلدٌ جوعى فهذا يعني أنَّ ناسَها جياع
عندما نقول عن بلدٍ إنها بلدٌ نظيفة فهذا يعني أنَّ ناسَها نظيفون
عندما نقول عن بلدٍ إنَّها بلدٌ قذرة فهذا يعني أنَّ ناسَها قذرون
عندما نقول عن بلدٍ إنها بلدٌ ودودة فهذا يعني أنَّ ناسها أصحابُ مشاعر طيبة متدفقة
عندما نقول عن بلدٍ إنها بلدٌ متحجرة القلب فهذا يعني أنّ ناسهاَ متحجرو المشاعر
عندما نقول عن بلدٍ إنها بلدٌ مريضة فهذا يعني أنَّ المرض يتفشى بين ناسها
عندما نقول عن بلدٍ إنها بلدٌ تتمتع بصحة طيبة فهذا يعني أنَّ ناسها بصحة طيبة
وبعد كل هذا نجد من يقول: وما الضررمن وجود بعض الجياع، بعض المرضى، بعض الموتى، بعض البؤساء،
البلاد تحيا بحياة ناسها وتموت بموتهم، تتعافى بعافيتهم، وتضعف بضعفهم، تسعد بسعادتهم وتبتئس لبؤسهم، تصح بصحتهم وتمرض بمرضهم! هذه هي البلد، وهذا هو معنى البلد في أبسط صورة وأعمقها في الوقت ذاته، ولتحيا البلد لابد من مساعدة أهلها على الحياة؛ وبدلا من إرغامهم على مخالفة الحظر المفروض، وإجبارهم على النزول للبحث عن قوت عيالهم، نوفرلهم المعونة التي تقيهم شرالسؤال، نشعرهم بآدميتهم وإنسانيتهم، نظهرلهم بعض الاهتمام الإنساني، ليس من اللائق معاملتهم كتروس في ماكينات الإنتاج، ليس من اللائق تجاهل حاجاتهم ومسئولياتهم، إحساسهم بالضعف وقلة الحيلة أمام أبنائهم، ولأن الدنيا مازالت بخير؛ وحتى لا تكون الصورة باللون الأسود فها هو واحد من رجال الأعمال، يرسم لنا زهرة بيضاء ناصعة وسط هذا السواد؛ {محمود العربي} صاحب مصانع توشيبا العربي والذي قررإيقاف العمل لمدة شهرونصف مع صرف جميع المستحقات المادية مقدما لكل موظفيه خلال هذه الفترة،ولم يكتف بذلك؛ بل قررتجهيزمقرللحجرالصحي تجهيزا كاملا ؛ ولو اكتفى بذلك لكفاه، لكنه عمل على تحويل بعض شركاته لتصنيع الكمامات ومواد التعقيم، وكل ذلك على نفقته الخاصة؛ مؤكدا إن الرجال هي من تصنع المال، وليس المال هو من يصنع الرجال، ما يجعلنا نشعر بالفخروالسعادة لوجود نموذج مشرف مثله في هذا الظرف العصيب، وياليت كل من لديه القدرة على المساعدة يتذكر قوله تعالى: (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم) فالأمرليس مستحيلا ولاضربا من الخيال؛ وليصدق قول المتنبي:
جودُ الرجالِ من الأيدي وجودهم – من اللسانِ فلا كانوا ولا الجود
حفظ الله بلادنا والجميع من كل سوء
أرق تحياتي/ رجاء حسين