** التكثيف في القصة القصيرة جداً دلالة لغوية نفسية أدبية نقدية ***

***********************************************

قبل الخوض في عنصر التكثيف في القصة القصيرة لا بد لنا من الإشارة إلى أن القصة القصيرة جداً ما هي إلى تطـــور ديناميكي حداثي للأجــناس الأدبية التي اتكأت عليها القصة القصيرة جداً وأخذت منــها بعضاً من الملامح والخصائص المشتركة، كالرواية والقصة القصيرة، فكما ورثت القصة القصيرة للرواية مــع بعض الملامح المتباينة معها، كالشخصيات، والأحداث، والإسهاب في السرد و الحوار، ورثت القصة القصيرة جداً للقصة القصيرة مع عناصر متباينة كالإيحاء والتكثيف والانزياح السردي..

ما يعني أن من يريدالمقارنة والمقاربة بين الأجناس الأدبية يجــب عليه أن يعـقد تلك المقارنة والمقاربة بين جنسين أدبيين متتابعين، كالرواية والقصة القصيرة، أو القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا ً، وليس بين الرواية والقصة القصيرة جداً.

ويعــد التكثيف من أهــم عناصر القصة القصيرة جداً والملمـــح المميز لها عن القصة القصيرة، ومن قبلها الرواية،وسنتناول ذلك العنصر اصطلاحياً ونفسياً ثم أدبياً ونقدياً

** التكثيف في الاصطلاح **

التكثيف في الاصطلاح اللغوي مأخوذ مــن كثّف يكـــثّف تكثيفاً أي غلظ وثخن، كثّف الشيء : غلّظه، وثخّنه، مع الالتفاف والتراكب، تكثُّف: نوع من التفاعلات تتحد فيه جزيئات صغيرة لتتكون جزيئات كبيرة.. وسنعود لهذا العبارة الأخيرة في الأسطر القادمة.

** التكثيف وعلم النفس **

عملية لاشعورية يتاح بها لمضمون ظاهري واحد للتعبيرعن عدة مضمونات كامنة كما عبر عن ذلك مؤسس التحليل النفسي” سيجموند فرويد” فيظهر التكثيف في الأحلام والأعراض العصابية” النفسية” وكذلك في الأعراض الذهانية” العقلية” وترى موسوعة علم النفس والتحليل النفسي أن في عملية التكثيف يظهر عنصر واحد في الحلم الذي يراه النائم أو في العرض الذي يشكو منه المريض ليعبر عن أكثر من عنصر.

** التكثيف والرؤية الأدبية**

يعرف د. جودي فارس القصــة القصيرة بأنــها لقطة فنية بالغة التكـثيف،وهي جنس أدبي يمتاز بقصر الحجم والإيحاء المكثف والنزعة القصصية الموجـزة.

ويرى أحمد جاسم الحسين أن هناك نوعين من الإيجاز في القصة القصيرة جداً النوع الأول ( إيجاز الحذف) الذي يقوم على استغناء الكاتب عن بعض الألفاظ اعتماداً على السياق، والنوع الثاني ( إيجاز القصر ) والذي يعتــمد على كـــثافة الجملة مع اتساع معناها، دون حذف.. والنوع الثاني هو المحبذ والأنسب للقصة القصيرة جداً وقد حدد القاص الجزائري شوقي بن حاج للتكثيف أنواعاً معينة نذكر منها:

التكثيف الدلالي والتكثيف البنائي والتكثيف التجريدي والتكثيف السيكولوجي

التكثيف الدلالي يعتمد على فتح النص على مجموعة من التأويلات، والتكثيف

البنائي يعتمدعلى تخلص النص من الزوائد الجمل والكلمات والحروف غير

اللازمة، والتكثيف التجريدي يقوم على تصوير المطلق كالحب والجمال، ثم

التكثيف السيكولوجي النفسي وهو تفكيك الذات لمكوناتها ( الأنا والأنا العليا و

الـ هي )

أما صبري مسلم فيحدد خطوات يستخدمها الكاتب للوصول للتكثيف الشديد في

القصة القصيرة جداً نذكر منها:

1- الجمل القصيرة المركزة ذات الطابع الموحي والمختصر في إسلوب سردها

والقدرة على الإيحاء والتعبير والإشعاع بأكثر من دلالة.

2- الاقتصار على أقل عدد ممكن من الشخصيات.

3- تركيز الحوار والاسغناء عنه إذا أمكن.

4- اختزال الحدث القصصي وينطبق على التركيزالمكاني والسقف الزمني للقصة

القصيرةجداً.

** التكثيف والرؤية النقدية **

نستطلع ذلك من خلال أراء بعض النقاد:

1- جعفر جشي: التكثيف مرحلة خطيرة جداً في كتابة القصة لأنهاعملية ذهنية شديدة

الحساسية خاصة اذا اخذ الرواة لدى الكاتب طريقهم في السيطرة وإ ملاء أفكارهم

عليه، حيث سيكون للراوي دور كبير في فرض نوعية الكتابة، فثمة رواة لايتمكنون

من السرد الا بنفس طويل حينها لاشك ان الكاتب سيفشل في تقصيص اجنحة النص

لأنه ولد كبيراً..

2- محمد كنوف: من مميزات القصة القصيرة جداً الاختزال والتكثيف الذي يهدف

الى الاختصار ضداً على الثرثرة وتمزيق فم السرد.

3- طاهر الزارعي:ككاتت قصة قصيرة جداً، أدرك أن هذا الفن يعتمد على التكثيف

بشكل كبير، بالتالي فإنني مطالب بالحذف الفني والاقتصاد الدلالي والتخلـــــص من

الحشو اللغوي.

4- جاسم خلف الياسين: من الاستخدامات التي تساعــــد القاص في تكثيف الحـدث

والموضوع هي الرمز والتناص, والإنزياح( اللغوي, والفكري, والموضوعاتي).

5- أحمد القاضي: التكثيف لدي اقرب لعمل خارج نطاق العقل خارج نطاق القصيدة

وهو تراكمي لايتأتى بالنية الطيبة فقط بل بالتجربة والخبرة وقد لايتفق ناقدان على

مفهوم محدد للتكثيف والاختزال لأن المحرك المعرفي والثقافي لكليهما مختلف وهو

ما يحدد مستوى معيناً من التعريف للتكثيف والاختزال.

** الخلاصة **

مما تقدم نصل لحصيلة نهائية لمفهوم التكثيف بربط معناه اصطلاحياً ( لغويا) و

نفسياً ( وفق تعريفه في علم النفس) وأدبــــياً ( من أهل التجرية الكتاب ) ونقديا

( من أهل الأدب الوصفي).. عبارة عن جزيئات صغيرة تتحد وتتـــراكب كي

تكون جزيئات أكبر أي أن هذه الجمل القصيرة المكثفة ( الجزئيات الصغيرة )

ولنقل الألفاظ تكون المعاني الكبيرة وتشير وتوحي بها ( الجزيئات الكبيرة)..

أو مضمون ظاهري يشير إلى عدة مضامين كامنة، وعنصر محدد لا شعوري

واقعاً وخيالاً يعبر عن أكثر من عنصر، التكثيف عنصر أساسي من عناصر

القصة القصيرة جداً وهو مصروف إلى تكثيف الجملة مع اتساع في معانيها

وأبرز سمة للتكثيف هو الاقتصاد والاختزال وقد يكون حذفاً يعضد النص ولا

يؤدي إلى بتره أو التظاهر بقصره والتباري بذلك بتصنع، نعم ليكن النص به

من القصر ما يجعله رشيقاً لكن بلا تكلف مفرط، كما لو طال النص بلا مسوغ

وأسرف في السرد والحوار وترهل وأصبحت ألفاظه مجرد حشو زائد يجب

أن تحذف.

______________________________________________

1- القصة القصيرة جداً قراءة نقدية د. جودي فارس البطانية – كتاب ألكتروني.

2- القصة القصيرة جداً وإشكالية التجنيس – جميل حمداوي- كتاب ألكتروني

3- الرمزية والتكثيف – مقال للدكتور سعد الامارة.

4- التكثيف في القصة القصيرة جداً – مقال لجاسم خلف الياس.

5- التكثيف في القصة القصيرة جداً – مقال لشوقي بن حاج.

6- التكثيف اللغوي – مقال لجبير المليحان.