لكل زهرة في يومها العالمي
تقديم: رجاء حسين
------------
بصراحة .. وكل صراحة، ما لقيتش في عيدكم راحة، ولا وأنا في العيد بتهنى، ولا في التكريم مرتاحة.
وبصراحة أكثر، ينتابني إحساس شديد بالخجل؛ كلما سمعت أو قرأت عن نسبة الأمية في مصر، وخصوصا بين الفتيات و النساء بمختلف أعمارهن، وهذا الإحساس يرافقه شعور بالذنب بطريقة ما؛ لأني أعتقد اعتقادا جازما أن كل متعلم عليه مسئولية ما بطريقة أو بأخرى، تجاه تلك المشكلة، أما ما يثير اشمئزازي حقا، فهو نظرة بعض مدعي الثقافة تجاه الأميين، والبعض لا يكتفي بذلك بل يتعداه إلى الحديث بطريقة غير لائقة؛ وغير إنسانية أيضا، وفي وسائل إعلامية المنوط بها أساسا مسئولية النهوض بالمجتمع، وعرض الحلول لمشكلاته ومن أهمها {الأمية}؛ فنجد البعض يتحدث بأنهم لا يحق لهم المشاركة إطلاقا في الحياة السياسية مثلا أو مجرد إبداء رأيهم حتى، والبعض يغالي في إظهار رجعيته بالسخرية منهم ورغبته في اختفاء هذه الفئة برمتها من على وجه الأرض؛ حتى يستريح هو وأمثاله من تخلفهم وأميتهم؛ ويخلو الجو له ولأمثاله من المثقفين الذين يمتلكون وحدهم حق فهم الحياة و الاستمتاع بها، هكذا بكل بساطة! ولهؤلاء جميعا تتحدث الفلاحة الفصيحة:
..... خلافا لكل بروتوكول للتعارف لا مرحبا بكم لن أقول: أيها المثقف، بل يا مدعي الثقافة، لأن ألف باء الثقافة أن تمتلك نعمة الإحساس بالآخر، بظروفه، بآلامه وآماله، ألَّا تسخر مما يفتقده، معتقدا أنك فقط تمتلكه، هل فكرت يوما في النظر بآدمية أكثر إلى أية فتاة حرمتها الظروف ولأي سبب من التعليم؟ فهل ذنبي كفتاة أمية أني نشأت في أسرة ريفية بسيطة، أو وجدت نفسي دون إرادة مني في إحدى العشوائيات التي تتأفف من مجرد المرور بها ؟ في أسرة لا يتوفر لها أبسط مقومات الحياة، وأن أبي اضطر إلى حرماني من الذهاب إلى المدرسة؛ لأتعلم مثلك؟ هل ذنبي أني ولدت لأب وأم لا يقرآن ولا يكتبان ولم تتح لهما الظروف التي أتيحت لأسرتك؟
أني لم أجد يوما كتابا ملقى هنا أو هناك في جوانب بيتنا المتواضع؛ حتى أمسك به وأطالعه؟ لم أجد أبي البسيط يجلس مرتاحا يطالع جريدته المفضلة وهو يتناول قهوة الصباح؛ ولم أرَ أمي يوما تجلس مرتاحة بعد انتهاء معاناتها اليومية؛ لتطالع قصة أو كتابا، هل هذا ذنبي؟
وحتى عندما أفقت على المأساة التي أعيشها، وجدت نفسي مسئولة عن زوج وبيت وأطفال، حتى لو رغبت في التعلم والالتحاق بفصول محو الأمية فإن ظروفي البائسة لن تسمح بذلك.
هل تعلم يامدعي الثقافة، أن أقرب مدرسة ابتدائية من بيتنا عندما كنت صغيرة كانت تتعدى عددا من الكيلومترات؛ يجعل من المستحيل على معظم الفتيات في قريتي أن تذهب الواحدة منهن إلى المدرسة، ولا نمتلك رفاهية المجيء بأحد ليعلمنا بالبيت، وتكون النتيجة أن يُلصق بي رغما عني لقب أمية، جاهلة، أتراني سعيدة بأميتي؟ أم تراني سعيدة بسخرية أمثالك ممن يطلقون على أنفسهم لقب مثقفين ؟ ربما لا أستطيع أن أقرأ، ولا أكتب، ولكني أستطيع أن أسمع، وأفهم ما يقال أمامي.
أيها المثقف! أيها المتعلم! يا من تتحدث عني بأنفة، يا من تسخر مني ومن جهلي، من أعطاك الحق في أن تتحدث بلساني؟ من أعطاك الحق في أن تتحدث عني وترى ما يفترض بي أن أراه؟ أوصل بك الغرور إلى حد أن تفترض فيَّ الغباء والجهل إلى هذا الحد؟ ما أدراك بي؟ وما أدراك كيف أفكر وكيف أفهم؟
هل كلفت خاطرك يوما عناء المجيء إلى قريتي النائية عن حيك الراقي؟ وهل فكرت يوما أن تمد إليَّ يد العون لتنتشلني من هذا الجهل الذي أغرق فيه؟
وهل كلفت نفسك يوما عناء إقناع رجال قريتنا بأهمية تعليم بناتهم؟ هل فكرت يوما في إقناع أي مسئول بأهمية إنشاء مدرسة قريبة لنا لنتعلم ونفهم كما كنا نحلم؟
أجب أيها المثقف! أرني بم ستسعفك ثقافتك وتعليمك الراقي حتى تهرب من مأزق الإجابة؟
عموما، سأوفر عليك، فلتعلم أنني لا تعنيني إجابتك المتلونة، ولا أريد حتى أن أسمع صوتك، أيها المدعي، أكره سماع صوت سخريتك من أميتي، أكره ثرثرتك الفارغة عن عدم قدرتي على التفكير، وعن وجوب حرماني من المشاركة في الأمور العامة في مجتمعي؛ لأني كما تردد جاهلة غير متعلمة، أليس كذلك؟!
الآن أجيبك أنا، وعليك أن تسمعني، وتفهم كل حرف مما سأقوله لك، أنت مجبر على سماعي حتى النهاية:
أنت، يامن لم تفهم شيئا في الحياة، أنا الحياة، أنا الأم الجاهلة التي قامت بتربيتك، وأنا الأم التي علمتك كيف تكون الحياة! لا أعرف القراءة ولا الكتابة؟ ربما! وبغض النظر عن السبب الأساسي في ذلك! وأن هذا ليس ذنبي أنا، ولكن، ورغم إيماني بأهمية ذلك، من قال إن من لا يقرأ ولا يكتب لا يفهم بالضرورة؟!
هل نسيت؟! أنا الأم التي كنت تلجأ إليها عندما تواجهك مشكلة في حياتك، في دراستك، في عملك، وكنت أشير عليك بكيفية حلها، هل تراني خذلتك يوما؟! أنظر في عيونك، وأنا أقدم لك الحل المناسب لمشكلةٍ عجزت أنت المتعلم عن حلها، وكأن لسان حالك يقول: كيف استطاعت تلك الجاهلة التي لم تذهب للمدرسة يوما، أن تفهم أمور الحياة بهذا الشكل؟!
نعم، أنا الأم: أم الطبيب والمهندس والمدرس والمحاسب والقاضي و.. و..
تُرى كيف تمكنت من تقديم كل تلك النماذج الرائعة إلى المجتمع الذي تتصدى للحديث باسمه الآن؟!
سيدي المثقف المحترم! أنا أفهم جيدا، اطمئن
لا تخشَ عليَّ؛ فالحياة علمتني الكثير، ومدرسة الحياة لا تبخل أبدا على البسطاء أمثالي، بل أقول لك: ربما علمتني تلك المدرسة أضعاف ماتعلمته أنت في كل المدارس؛ فقد تعلمت ان أحترم من حولي، وأحترم تفكيرهم مهما كان بسيطا، علمتني الحياة ألا أسخر من عيب إنسان لا ذنب له فيه، علمتني أن القيام بواجبي قبل المطالبة بحقوقي، علمتني أن أتجاوز عمن أخطأ بحقي عن غير قصد، وأدعو له بنور البصيرة، علمتني أن أفعل المستحيل حتى يتعلم أبنائي وينالو اما حرمت أنا منه، وغير ذلك الكثير والكثير.
هذا بعض ما تعلمته من الحياة، فماذا تعلمت أنت؟ وماذا علمتَنا؟ بقلم/ رجاء حسين
========================
لكل زهرة في اليوم العالمي