لا تمُت قاعداً ! بقلم/ إيمان الموسوي

2020/03/02

قابلتها في ممر الطائرة مبتسمةً، تقول: «تتسابقين معي؟»، وأنا كعادتي أحاول تخطيها مسرعة، وعذري الجاهز: «لدي اجتماع»، لأكون بعد ذلك أول شخص يصل الى سير الحقائب، واضطر الى الوقوف، كالعادة، مع جميع من تسابقت معهم بانتظار شنطتي! أحد التصرّفات التي ما زلت أبحث لها عن معنى، هو القيام بفعل نعرف مسبقا أن لا جدوى منه ونصرّ على تكراره! قابلتها مرة أخرى في رحلة العودة، وتحدثنا عن رحلتنا القصيرة للبحرين وأعجبت كثيرا بحماستها وشغفها لعملها في المجال الصحي التطوعي، ورغم أنها متقاعدة، لكن بدا لي أن ما تفعله يفوق في الجهد والدقة أي عمل إلزامي. أنماط المتقاعدين اجتهدت من خلال الملاحظة والتواصل مع عدد من الأهل والأصدقاء المتقاعدين لأجد تصنيفات تغطي نشاطات هذه الفئة بعد التقاعد، وغالبا ما يكون المتقاعد ينتمي إلى واحد أو أكثر من الأنماط التالية: 1 - الخدماتي: من يصنع لنفسه شغلا مهما وبرنامجا مليئا بأنشطة الخدمات، كأن يعمل سواقا أو مطراشاً للأهل والأحفاد، يوصل الأغراض ويسقي الزرع ويضع جدولا لتبديل اللمبات، ويشتري أشياء بداعٍ أو غير داعٍ، كــ«درزن» أكواب، أو مغناطيس للثلاجة وغير ذلك، وهو مراسل من النوع الفاخر، وزبون شبه دائم في الجمعيات التعاونية. 2 - «البيتوتي»: متفرّغ للمواجيب، ويحضر جميع مراسم العزاء والعرس والعزايم، لديه جدول منتظم لزيارات الأهل، ويقضي بقية الوقت في النوم، أو في ركن منزلي خاص. 3 - «الحِبّيب»: ذو القلب الأخضر، حيث يقضي الوقت في الاهتمام بنفسه والتشبّب، والبحث عن حب أو علاقة يجدد معها شبابه، يبحث عن بدائل لشارع الحب، وقد يغزز إبر البوتكس بسرية تامة، سلوكه أشبه بتكتم الاستخبارات. 4 - الونيس: قرر أن يقضي حياته مستمتعا بوقته، تجده كثير السفر، يذهب للشاليه بشكل مستمر، ملتزم بالديوانية وبرامج الأصدقاء في البر والبحر، الكشتات، حديقة العديلية، حديقة الحيوان، مطاعم أبو الحصانية! 5 - الخبير: هو من حوّل خبرته الطويلة إلى مصدر رزق رئيس، وعمل مستدام، سواء بإنشاء مشروعه الخاص بعد التقاعد أو العمل في شركة متخصصة، مستفيدا من خبرته وعلاقاته. 6 - المتطوع: قرر أن يضيف للعالم شيئا إيجابيا، ويخدم الإنسانية من خلال العمل التطوعي، تجده مبادرا في الأنشطة الاجتماعية أو الخيرية، وأحيانا تأخذه الحماسة لناحية متطرّفة لتجده يربط نفسه بشجرة حتى لا تُقطع أو يرفع لافتات دجاجة تقول: «أريد مرق إنسان» في حملة تشجيع النباتيين «vegan»، أو يدير حملة التوعية ضد متلازمة مارفان «Marfan syndrome». 7- ماتَ قاعداً: عانى من فراغ وانهيار معنوي وإحساس بعدم الجدوى في الحياة، فمرِض ذهنه قبل بدنه، وأصبح زبونا للمستشفيات، ومستهلكا لبطاقة «عافية» للتأمين الصحي، والنوع المتطرّف من هذا النمط قد يصاب بمتلازمة مونتشاوسن «Munchausen Syndrome»، وهو اضطراب عقلي، يتصرّف فيه الشخص كما لو كان مصاباً بمرض جسدي بمجرد أن يقرأ أو يفكر في ذلك المرض، ولا يكون مريضاً بالفعل، وقد يصبح وسواسيا في البداية، ثم يمرض فعلا. لنُراجع سياسات قتل الإبداع عندما أُجْبِرَ البروفيسور جون جودإينف على ترك العمل بجامعة أُكسفورد بسبب وصوله الى سن التقاعد قرر الهجرة الى أميركا والعمل في جامعة تكساس، التي لا تُلزم المدرسين بسن للتقاعد، وعندما بلغ من العمر ٩٧ عاما تم منحه جائزة نوبل للكيمياء لإبداعه في تطوير بطاريات الليثيوم، ليضرب مثلا بأن العمر هو إحساس داخلي، وليس هناك عمر محدد للإبداع والابتكار، وأنه علينا مراجعة مفهومنا لمعنى الشباب ومراجعة الكثير من السياسات التي تحدد بعمر معيّن، كسياسات العمل والدراسات العليا ونيل الجوائز، وغيرها. لا تقبل بالموت قاعِداً في ريادة الأعمال ليس هناك تقاعد، فالإنسان دائما لديه الخيار في تصميم نموذج عمل شخصي له حول قيمة، يقدمها لنفسه أو لشريحة مجتمعية معينة، والتقاعد لا يعني أبدا التوقف عن ممارسة الحياة، بل التوقف عن أداء الروتين الرسمي ليبدأ بعدها الحياة التي يصممها بشكل يجعله راضيا مطمئنا. لا تمت قاعداً، وابدأ الحياة الآن! إيمان الموسوي مستشارة ريادة الأعمال وابتكار نماذج العمل إنستغرام: dr.emsa@ contact@emanalmousawi.com

18_749745

أخترنا لك
هل لدينا أدب ما بعد الاستعمار ليكون لدينا نقد له؟

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة