بروكسل ولندن تستعدان لمفاوضات «شاقة» و«حاسمة» لتحديد مسار العلاقات المستقبلية بينهما

2020/03/01

تبدأ غدا الاثنين أولى جولات المفاوضات بين بريطانيا و الاتحاد الأوروبي في بروكسل ، والتي تمتد لأربعة أيام، تتبعها جولة ثانية في لندن خلال الشهر نفسه، بهدف التوصل إلى اتفاق تجاري يحدد شكل العلاقات المستقبلية بين الجانبين بعد خروج بريطانيا رسميا من الاتحاد الأوروبي في 31 يناير الماضي.

وقبل انطلاق المفاوضات بعثت كل من بروكسل و لندن بإشارات تنذر بأن هذه المعركة التفاوضية لن تكون سهلة على الإطلاق، فقد أعلنت بريطانيا الخميس الماضي عدم التزامها بقوانين الاتحاد الأوروبي في أي اتفاق تجارة بعد خروجها من الاتحاد، وهددت بعدم المشاركة في المحادثات التي ستعقد في يونيو القادم في حال لم تتم الموافقة على "الخطوط العريضة للاتفاق" بحلول هذا الشهر، وهو ما يعكس استعدادها لسيناريو الخروج دون اتفاق خاصة أن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أكد في أكثر من مناسبة أنه لن يطلب تمديد الفترة الانتقالية لما بعد 31 ديسمبر 2020.

من ناحية أخرى، أكد كبير المفاوضين الأوروبيين ميشيل بارنييه، والذي صادقت دول الاتحاد الـ 27 الأسبوع الماضي على تفويضه لقيادة المفاوضات التجارية، أن الاتحاد الأوروبي "مصمم على التوصل إلى اتفاق جيد" مع بريطانيا، محذرا جونسون من التراجع عن تعهداته السابقة بأن "يتفادى أي منافسة غير عادلة مع الاتحاد الأوروبي "، وأن يمتنع عن أي "تشويه" للنصوص، وصعد الدبلوماسي الأوروبي من لهجته عندما أكد أن التكتل الأوروبي "لن يقبل بنصف اتفاق، فإما اتفاق شامل أو لا اتفاق"، موضحا أن أعضاء الاتحاد الـ27 مطالبون "بالاستعداد لكافة الخيارات، بما فيها عدم التوصل إلى اتفاق بنهاية العام".

وتكمن الإشكالية بين بروكسل و لندن في اشتراط بروكسل أن يتضمن الاتفاق التجاري التزاما بريطانيا بقواعد المنافسة العادلة حسب ما تقتضيه التشريعات الأوروبية، وهو ما لم يلق قبولا من قبل لندن التي رأت في ذلك انتهاكا لسيادتها واستقلاليتها، وترى أن الحل الأفضل هو التوصل لاتفاق تجاري مشابه لذلك الذي يربط كندا ب الاتحاد الأوروبي ، والذي يحقق تعريفات جمركية تصل إلى 0% دون تعهد كندا بالالتزام بالقوانين الأوروبية فيما يتعلق بالتجارة وتبادل السلع.

وترفض بروكسل هذا الاقتراح استنادا إلى أن بريطانيا وضعها يختلف عن وضع كندا نظرا لموقعها الجغرافي القريب من دول الاتحاد، وحجم التبادل التجاري مع أوروبا الذي يفوق حجم تجارة كندا مع الاتحاد بمقدار 10 مرات.

كما يشكل الاتفاق على الصيد البحري نقطة خلاف أخرى بين لندن و بروكسل حيث يبحث الأوروبيون عن اتفاق تجاري يسمح للسفن الأوروبية بالصيد في المياه البريطانية دون فرض أي رسوم، مقابل أن يسمح الاتحاد الأوروبي للبواخر البريطانية للصيد بالمياه الأوروبية، وهو المطلب الذي ترفضه لندن ، مؤكدة أن الأولوية ستكون دائما للبحارة البريطانيين، ويبدو أن بريطانيا مستعدة لسيناريو إغلاق أوروبا مياهها في وجه الصيادين البريطانيين بالنظر لضآلة مساهمة قطاع الصيد في الاقتصاد حيث لا يتعدى 1%.

ووفقا للمراقبين، يبدو المشهد التفاوضي بين بريطانيا وأوروبا ملبدا بالغيوم وتخيم عليه أجواء تشاؤمية، فخيار "الخروج دون اتفاق" عاد ليتصدر المشهد من جديد، وهو خيار ستكون له انعكاسات سلبية يصعب حصرها على الطرفين، فعلى سبيل المثال يتوقع أن يؤدي هذا الخيار إلى تراجع في قيمة الاقتصاد البريطاني بنسبة 5% وتراجع في النمو الاقتصادي لمدة 10 سنوات نتيجة خسارة السوق الأوروبي الذي يشمل 450 مليون مستهلك، وسيفقد الأوروبيون سوقا كانت تستورد منهم ما قيمته 400 مليار دولار.

 

إضافة لذلك، يرى المراقبون أن تلويح الطرفين بخيار الانسحاب بدون اتفاق - قبل انطلاق المفاوضات - يعكس انعدام الثقة بينهما، وعدم رغبة أي طرف في تقديم تنازلات أمام الطرف الآخر، ف لندن ترغب في استعادة سيادتها السياسية والاقتصادية الكاملة من التكتل الأوروبي، وهو الخيار الذي صوت البريطانيون لصالحه في استفتاء الانفصال في يونيو 2016، وبالتالي فهي تهدف إلى الابتعاد تماما عن القواعد والقوانين الأوروبية، كما أنها تعول على الاتفاق التجاري الذي تتطلع إليه مع الولايات المتحدة أملا منها في أنه سيكون بديلا عن الاتحاد الأوروبي ، وهو أمر غير صحيح على أرض الواقع.

أما بروكسل فهي تظهر تشددا ملحوظا في التعامل مع لندن حتى تجعل منها عبرة لأي دولة أخرى ربما تراودها فكرة الانسحاب من الاتحاد الأوروبي ، أملا في الحفاظ على وحدته ككيان واحد في مواجهة التحديات المتصاعدة في المرحلة الراهنة.

في ضوء ماسبق يبدو واضحا أن بريطانيا و الاتحاد الأوروبي مقبلان على مفاوضات تجارية شاقة وحاسمة، ستحدد مصير العلاقات بين الطرفين، إما التوصل إلى اتفاق توافقي قد يقلل من خسائر "بريكست"، وهو السيناريو الأقل ترجيحا، أو الوصول إلى طريق مسدود والخروج دون اتفاق وهو الخيار الذي ستتبعه تكاليف مالية واقتصادية باهظة سواء بالنسبة للتكتل الأوروبي أو للمملكة المتحدة.

أخترنا لك
ما هي الأهداف التي استهدفتها صواريخ حرس الثورة الاسلامية في الارضي المحتلة

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة