متى نرفع سيف الحسين ,ومتى نمضي بصلح الحسن؟

2025/12/11

بقلم|مصطفى أحمد

من يشخّص المرحلة والموقف السياسي في الرؤية الشيعية المعاصرة؟

كيف يمكن لجمهورٍ الإمام الحسن عليه السلام أن ينقلب عندما أعلن الصلح؟ وما هو المعيار عند الامام الحسن (ع) الذي دفعه فصالح معاوية وما هو معيار الامام الحسين (ع) فرفع السيف بوجه يزيد ؟

هذا المشهد ليس تاريخاً  منعزلا عن واقعنا بل هو مرآة تعكس الية وأسباب ومعايير تشخيص القرار في كل زمن حين يدفَع الحماسُ العقولَ إلى منطقة يتراجع فيها الوعي وتختلط فيها الشجاعة والحكمة بالقرار.

اليوم العراق بوسط ميدان القرار نرى من يستهجن موقف التهدئة في العراق ويرفض تجنّب الحرب الإقليمية و يستغرب لقاءات سياسية متناقضة ويصدمه عدم الانخراط في معركة الاسناد لغزة وفي المقابل هناك أيضا من يقف مع هذا الموقف الرسمي بعدم الدخول في الصراع وعدم زج العراق بصراع نهايته النهاية ٠

فإننا في مشهد اليوم نرى صدى قديمًا لتلك اللحظة التي واجه فيها الإمام الحسن رغبة الجمهور وخيانة البعض والخراب الذي سيلي الدم لهذا حدد موقفه بالصلح ٠

وهنا عقولنا والمرحلة تطرح سؤالها الصعب متى يكون الصلح واجباً ومتى تصبح الثورة فريضة؟

ومن الذي يملك حق تشخيص المرحلة في المنظور الشيعي؟ واليوم قرارنا في العراق صلح أو السيف ؟

حتى نستطيع استخلاص النتيجة نحتاج نفهم الالية وحتى نفهم لابد أن نعرف تشخيص المرحلة في الفكر الشيعي بين العقل الشرعي والواقع السياسي وفي المدرسة الإمامية لا ترى القرار السياسي بوصفه نتيجة انفعال بل نتيجة تأمل وتشخيص فقهي عقلي واقعي ويقوم اتخاذ هذا القرار على ثلاثة أسس كبرى:

أولها فقه الواقع بمعنى قراءة موازين القوى لا قراءة العواطف فنرجع بالتأريخ إلى الإمام الحسن فهو كان يرى ما لا يراه أصحابه مثل الجبهة منهارة فالجيش مخترق ومن اقرب الناس اليه أبن عمه والقيادات القبلية تشتريها أموال معاوية، والقتال سينتهي بذبح القلّة الصامدة بلا أية نتيجة استراتيجية. وهنا نفهم بأن فقه الواقع شرط لكل قرار شرعي، وهو ما يعبر عنه الفقهاء اليوم بـتقدير المصالح والمفاسد وموازنة القوة

وثانيا القيادة الشرعية هي التي تشخّص لا الشارع ولا الانفعال ففي زمن المعصوم: الإمام وفي زمن الغيبة: الفقيه الجامع للشرائط لأنه الأقدر على فهم الدين والواقع معاً.والشرع يرفض أن تقود الجماهير القرار السياسي، لأن الجماهير  كما رأينا في زمن الحسن  قد تُخطف بعاطفة أو غضب أو هزيمة نفسية. مثلا واجه الإمام الحسن (ع) عدة أمور منها وجد أن جيشه منهك ومتعب من حروب ثلاثة ورث اثارها في جيشه من زمن الإمام علي (ع) وكان الجيش لم يكن متجانسا فهم مجموعة مثلا من القبائل بما لديها من الصراعات وانعكس ذلك على الجيش بانقسام داخلي ، واخرها هذا الجيش لم يكن مبدئيا .

وثالثا قاعدة دفع الضرر الأكبر بالأخفّ هذه قاعدة عقائدية وأخلاقية وعقلية وهنا لابد ان نقف عند قاعدة مهمة إنه ليس كل صلح تنازل وليس كل مواجهة انتصار فأحياناً يُصبح الدم تضحية من أجل الهوية كما في كربلاء وأحياناً يصبح السلم الطريق الوحيد لحفظ ما تبقّى من الدين، كما في صلح الحسن.وحتى يمكننا الوصول لوعي ناضج ونخرج من صراع وحروب الاسئلة في صدورنا لابد نهضم هذه المقدمات والان نسأل متى يكون القرار حسنيًّا ومتى يصبح  حسينيًّا  ؟

نعم ,يصبح القرار حسنيا عندما ينهار الحاضن الشعبي وتتفكّك الجبهة الداخلية،ومرور العراق بحروب وصراعات متعددة انهكته وايضا اختلت موازين القوى في الجيش والبيئة وتصبح الحرب مغامرة لا مشروعًا،ويكون الهدف الحقيقي هو حفظ الأمة لا تسجيل الانتصارات الوقتية فيكون في مثل هذه الظروف القتال انتحارًا لا جهادًا.

ويكونالقرار حسينيًّا ,فيصبح السيف واجباً ايضا ,فعند متابعتنا الأحداث وقراءة الآراء نستفهم وصول الانحراف إلى مستوى تهديد جوهر الدين وتحويل الدولة إلى مشروع استبداد مطلق وتنعدم جدوى الحلول السياسية ويصبح الصمت خيانة للتاريخ والعقيدة وان لم تتوفر بيئة صلبة .

فنفهم بأن ثورة الإمام الحسين (ع) لم تكن حركة غضب بل كانت إعادة تعريف للحق والهوية عندما اصبحت بخطر ومن هذا الاساس الفكري التأريخي نريد انعكاسه على العراق  .

لذلك نعود إلى حاضرنا اليوم في العراق ويرى البعض حين تجنّب العراق الدخول في حرب الإقليم إنه جزء من المجتمع شعر بالارتياح كونه يعرف أن البلد مؤسساته وشعبه لا يحتمل حرباً جديدة ولم يتفاجأ من اللقاءات السياسية المتناقضة، ولا من قرارات التهدئة الإقليمية لأن البعض يرى  الدولة تصرّفت بمنطق الحفاظ على العراق أولاً ، لا بمنطق الانجرار خلف حماسة اللحظة لكن الأصوات الساخنة استنكرت ذلك كما استنكر أصحاب الحسن صلحه مع معاوية ولماذا لم نقاتله ارادوا السيف بدل الصلح.

لذلك عندما نتأمل المشهد بصورة شاملة وقرار صلح الحسن وثورة الحسين، ونعلم مسبقا أن كلاهما كان شجاعاً. ولم يكن التردد حاضرا في شخصياتهم فالحسن لم يتردد كما أن الحسين لم يتهور.

بل كان المعيار شيئاً واحداً تشخيص المرحلة بما يحفظ الدين والأمة معاً.

نعيد دراسة الموقف باسئلة وهي اول خطوة للوعي ونطرح الأسئلة المناسبة وهي:

هل نحن اليوم في ظرف حسنيّ يحفظ الدولة بالتهدئة؟ أم في ظرف حسينيّ يحفظ الهوية بالسيف ؟

ومن له الحق في تشخيص المرحلة ويعطي القرار  الذي يجمع رؤية الشرع وبصيرة الواقع او ٠٠٠٠٠٠ ؟

هل جيشنا كجيش الإمام الحسن (ع)؟ وهل البيئة فقدت صلابتها ؟ وهل هويتنا الإسلامية بخطر فيجب رفع سيف الإمام الحسين (ع) ان كانت هناك مصلحة شخصية كانت بوصلة القرار .

 

أخترنا لك
فرنسا ترحب بعودة السفير الجزائري إلى باريس

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة