متابعة : صدى الحقيقة
نعاه ولده الباحث الأديب مجاهد الخفاجي في سطور في (كلمة تأبين أربعينية الحاج منعثر منشد الخفاجي الباكية) قائلا : أحتفي اليوم بأربعينية حداداً على علم عانقه العلا تحطه الأقدار من رفيع الجواء إلى الظلمة الرمس وهاهي نار الوجد تلتهب ودموع الأسى يعتصرها الخطب من سويداء القلوب .
الحاج أبا مجاهد برحيلك هيجت الهوى عليك انثنى القلب وبكى كانت طاعة الله عندك مجدا ساميا بضياء كان لسانك يلهج دائما بالمنية والقضاء.
خذ مني أحلى من زهور مودتي يا أفضل الاحباب جوابك فأبعث ولو قليل ...
إليك من روح الفؤاد رسالة أعطرها بالشم والتقبيل أبي تفديك الروح والمقل يابلسم الداء وشفاء العليل ما نفعني البكاء وما جنيت من العويل فراقك لظى نارا لها شررا بذكرك أرضي مهجتي بطيفك والدي يشفي غليلي.
حياته جهاد وخطبه نشيد ومنهاجه دستور هويته الايمان بالله وموالاة بيت الرسول قابل الموت بابتسامة ساخرة من الحياة الدنيا ومات بلحظات آخر كلمة ياعلي .
كان رائدة الواجب وحافزة الدين في حياته لتاريخ ونسب قبيلته نصيب عارف خفاياها وما غاب عن الأبناء والأجداد ومواصل صلة الارحام وبني الإنسان .
قبل أن يقعده المرض ثمانية عشر عاما عمل لصلاح ذات البين والآمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
سعى جاهدا ليعمر ويبني بيتا لله وواجه ما واجه من المعوقات والعراقيل هو وثلة مؤمنون إلى أن تم البناء ورفع على المأذنة نداء الله أكبر .
جاهد نفسه فانتصر بالجهاد الأكبر وخرج منه بقوة نفسيته وفعاليتها التي يعلمها مراس محيطه ومن عرفه وتقرب منه .
ولم يتاجر بالجهاد الأصغر في دنياه ظل سرا بين ثنايا صدره حتى علمت بعضه بالصدفة من بعض أصدقائه وبقى على العهد مع ربه حتى وفاته المنية .
كان ثائر على الظلم ومضحي بنفسه ونفيسه لإشادة الحق ويقوله ولو على نفسه .
هاكم الرجل النفحة من روض وجدان الإنسانية لم يكن فقده فقد أمرئ جاء وراح كما تجيء وتروح الحياة لم يغرف منه إلا وجوده المادي ولا حيزه الذي يشغله في الفضاء البشري بل كان فقده فقد ضمير طاهر وفقد مجاهد صابر لذا إذا تأوهت الرجولة لفراقه فإنما تتأوه رجلا قل نظيره في عصرنا وإذا تألموا صلة الارحام والاصدقاء لبعده فإنما يتألمون لقلبها المكلوم وأن تساقطت الدموع فإنها تبكي غيابه وفقدان حقها المهضوم.
حفزه ضمير المؤمن وشجعته عقيدة الانسانية على السلوك المستقيم عزيز النفس عفيفها لم يخدعه يوما هوى وحطام دنيا لم يميل لصديق سفيه الرأي ولا من شيمته الرياء لم يتملق لسلطان أو صاحب جاه همه دينه وما جاء من مبادئ القران .
مذ طفولته متمسك بالتقوى هذا ما أخبرني به معاصروه من كبار السن اجتهد في أكل لقمة الحلال ولم يطعمنا غيرها علمنا الاجتهاد في الحصول عليها من عرق الجبين في مطلع شابه درس الابتدائية بمدرسة خفاجة في العام 1952م ثم المتوسطة في قضاء الشطرة أنتقل إلى بغداد وسط الخمسينات ليكمل دراسته الاعدادية في المدارس الجعفرية ببغداد وحضر الدروس الحوزوية عند السيد أسماعيل الصدر والشيخ محمد حسن ال ياسين في الكاظمية والشهيد الشيخ عارف البصري في الكرادة . ويحضر بين فترة وأخرى دروس الشهيد السيد محمد باقر الصدر في النجف الأشرف كان صديقا للشهيد السيد مهدي الحكيم والشهيد السيد محمد باقر الحكيم .
انتقل من دائرة زراعة بغداد إلى دائرة الزراعة في البصرة لعدم انتمائه لحزب البعث وهناك أوكلت له مهمة رئاسة لجنة الاشراف على المناسبات الدينية من قبل العلامة السيد مير القزويني وقام بفتح دورات دراسة علم المنطق في مكتبة السيد محسن الحكيم في منطقة الجمهورية بالبصرة بحدود بداية الستينيات .
طوال عمله الوظيفي في وزارة الزراعة إلى أن وصل بالتدرج إلى منصب مديرقسم كان مستقلا لا ينتمي لحزب إلى أن وافاه الآجل المحتوم .
عد نفسه لمثواه الأخير والدار الأبدية حاول بكل ما أوتي من جهد أن يؤدي ما عليه من شرعيات حتى وضع كفنه نصب عينيه وكتب وصيته فصل فيها كل صغيرة وكبيرة .
أيها الراحل ..رحلت ولم ترحل ما ترك الغر المتطبعة في جبين الدهر بيضاء نواصع وستبقى خالدة ما تمادى بها العهد .
نم قرير العين رغدا فلقد لاقيت جزاء عملك وفاقا وقابلت ما أعدّ الله تعالى للمؤمنين العاملين .
رحمك الله يا حاج منعثر وكساك ثياب الرحمة والرضوان وظلك بسحائب المغفرة الواسعة وامطر عليك شآبيب ضياء عطفه ولطفه وبرأك المثوى الكريم بين الصالحين الذين سرت على خطاهم ونهج سبيلهم ونسيج منوالهم طيب الله ثراك وأجزل لك المثوبة وحسن المأب إلى روحك الطاهرة أهدي ثواب الفاتحة والسلام عليك يا علم خفاقا في ساحة ميدان المجتمع و يوم طوتك المنية ويوم تنشر لنيل الثواب .
وكتب قصيدة نثرية عنه بعنوان (رَحِمَك اللَّهُ يَا أُبَيّ)
انْكَسَر ظَهْرِي برحيلك
قُلْت حِيلَتِي بفقدك
لَا عِيدٍ قَبْلَ زِيَارَةِ قَبْرَك
لَوْلَا عَادَتَك مَا كَانَ عِيد بَعْدَك
لَا يَحْلُو عِيد بِغِيَابِك
أَسْأَل رَبِّي أَنْ يُخَفِّفَ حِسَابِك
يُؤْنِسُك فِي قَبْرَك
يُرَجَّح مِيزَان حَسَنَاتِك
يَرْحَمُك وَيَمْحُو سَيِّئَاتِك
يُغْفَرَ لَك وَلِلْمُؤْمِنِين يَتَجَاوَز زلاتك
يُوَسِّع عَلَيْك قَبْرَك بِصَالِح أَعْمَالِك
يَا رَحْمَنَ يارحيم
أَسْأَلك ذَلِكَ بِحَقٍّ نَبِيِّك
ياسميع يامجيب
اسْتَجِبْ دُعَائِي بِحَقّ كِتَابِك
..........................
كتبها الكاتب ليلة عيد الفطر بعد أن زار قبر أبيه في 30شهر رمضان 1442هـ.
****
وكتب عنه قصة قصيرة جدا بعنوان ( شوق) :
أمطرت رؤياه روحي, طال غيابه، تحرقني نار فراقه, يستعر شوقي فتسيل دموعي, أيستنطقني في رؤيا؟
أشتاقه.. أنتظره كل ليلة كأرض جدباء تشتاق الغيث, متى تنطفئ نار الشوق؟
****
سيرة الراحل :
الحاج نعثر منشد مجل علي الخفاجي (1938 ت2020 م) تولد1938 الشطرة، درس الملة في قرية العلي سابقا آل صئبان حاليا والتي تقع بين الشطرة والعراف دخل مدرسة خفاجة الابتدائية في مدرسة خفاجة عام، ثم متوسطة الشطرة وكان يسكن في بيت الشيخ صئبان العلي في القضاء المذكور في مدة دراسته الإعدادية، أنتقل إلى بغداد عام 1955 وعمل موظف في وزارة الزراعة وأكمل دراسته الإعدادية في المدارس الجعفرية، وأكمل أيضا الدورات الحوزة العلمية للسطوح والمقدمات في بغداد والنجف الأشرف. وكان يسكن في بغداد بمنطقة الدورة مجاور بيت عمه الشيخ المقدم مبارك العلي ومتزوج من أصغر بناته. وأستمر في وظيفته الحكومية ووصل إلى مدير قسم التدقيق وأحيل على التقاعد عام 1986. بدأ كتابة نسب وتاريخ خفاجة منذ عام 1949 وكان يدون من على لسان معاصري جده الشيخ علي الفضل زعيم خفاجة عموم. وكان ديوان ولهذا المضيف القصب بجوار بيت الشعر مضيف الشيخ صكبان العلي، وهو اليوم ديوان طابوق أيضا خلف مضيف الشعر. إذ كان ولده الشيخ منشد سركال ووكيل الشيخ صكبان في المنازعات العشائرية وثبته الشيخ صئبان في وزارة الداخلية هو والشيخ كوكز سلمان العلي كوكلاء عنه. وكان الحاج الشيخ منشد يمتلك تسعة مساحي من الأراضي العديدة وصل بعضها إلى عشرة الآلاف دونم، ولكن عند انقلاب حزب البعث صادرت الحكومة كل أراضيه ولم يعطوه غير 150 دونما ولا زالت موجودة مسجلة طابور بأسماء أحفاده. لذا؛ كان الحاج منعثر قريبا من الأحداث وشخصياتها، فيسأل عن كل حادثة ويسجلها في ورقة بداية من النسب إلى الأحداث السياسية والقبلية، وحتى عند عمل جده صكبان في البرلمان وأثناء وجوده ببغداد كان يحضر عنده في فندق بابل ببغداد ويشاهد الشخصيات السياسية المختلفة عند زيارة الشيخ صئبان ، فضلا عن الشخصيات السياسية التي تزور عمه الشيخ المقدم مبارك العلي الذي كان مع الضباط الأحرار وحكم عليه بالإعدام مرتين وكان صديقا حميما للزعيم عبد الكريم قاسم.
وعند سكن الحاج منعثر في بغداد الدورة وبعد وفاة عمه مبارك العلي كان أبناء خفاجة يتواصلون معه من كل المحافظات العراقية كمشايخ وشخصيات في ديوانه بمنزله ولحد عام 2006 م انتقل إلى موطنه الأصلي في ذي قار قرية آل صكبان (خفاجة) , وظل تواصل أبناء القبيلة معه في سكنه الجديد , بل وكانوا يزورنه من مختلف دول الخليج العربي ,أما لرؤيته أو لسؤاله عن أصولهم أو عن العشائر الاخرى كونه متضلع بمعرفتها .
وهناك أرشيف صور فوتغراف لبعض الزيارات له في ديوانه إلى أن توفي سنة 2020م المصادف العشرون من محرم .