بقلم | مجاهد منعثر منشد
يعلمُ سفالةَ خصومهِ , إنَّهم لا يتورعون عن هدم المسجد والكعبة في الحرب , لا يريد استباحت البلد الحرام بسببه .
قطع طريقه إلى الكوفة , لا يبالي بنصح ذويه والصحابة من الخروج , وقف عبد الله بن العباس يحاوره , أَجابه الحسين : يابنَ عَم لأَعلم أَنَّكَ ناصحٌ مشفقٌ ولكنَّني عزمتُ على المسير .
علم عبد الله بن عمر بخروجه , لحقه, قطع الطريق وراءه وثبا بثلاثة أيام , سأله : أَين تريد يابنَ بنت رسول الله ؟
يجيبه :الكوفة, هذه كتبُ أَهلها وبيعتهم, وإنِّي ذاهب إليهم .
أَيعلم بقتل ابن عمِّه مسلم , وتخاذل مَنْ بايعه ؟
حدثه ابن عمر بحديث , دون جدوى لا ينقص عزمه , ضمَّه إلى صدره , يقبله ويبكي قائلا: أستودعك الله من قتيل !
فشلت جميع محاولات المحبين ولم تثنه . كانَ همُّه تلبية دعوة النبي في رؤياه !
هل تستحق مسيرته وتضحيته وما ينتظره وآله وصحبه من مصير مجهول المغامرة ؟
أَخروجٌ من أجل خلافة أَم عداوةٌ شخصيةٌ مع يزيد؟
سار الحسين متبنيا التكفير عن خطيئة الصمت , ليظهر حقُّ الإسلام ونفسه وينقذ المسلمين من الضلال والإفك .
مضى ريحانة الرسول , فلقيه الفرزدق قادمًا من الكوفة , سأله : كيف تركت الناس من وراءك ؟
ـ تركتهم قلوبهم معك , وسيوفهم مع بني أميَّة.
نطق الإمام , تلا الآية : "للهِ الأَمرُ مِنْ قَبْلُ ومِنْ بَعدُ" .
بعد أيام من المسير لقيه عبد الله بن مطيع قادمًا من العراق , تعلَّق بثيابه صارخًا : أناشدك الله أن لا تذهب للكوفة , فوالله لئن أَتيتها لتقتلن .
خرق أذنيه بتلاوة الآية : "قل لن يصيبنا إلَّا ما كتبَ الله لنا" .
أستأنف سيره , مرَّت على رحلته أَيام , لقيه رجلٌ من بني أَسد قادم من الكوفة , رنَّ مسامعه الإمام بسؤال : ما هي أخباركم ؟
ـ سالت دموع الرجل ونطقت شفتيه بصوت حزين : قُتِلَ مسلمٌ وهاني وميثم .
انهارت قوى الحسين من نبأ هدَّ الجبال , أرسل بصره في الأفق البعيد , لهج لسانه : إنا لله وإنا إليه راجعون , عند الله نحتسبُ أنفسنا ولاخيرَ في العيش بعد هؤلاء .
هل مقتل مبعوثه وأنصاره أثنى عزيمته , أهل تصميمه الوثيق يقوده , وقدره العظيم يناديه ؟
سار يسحق بقدميه الرمال ويقطع الصحارى الملتظية , دعته المشقة على العيال للاستراحة , حطَّ رحاله وضرب خيامه في بطن الرملة .
جلس وكتب بأنامله كتابا إلى أهل الكوفة : أنا في الطريق إليكم .
نادى قيس بن مسهر الصيداوي , سيَّرهُ برسالته .