ضوء أخضر.. هذا عقلي فلا تبحث به عن أفكارك

2024/11/26

بقلم /د. لطيفة شاهين النعيمي

العقلُ هو أثمن ما يمتلكه الإنسانُ، فهو مصنعُ الأفكار ومساحة الحرية التي تتشكل فيها قناعاته وتجرِبته الحياتية، إلا أن البعض يحاول، بوعي أو دون وعي، فرض أفكاره ورؤاه على عقول الآخرين، وكأنهم يريدون لهذه العقول أن تكونَ نسخًا مكررةً لما يحملونه من معتقداتٍ.

إن احترام استقلالية الفكر هو حجر الزاوية في أي حوارٍ مثمرٍ. فلكل عقلٍ بصمته الفريدة، تمامًا كما تختلف بصمات الأصابع. وعندما نحاول أن نبحثَ في عقول الآخرين عن أفكارنا، فإننا لا نفقد فقط احترامنا لخصوصيتهم، بل نخسر فرصةً ذهبيةً لاستكشاف رؤى مغايرة قد توسّع مداركنا وتثري معرفتنا.

في المقابل، الدفاع عن استقلالية العقل لا يعني الانغلاق. إنه يعني صيانة هذا الكَنز من التأثيرات السلبية التي قد تمس هُويته وفرادته، مع الانفتاح الواعي على التفاعل مع الآخرين. الاختلاف في الرؤى ليس عائقًا، بل هو جوهر الحياة ومصدر تنوّعها. التفاعل الإيجابي القائم على الاحترام يفتح آفاقًا للإبداع والنمو، حيث تتحول العقول إلى حدائق تزهر بأفكار متعددة الألوان.

وفي هذا السياق، تتجلى قيمة العقول الراقية. هؤلاء الذين يتمتعون بنقاء الفكر وسعة الأفق، ويقودهم وعيهم العميق وإحساسهم بالمسؤولية إلى تقديم نماذج مبهرة في كيفية معالجة التحديات وتجاوز الصراعات. أصحاب العقول الراقية لا يقيسون أنفسهم بمستوى ذكائهم فقط، بل بقدرتهم على بناء الجسور الفكرية، وتحويل الاختلاف إلى مصدر قوة لا نزاع.

ومن أبرز سماتهم أنهم يتحكمون في انفعالاتهم، فلا يسمحون للغضب أو الأحقاد بتشويش رؤيتهم. يتعاملون مع النقد بروحٍ متواضعةٍ، يرون فيه فرصةً للتعلم والنمو، لا مواجهة أو تحديًا، كما أنهم يدركون أن عقولهم ليست ملكًا لأنفسهم فقط، بل أداة لخدمة الإنسانية. يسعون دائمًا لإحداث أثرٍ إيجابي في مجتمعاتهم، لأنهم يؤمنون أن نجاح الفرد لا يكتمل إلا إذا كان جزءًا من نجاحٍ جماعي أكبر.

إن عالمنا اليوم بحاجةٍ إلى المزيد من أصحاب العقول الراقية، الذين يمكنهم مواجهة تعقيدات الحياة بروحٍ منفتحةٍ وأخلاقٍ ساميةٍ. هم الأمل في بناء عالمٍ يتجاوز الحواجز والصراعات، عالم تتغلب فيه الحكمة على الفوضى، والإنسانية على الأنانية.

وبلا شك، إن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية بين الأشخاص، فالاختلاف في الرؤى والآراء جزء طبيعي من التفاعل البشري، وقد يساهم ذلك الاختلاف في إثراء الحوار وتوسيع رقعة آفاق التفكير والعلم عند البشر. عندما يتعامل الأشخاص بروح الاحترام والتسامح مع وجهات النظر المتناقضة وكيفية التعامل مع تلك الآراء، يمكن للود والعَلاقة الطيبة الاستمرار إذا ما تيقنا أن اختلاف الآراء ليس له تأثير سلبي على عَلاقتنا الشخصية مع الآخرين.

وفي الختام، العقل هو أغلى كَنزٍ يحمله الإنسان، وسر تطوّر المجتمعات وازدهارها. علينا أن نحافظَ على استقلاليته ونرتقي به لنصنعَ به مستقبلًا أفضل. لذا، دعوا العقول تنبض بحريةٍ، وتذكروا دائمًا: هذا عقلي، فلا تبحثوا به عن أفكاركم.

والله ولي التوفيق،،،

 

أخترنا لك
العراق يسجل 101 وفاة و2069 إصابة بـ«كورونا»

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة