بقلم // مجاهد منعثر منشد الخفاجي
هذه المقالة إلى الشباب من الذين اختطفت أفكارهم لتكون بديلاً عنها أفكار المخابرات الغربية وعملائها من أجل التشكيك بالمذاهب في الإسلام.
وللآسف أصبحت ظاهرة الطعن بالمرجعية والتقليد في المعاملات المنضوية تحت مسألة الاجتهاد على قدم وساق بين بعض طلبة الجامعات والشباب من ذوي العقول غير الناضجة وعلى سبيل المثال لا الحصر:
نجد أن الكثيرين يجهلون تاريخ المذهب الجعفري الاثني عشري. وقد فاتهم أن المذهب المذكور لم يدع أحدا في يوم من الأيام, ليكون من أتباعه، أو يفرض رأيه بالقوة أو يستخف بآراء بقية المذاهب الإسلامية, ويؤمن بحرية التفكير والاختيار العقائدي أو المذهبي.
في العام ٣٣٩هـ وفي منتصف القرن الثالث الهجري استجدت ضرورة الاجتهاد بعد الغيبة الكبرى للإمام المهدي (عليه السلام) الذي نعتقد بوجوده المقدس وفق أدلة وأخبار متواترة لدى علماء المذهب، وسابقاً في عهد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم), ثم الإمام علي (عليه السلام) ومن بعده الأئمة التسعة (عليهم السلام) لم تكن هناك ضرورة للاجتهاد بسبب وجود الحجج الرئيسية، ولكن بسبب غيبة الإمام الحجة (عليه السلام) لأمر إلهي؛ كان لابد أن يكون هناك وكيل أو نائب ينوب عنه (عليه السلام) من العلماء يفسر لنا كتاب الله تعالى ويرشدنا بفتواه الى الصحيح في معاملاتنا العبادية والمسائل الفقهية، ولذلك ورد في الروايات والأخبار حديث عن الإمام المهدي (عليه السلام), إذ يقول: وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حُجّتي عليكم وأنا حُجّة الله عليهم.
إن السؤال المهم الذي يحتاج الى إجابه تاريخية هو: من هم أشهر العلماء الذين برزوا في عصر الغيبة الكبرى؟
في بداية الغيبة أول من برز من العلماء الأعلام واستلم قيادة المرجعية الدينية هو الشيخ الفقيه الحسن بن علي بن أبي عقيل العماني، ثم ابن الجنيد أبو علي محمد بن أحمد الإسكافي، ثم بعد ذلك بسنوات لمع نجم الشيخ المفيد ببغداد حيث أسس الحوزة العلمية هناك وكان يحضر مجلس درسه العشرات من العلماء والفضلاء من أمثال السيدان الشريف الرضي والشريف المرتضى.
ومن هنا فإن الفقه الشيعي الذي استند إلى الاجتهاد ظهر لأول مرّة عن طريق ابن أبي عقيل العماني (المتوفى مطلع القرن الرابع الهجري) وهو معاصر للكليني ثمّ أعقبه محمّد بن جنيد الإسكافي (المتوفى أواسط القرن الرابع الهجري) حيث دعم وعزز أسس الاجتهاد والاستنباط الفقهي.
وهما ينتميان إلى جيل الأقدمين أو هكذا أطلق على أولئك الفقهاء، واذا صح القول نحصر أسماء المراجع في بداية أول الغيبة الكبرى ووسطها وآخرها في الوقت السابق كالآتي:
١) العماني الحسن بن عليّ بن أبي عقيل الحذَّاء عاصر السمري آخر السفراء توفي سنه ٣٦٩هـ.
٢) ابن الجنيد الإسكافي من أساتذة الشيخ المفيد توفي ٣٨١هـ.
٣) الشيخ المفيد ولد ٣٣٦هـ توفي ٤١٣هـ.
٤) الشيخ الطوسي ولد ٣٨٥ وتوفي ٤٦٠هـ، وأستاذه الشيخ المفيد والسيد المرتضى ولد ٣٥٥ توفي ٤٣٦هـ.
لقد كان ابن أبي عقيل العماني الحذاء أول من كتب في الفقه الاستدلالي، وكتابه (المتمسك بحبل آل الرسول) يعدّ من الكتب الفقهية الاستدلالية الأولى عند الطائفة. و اثنى عليه الفقهاء الأوائل كالشيخ النجاشي الذي قال بشأنه: كتاب مشهور في الطائفة، وقلّ ما ورد الحاج من خراسان إلا طلب واشترى منه نسخاً..
ونقل العلامة الحلي (توفي ٧٢١ هـ ) الكثير من آراء ابن أبي عقيل في كتابه (مختلف الشيعة) في جميع أبواب الفقه.
وصرح السيد بحر العلوم بأن ابن أبي عقيل من أوائل من استخدم الاستدلال الفقهي، قال: (هو أول من هذّب الفقه واستعمل النظر، وفتق البحث في الأصول والفروع في ابتداء الغيبة الكبرى وبعده الشيخ الفاضل [ابن الجنيد]).
إن الاستنتاج ظهر في زمن العماني (الاجتهاد) و(الاستدلال الفقهي)، واعتمده العلماء المتأخرين من بعده كالعلامة الحلي وتصريح السيد بحر العلوم، بل إن مصنف كتاب (روضات الجنات) قال: (إن هذا الشيخ هو الذي ينسب إليه إبداع أساس النظر في الأدلة، وطريق الجمع بين مدارك الأحكام بالاجتهاد الصحيح، ولذا يعبر عنه وعن الشيخ أبي علي بن الجنيد في كلمات فقهاء أصحابنا، (بالقديمين)).
وقد بالغ في الثناء عليه أيضاً صاحب كتاب (السرائر) وغيره.
أما رأي الشيخ المفيد بابن أبي عقيل العماني ما ذكره النجاشي وسمعتُ شيخنا أبا عبد الله [المفيد] رحمه الله يكثر الثناء على هذا الرجل رحمه الله.
وجاء بكتاب الفهرست للشيخ المفيد الحسن بن علي بن أبي عقيل: ابن أبي عقيل العماني: من جملة المتكلمين، إمامي المذهب، اسمه: الحسن بن عيسى، يكنّى أبا علي، المعروف: بابن أبي عقيل، له كتب، ست. وذكر ابن إدريس الحلي بقوله: هذا الرجل وجه من وجوه أصحابنا، ثقة، فقيه، متكلم، كثيراً ما كان يثني عليه شيخنا المفيد.
أما السؤال الآخر: هل كان الإمام المهدي (عليه السلام) على علم بالموضوع؟ وهل وافق على الاجتهاد؟
نلاحظ في رسالتين موجهتين من الإمام المهدي (عليه السلام) إلى الشيخ المفيد بأن الشيخ والعلماء محل عناية الإمام الحجة (عليه السلام), فأشار فيهما إلى ذلك بالقول: (إننا غير مهملين لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم...). إن رسالة الإمام واضحة كوضوح الشمس في رابعة النهار بخصوص الحوزة العلمية ففد ورد لمراعاتكم وذكركم أي العلماء والمؤمنين بزعامة الشيخ المفيد. ولو كان الخطاب ينحصر بالشيخ المفيد لقال الإمام (عليه السلام): لمراعاتك وذكرك لوحدك والمفهوم واضح لجميع العلماء في حينها, ففي الرسالتين يقول الإمام القائم (عليه السلام) للأخ السديد والولي الرشيد ولم يقل الأخوة ,فهذه عبارة خاصة بالشيخ المفيد.
إن المتأمل في هذه العبارات الواردة قطعاً يدرك تماماً أن الحوزة العلمية بإشراف ومراقبة ومتابعة الإمام المهدي (عليه السلام)، وأما العبارات فهي: بعد كلمة لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطلمكم الأعداء، فاتقوا الله (جلّ جلاله)، وظاهرونا على انتياشكم من فتنة قد أنافت عليكم، يهلك فيها من حمّ أجله، ويحمى عنها من أدرك أمله، وهي إمارة لأزوف حركتنا و(مبانيتكم) (مباثبتكم) بأمرنا ونهينا، والله متم نوره ولو كره الكافرون.
ومن ذلك يتضح بأن المرجعية بتوجيه من الإمام الغائب (عليه السلام) شخصياً، وبمجرد أن يدرس الإنسان تاريخ تنقل الحوزة العلمية من مكان الى آخر، استقرارها في النجف الأشرف، سيدرك بأن الإمام أبا صالح على علم بكل شيء لا يستبعد بأوامره (عليه السلام).
وبالوقت نفسه النظر في بداية الغيبة الكبرى وبمعاصرة السفير الرابع السمري يظهر الاستدلال الفقهي ويكون مكتشفه تلميذ السفير الذي أصبح مرجعا ومجتهدا للشيعة, ثم اعتماد كتابه والثناء عليه من الشيخ المفيد الذي استلم رسالتين من الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام)، ومن ثم الشيخ الطوسي وإلى اليوم الحوزة العلمية في النجف الأشرف, كل هذا يدل على أن المنتظر (عليه السلام) يتابع ويراقب كل شيء وربما يشرف عليه بنفسه وبعناية ربانية والله أعلم.