بقلم: بكر أبو بكر
يبلغُ الانحدار السياسي مداهُ حينما يبرّر السياسي كل أفعاله بما يريده الجمهور! وكأنه مطرب تافه يحاكي الغرائز؟ وليس قائدًا يسعى لرفعة وكرامة وحرية الشعب.
يبلغ الانحدار السياسي مداه حين يبرّر القائد السياسي ما يقوم به بأنه لمصلحة الناس ومعيشتهم وكأنه رب الشعرى؟ ولا يبلغ الانحدار السياسي مداه الا حينما يظن هذا الزعيم أنه امتلك من المعرفة وصواب الرأي والقرار ما لم يكن لسابقيه ولا مجايلييه!
يبلغ الانحدار السياسي مداه عندما يظن السلطان او الملك أو الرئيس أنه امتلك الأرض والناس فيتحكم بهم عابثًا بالغرائز، ومستهينًا بالمثقفين والمفكرين والمصلحين والعلماء، رافعًا صورته في كل زاوية من زوايا البلاد، وفي زوايا عقول الناس وبيوتهم.
يبلغ الانحدار السياسي مداه عندما تطغى المصالح الأنوية الشخصية الذاتية على تلك العامة مهما تشدّق القائد بأنه يعمل جاهدًا ويسهر الليل! لمصلحة الشعب أو الامة؟
القائد المستبد يكذب، والقائد المغتر بذاته كذاب، والقائد الزاني كذّاب، والقائد الذي يبيع المباديء والقيم والدين كذّاب ومآله السقوط.
إنهم يسهرون لمصلحة من يسمونه "شعبهم" ليس بخدمته، ليصل بالعلم الى مداه، وإنما ليصل بالجهل الى مداه.
نعم، ينحدر السياسي عندما يروّج للمخدرات بين من يسميهم شعبه! فيقوم بتخديرهم بلقمة العيش سواء وصلوها أو يجرون يوميًا وراءها ولا يصلونها، أو بسياقات أخرى تجاوزوها لمرحلة الكماليات التي تصبح بدعائيته الفاسقة أساسيات لا غنى عنها فيؤسرون ويُذلون.
يبلغ العهر السياسي مداه عندما يرتبط الخوف باللقمة. وعندما يصبح النظر في عين القائد مجلبة للسجن.
ويصبح الانحدار السياسي كاملًا عندما يتخلى القائد السياسي عن الحصانة الحضارية القيمية والاخلاقية فتصبح الأخلاق طوع يديه بمعنى أنه يعيد تشكيلها ليس وفقًا لما هي الأهداف الثابتة للشعب أوالأمة، وإنما لما هو مصلحة الذات المؤلهة، أو لمصلحة نظامه السياسي الفاجر الذي يمارس تخدير شعبه والكذب عليه ثم سرقته علنًا.
لم نكن يومًا جزءًا من الغرب الاستعماري. ولن نكون بأي من قيَمِهِ الغريبة عنّا قادرين على انتشال أنفسنا من أعماق الجهالة والكسل والتبعية والانبهار، فما بتلك القيم المشوّهة يخرج المارد من مصباح علاء الدين، ولا بذلك يتقدم الشجاع المقدام.
إن للمارد العربي قيمه الحضارية العظمى التي لاتتغير أبدًا.
إن للمارد العربي وللمارد الإسلامي والمسيحي المشرقي قيمه ومبادئه المقدسة التي على رأسها فلسطين، نعم فلسطين المقدسة يا سادة، فإن لم تكن فهو المنحدر سياسيًا حتى يبلغ الانحدار مداه، ولن ينفعه تتبع آثارمن سبقوه في الحضيض أمثال (السلطان أبوالفضائل بدر الدين لؤلؤ، الملقب بالملك الرحيم والملقب بقضيب الذهب) وهو الاجنبي المناقض لاسمه وكل ألقابه السخيفة فهو أبوالرذائل كلها، إنه حاكم الموصل القاتل الفاسق الكذاب المراوغ الخائن الذي مدّ يده ورجله ل(هولاكو) لاحتلال بغداد، وتدمير الدولة الإسلامية!
إن للمارد العربي قيمه الحضارية العظمى التي لاتتغير أبدًا، وهي التي إن استطاع أن يمتشقها سيفًا واحدًا موحّدًا (حول فلسطين المقدسة) لقدر على الخروج من عباءة انحداره السياسي وانحداره القيمي كما يخرج من عبادة سيده أو إذلال ذاته تحت أقدام الغرب الاستعماري العنصري، وهو الغرب ذاته الذي ما زال يرى نفسه المركز الذي تدور حوله الأشياء، ولا يرى الهوامش إلا من فرجة صغيرة في صندوق قيمه، ليصدر للحضارات الاخرى شذوذ فكره المحمي بالحديد والنار.
إن السياسي يبلغ بانحداره مداه عندما يضع الحقائق القرآنية موضع الاختبار! ظانًا أن بامكانه تغييرها، وتغيير سنة الكون وثوابت العقيدة، وفلسطين في هذا العصر من أركان العقيدة.
إن الانحدار السياسي تبعٌ أمين للانحدار الفكري، وتبع أمين للانحدار القيَمي، والانحدار القيمي تبعٌ لمن يمزق صفحات القرآن الكريم إشباعًا لملذات سلطانه الزائل ونزقه وكبره.
متى ما تشرب المنحدرون حضارة غيرهم، وتساوقوا مع رذائلها وأنكروا حضارتهم، وآمنوا بسقوط فكرهم ودينهم وثقافتهم الجامعة تاهوا، ثم ذاقوا من الآخر الأمرين الذي يتسيد عليهم بانهيارهم.
لا يبلغ الانحدار السياسي مداه إلا حين يضع القائد السياسي نفسه مقدمًا على الأمة، وحينها لايرى إعلامه المزيف الا من خلال منخريه حيث يتنفسهم شهيقًا أو يلقي بهم في زفير الغبار فيصبحون بلا أنف!
يبلغ لانحدار السياسي مداه حينما ينقّب السياسي عن سند له خارج مجاله الحضاري! وخارج فكره وخارج منطقته الجيوسياسية، فيرى بالضوء القادم من الشمال أو الغرب منقذًا لرأسه وهو بما لديه إن أدركه قويم، وهو بما لديه إن أدركه عظيم وهو بما لديه إن أدركه قادر.
لا يبلغ الانحدار السياسي مداه الا حين تصبح فلسطين وراء الظهر، ويزداد الأمر انحدارًا حين يكبّر ويهلل ويركع ويسجد الطواغيت لأصنام الغرب الصهيوني.
إن ظللنا نتفرج على ضلالة الحكام وفسقهم وطغيان السلاطين وكذبهم وسقوط القادة ونزقهم سنسقط معهم، وسترجمنا الأجيال القادمة فلا تفرق بين الساقط، وبين الصامت.
إن ظللنا نتفرج فسنكرس فينا أمة الاستجداء لأصنام الصهيونية وأقدام الغرب، فنعبد منتجاتهم كلها من المادية الى الروحية. هل نظلّ راكعين مبهورين مستهلكين مطواعين لصناعات الغرب المهيمن، فنعاف الثقافة كما نعاف العلم، ونعاف التقانة (التكنولوجيا) مستمتعين فقط بالاستخدام دون موهبة الصناعة والابداع والامساك بتلابيب التقدم والحضارة.
يبلغ الانحدار السياسي مداه عندما نكون في غفلة عظمى عن قدراتنا الذاتية.
فكيف بنا أن نغفل عن ثرواتنا الكثيرة ومنها ثرواتنا من أراض تقول هلموا إليّ ولا تجد من المنادين الا قلة من المستجيبين، وحين يحرّض الفكر الحضاري المرتبط بالدين العظيم بالعلم فلا تجد من السلاطين والزعماء والسياسيين والحكام الكذبة الا فتات العلم، مع التحريض اليومي على تبعية الاعلام الفاسد والركض وراء الفكر الاستهلاكي الاستتباعي الفاسد.
يبلغ الإذلال مداه حين يرهن الحاكم بلاده وشعبه للإرادة الخارجية، وللصهيونية فيكبر حجم الصهاينة العرب والصهاينة المسيحيين والصهاينة المسلمين، تحت مبرر الإطعام بالاقتصاد اوتحت مبرر محاربة الإرهاب أو تحت مبرر اتباع الموضة فيما يتلقونه قدرًا من منتجات الآخرين المادية والثقافية وحتى السخافات الروحية ما لا يليق لا بمسلمين ولا بمسحييين مشرقيين في منطقتنا الحضارية ذات الألف نعمة ونعمة.
يبلغ الانحدار السياسي مداه عندما يصبح الصهيوني المحتل لفلسطين المقدسة سيدًا متربعًا، بقدميه على صدر الأمة بإرادة الطغاة والمستبدين والكذبة والكَتَبة، وحينما يصبح "هرتسل" في قبره سيدًا مبجلًا بإرادة المرتجفين والمرتعشين والساقطين.
لا يبلغ الجهلُ مداه الا حين يتوقف العلماء والمفكرون والكُتّاب والإعلاميون عن محاسبة أشياخ السياسة والمستبدين، وحين تتحول البرلمانات الى نوادٍ للصراخ فقط. وحين يتحول المثقفون الى مصفقون للسلطة والحكم والقائد الأوحد دون أي بصيص أمل في أن يثوبوا الى رشدهم!