(الجريح أحمد شهاب أحمد)
بقلم / مجاهد منعثر منشد
سكب الله روحه بمحبة السيدة زينب عليها السلام ،مضى بعجلة مدافعاً عن ضريحها الطاهر.
استرقتُ النظرَ لكفِّه الأَيمن وهو يتختَّمُ بخاتم عقيق ذي جاذبية ،ناداهُ زملاؤه: أَبو السيك !
عاد متوجعاً بوسام العقيلة ملبياً نداء الفتوى ، باشر يقاتل العدو .
مضت سنة ركبوا العجلات ، اتخذ الموكبُ طريقَ جرف الصخر ـ الرمادي ، في منتصف المسافة انفجرت عبوة ، نخرت شظاياها رأسه ، كسرت عظم الترقوة وساقه الأيمن .
رقد في المشفى ، يعاني الآلام طوال ليلة ، وصل الى مسامعه صوت طبيب الجملة العصبية يخبر ذويه : فقدان عقله يرافقه شللا!
ندب السيدة الحوراء ، حرك لسانه سراً باللغة الدارجة: يامولاتي يا أم عون أقسم عليك بأبو فاضل تحلي الشظية ، فأنا دافعت عنك كما أبو فاضل تكفلك ودافع عنك وأستشهد ، نحن دافعنا عنك ولنا حق عندك .. أطلب منك تنسي الشظية.
اغمض جفنيه ، أقبلت ترتدي عباءة سوداء ، أوثقت رأسه بعصابة خضراء ، خرقت مسامعه قائلة بالدارجة : كوم يا خادم ، لا تفكر بهذه الشظية ، صواب بارد .
استيقظ مرتبكا ،اختلطت دموع عينيه بسمرة خديه، سأل نفسه : من أنا لتطوف عليَّ السيدة زينب؟
أجاب سؤاله: أنا غير مؤهل لهذه الزيارة العظيمة ، شرف كبير زيارتها لي .
صمت ساعات ، ظهراً اصطحبوه لتصوير أشعة المفراس .
بعد ساعتين زاره طبيبه بشره : الشظية تحركت من مكانها ، أنقذك الله ، لكن لا نستطيع إخراجها .
رد عليه : شكرا لسيدتي أم عون ، ندبتها .
اندهش الطبيب، سأله : من هي أم عون ؟
أجابه بحسرة : غريبة الشام .
تصدى لداعش أثناء حصار مصفى بيجي ،لحقته معاناة تعب ، أَرق ، جسد مبلل ، طين ،ملابس ممزقة ، دون استحمام مدة واحد وعشرين يوما .
بعد تحرير المصفى ، زار أَبو مهدي المهندس القطعات المتجحفلة ، وقف بين قادتها ، لمحت عيناه مقاتل يحمل أعلى كتفه سلاح بي كي سي و يجر صندوق العتاد بمنديل ، رن مسامعهم : نادوا لي هذا المجاهد.
بصوت عال نادى أحدهم : أبو السيك الحاج يدعوك .
تغيرت ملامح وجه أَبي مهدي قائلا: لا تنادوه أَبو السيك هذا جون أَحد أنصار الإمام الحسين عليه السلام .
التقيا .. قال بفرح غامر : حاج أمنيتي صورة معك ، لكن جوالي مكسور.
ردَّ عليه : أَهديك ذكرى أَهم، خلع خاتمه ،قدمه له ، أَوصاه : احتفظ به .
عام 2019 تكلف جون كسائق حفارة لمعالجة فيضانات السدود ، فجأة أَخبره زميله : الحاج المهندس يناديك.
نزل مسرعا ، عانقه ، نظر كفه سأله: لازال الخاتم بأصبعك ؟
إجابه : نعم يا حاج .
همس بأذنه: بابا جون ربما استشهد احتفظ به ، هذا الخاتم أَهداني إيَّاه شخصٌ عزيزٌ عليَّ.
ومرت سنة ، في بيجي منطقة دور 600، مازالت حماسته بازدياد، أَصبح قناصاً ، شنَّ عناصر الارهاب هجوما ، قتل عدداً منهم ، أَطلقوا عليه صاروخاً ، أَصاب الدشمة الكونكريتية ، هدمت فوق رأسه غرفة البرج .
..........................
ـ حكاية (جون) الجريح أحمد شهاب أحمد.
تولد 1994، متزوج ولديه أَربعة أَبناء ، يسكن البصرة - كوت الحجاج .
غيور ، عاشق لأَهل البيت عليهم السلام ، مجاهد قبل الفتوى ، تطوع لحماية مرقد عقيلة الهاشمين في سوريا ، أُصيب في ريف حلب بقاذفة هاون بتاريخ 22|12| 2012.
لم تثنه الإصابة وبادر على الفور بتلبية نداء المرجعية عام 2014 ، شارك بعمليات تحرير ديالى ، تلال حمرين ، العظيم ، جرف الصخر (لنصر) واستهدف فيها ،فكانت إصابته خطيرة أدت إلى كسور (عظم الترقوة ، القدم الأيمن) وعطل عصب السمع مع جرح الحاجب الأيسر .
ألتحق مرة أخرى في منطقة بيجي ، وأصيب إصابة ثالثة أدت إلى كسر في فقرات الظهر والحوض.
التقى عدة مرات بالشهيد القائد أَبي مهدي المهندس ، آخرها قبل سبعة أَيام من شهادته المباركة حول حقٍّ من حقوقه ، إذ ذهب إلى مقر المهندس في بغداد، أَخبره حقَّه المسلوب .
نظر الحاج لوجه جون قائلا: إذا جون لا يتم توطينه فمن يتوطن ؟
فتح قلمه الأَخضر ، كتب في ورقة صغيرة ، قدم بكفه الأيمن تلك الورقة إلى جون ، هامسا بأذنيه: أذهب إلى سيد سلطان ( مدير الإدارة المركزية )، تعالج موضوعه .
بعد يومين اتصل هاتفيا بالشهيد محمد رضا ، طلب منه موعدا لشكر الحاج الشهيد ، أبلغه الشهيد ينوي السفر لمدة يومين .
منح إجازة في اليوم التالي ، وصل منزله ليلا، فجرا كان يقلب في جواله ، أبصر نبأ شهادة قادة النصر ورفاقهم .
تحسر حسرة طويلة أثناء حديثه معي ، نطق لم أصدق الخبر ، إلا أن البث المباشر أكد الفاجعة .
وأخيراً طلب منِّي ذكر شكره وتقديره إلى الحاج أَبو ياسر مدير هيئة الحشد الشعبي في حينها، ويعتبره والد الحشد الشعبي بعد الشهيد القائد ، وشكره موصولا إلى سيد سلطان و السيد محمد الوافقي.