د.كلثم جبر الكواري
من الطبيعي أن يختلفَ الناس في آرائهم ومواقفهم حيال الكثير من الأمور ذات العَلاقة بشؤونهم الخاصّة والعامّة، وهذا الاختلاف قد تكون نتيجته إيجابية إذا كان الهدف منه تحري الدقة والرغبة في الوصول للحقيقة، للاقتناع التام الذي لا يترك ضغينة بين المُختلفين، وقد تكون نتيجته سلبية إذا أصرّ أحد الطرفين على التمسك برأيه، حتى وإن لم يكن على صواب، وهذا النوع من الجدل العقيم لن يفضي إلا إلى اتساع رقعة الخلاف إذا اتسم بالعناد والتشبّث بالرأي، ورفض الرأي الآخر مهما كان على صواب، ما يؤدّي إلى تفاقم الخلاف الذي يورث القطيعة والبغضاء بين الإخوان والأصدقاء حين تسوء العاقبة بين الطرفين، وتتذبذب بوصلة العَلاقات بينهما دون أن تستقرَّ في اتجاه ثابت.
وفي حالات الغضب قد ترتكب الأخطاء المُدمّرة التي يصعب لاحقًا تجنّب نتائجها، وفي هذه الحالة لا أحد ينتصر ما لم يتم تطويق الاختلاف قبل أن يتحولَ إلى جدل عقيم يُربك العَلاقات بين الأطراف المُتنازعة، حول أمور قد تبدأ صغيرة وبسيطة، لكنها تتضخم لتأخذ أكبر من حجمها، ولو تمَّ التعامل معها بشيء من الحكمة لما آلت إلى نتائج سلبيّة يتضرر منها الطرفان، مع أن الحكمة تقتضي أن تكونَ بين الطرفين شعرة معاوية التي تتراوح بين الشد واللين بشكل مُتكافئ، حتى لا يكون الشد سببًا في انقطاعها، ولا يكون اللين سببًا في ضياعها، ولعلّ خير علاج لأي اختلاف هو التغافل، وهو نعمة قلما يلجأ إليها المُختلفان في أي أمر من أمور الحياة، رغم ما قد ينجم عنها من تهدئة للخواطر واستلاب للتوتر والقلق، وامتصاص للمشاعر السلبيّة.
التغافل هو امتدادٌ للعفو عند المقدرة الذي عُرِف به بعض عظماء التاريخ من ملوك وحكّام وقادة نالوا الغلبة على أعدائهم بالحِلم والأناة والتروي والابتعاد عن الانفعالات الهوجاء، التي قد تؤدّي إلى تصرّفات يندم عليها صاحبها حين لا ينفع الندم، ومن نتائج ترك المشادة في الاختلاف أن يعيشَ الإنسان مُطمئن النفس، خالي البال من هموم التفكير في الانتقام، أو الإصرار على المُشاحنة والنزاع حول أمور لا تستحق كل تلك المُشاحنة وذلك النزاع، والإنسان الذي يعيش مرة واحدة، من الحماقة أن يقضي عمره في العداوة والبغضاء، ناسيًا أن راحته تكمن في خلو قلبه وصفاء نفسه، من الكيد لمن أساء إليه بدل العفو عنه والتسامح حيال أخطائه، وما أجمل الشعور بأن ينام الإنسان بنفس مُطمئنة، وقلب عامر بالحب للآخرين، بالتسامح وتجاوز كل ما قد يُعكّر العَلاقات ويُعقّد الصلات، ويُضخّم صغائر الأخطاء في حالة اللجوء إلى الجدل العقيم الذي لا طائل من ورائه.