بقلم / مجاهد منعثر منشد
ترصد العابرين , تسألهم بحزن , بنبرة ملهوفة , خائفة , من لا يعرفها يتهمها يالجنون !
من يبرد غليل قلب ثكلى بفراق ابنها , أريد خبرا عنه ,من رأى الحسين ؟
تسال وترجع حزينة !
كل ليلة تجلس مع من تشاطرها الأحزان , أم سلمة , ترى في دموعهاإجابة لاتفهمها !
تلتفت إلى أم الفضل , تشعر بشجنها , ضيقها , حزنها العميق , لكن زوجة العباس تخفي أنينها!
منذ ليلة العاشر من محرم اضطربت لبابة, تذكرت وحشة العباس .
هم أم البنين بوحشة الحسين .
يهدآن اللوعة والوحشة باحتضان الصغار , تجلس فاطمة الكلابية بزاوية الدار , بالعتمة الدامسة , ترتعد أثناء قيامها لصلاة النافلة , أقبلت عليها أم الفضل نطقت بصوت لا يخلو من بذور نحيب: أماه أترتعدين؟ أجلب لك غطاء !
ـ لا يابنيتي , الليلة ليلة جمعة , تذكرت صوت العباس وهو يقرأ دعاء الخضر .
نزلت دموع لبابة بصمت , احتضنتها أم البنين , ضمتها لحجرها ,مسحت دموعها بأطراف أصابعها ,خففت عنها , استعارت دعاء زوجها الذي علمه للكميل بن زياد , فرنت مسامع أم الفضل : اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء ..وبنور وجهك الذي أضاء له كل شيء..
عاد الارتعاد , انحدرت دموعها , بصوت شجي وأنين , نطقت : فإليك يارب نصب وجهي , وإليك يارب مددت يدي ..
أردفت تكملت الدعاء , ختمت : ياسريع الرضا , هدأت نجواها , استكانت ,دعت ان يبرد غليلها بخبر عن الحسين .
غشيتها غفوة ,لعلها رأت الحسين والعباس في عليين , حظيت برؤية دموع زينب الجارية على وجنتيها و الهم في عينيها !
,فاقت , وجدت المكان حولها خاليا , اعتصر قلبها صباحا , ترى نفسها وحيده , تشكر الله على أمره.
كعادتها صباح كل جمعة , تزور أرحامها , زارت أم سلمه , توقفت بعدها , تأملت , أين الحسين , أين الأحبة ؟
عند الزوال قامت للصلاة , ناجت ربها طويلا أن يخفف عنها وطأة الأشجان , سجدت , زاد حنينها للحسين .
مضى أربعون يوما على الانتظار لتطمئن ولو بخبر, جاء صوت كصيحة طائر يرفرف بجناحيه تتساقط دموعه غيثأ لتروي الأرض من الضمأى والكلآ؟
ارتفع ذلك الصوت , نداء أثيل , ببكاء ونحيب :
ياأهل يثرب لا مقام لكم بها ...قتل الحسين فأدمعي مدرارا
الجسم منه بكربلاء مضرج ...والرأس منه على القناة يدار
سمعت أم البنين الصوت بروحها , لا تعلم مصدره, مشت على الأقدام , طائرة نحوه .
كلما تقربت من مرقد النبي , يزداد العويل من كل حدب وصوت , كأن الرسول وبضعته وعلي والحسن يبكون معهم !
رأت أم البنين صاحب الصوت , إنه بشر بن حذلم , تسأله الناس !
سألته : أيها الناعي , هل لك علم بولدي الحسين؟!
تعجب , قبل قليل نعى الحسين , ما هذا السؤال!
سأل عنها ؟
ـ إجابة الناس : أنها أم البنين.
التفت إليها , مولاتي , عظم الله أجرك بولدك عبد الله .
نظرت إليه , ردت : فداء للحسين , سؤالي عن سيدي الحسين ؟
أحساس بشر بخبر الحسين سيصعقها , راح يعزيها بولدها عثمان .
هتفت:فداء للحسين , سؤالي عن مولاي الحسين ؟
ـ عظم الله أجرك بولدك جعفر .
أزداد حزنها عمقا , سكونها صمتا , أسمعته مردده:
قلت لك فداء للحسين ,إنما سؤالي عن الحسين؟
كأن بشر يتدرج معها بالخبر شيئا فشيئا , عظم الله أجرك بولدك العباس .
طفحت روحها , تصدع قلبها , كلمته : ياهذا , قطعت نياط قلبي , أولادي كلهم فداء للحسين , أسألك عن ولدي الحسين ؟
ـ سيدتي ومولاتي , عظم الله لك الآجر بسيدي الحسين .
صرخت : وولاده واحسيناه , وامهجة قلباه !
أغمي عليها , صببن النسوة الماء على وجهها , أفاقت , حركت شفتيها : أين ابنتي زينب؟ أين مولاتي وأبنت مولاتي ؟أين حبيبتي زينب؟
سمعت بشر ينادي : دخل السجاد والسبايا المدينة .
سارعت أم البنين إلى الفسطاط , وجدت خادمة عند بابه , تمنع النساء من الدخول , تتكلم الخادمة : أوصتني سيدتي ومولاتي زينب عدم السماح بالدخول إلا شريكتها في المصاب ؟
سمعتها : رن مسامعها , أخبري مولاتي زينب أنني أم البنين !
جاء الصوت حزينا : أه أماه أم البنين , شريكتنا في المصاب .
هرولت صارخه : واولادها ..واحسيناه !
تعانقا وبكيا طويلا ,ارتمت العقيلة بأحضانها ,رأت شحوب وجهها , أثار ضرب السياط , انهارت قبلتها , حدثتها ,كأنها قائلة : ليت أثار السياط أصابتني دونك!
سالتها: بنيتي , هل وفى أولادي بعهدهم ؟ هل أطاع ولدي العباس أمام زمانه ؟ أأستشهد قبل الحسين أو بعده؟
أجهشت زينب بالبكاء , ردت بدموعها قبل لسانه , نطقت : أيه ياأم البنين! أعن العباس تسألين ؟
وأردفت : ما واسى أخ أخاه كما واسى العباس الحسين !
مقطوع اليدين , سهم أصاب العينين , ساقانا مرتين , فأرخى الحسين بالبكاء عينيه .
هدىء فؤاد أم البنين وستكان , مذ تلك اللحظة نصبنا العزاء الذي لاينتهي إلى الآبد ..