أم البنين في المدينة

2024/07/27

بقلم / مجاهد منعثر منشد

ترصد العابرين , تسألهم بحزن , بنبرة ملهوفة , خائفة , من لا يعرفها يتهمها يالجنون !

من يبرد غليل قلب ثكلى بفراق ابنها , أريد خبرا عنه ,من رأى الحسين ؟

تسال وترجع حزينة !

كل ليلة تجلس مع من تشاطرها الأحزان , أم سلمة , ترى في دموعهاإجابة لاتفهمها !

تلتفت إلى أم الفضل , تشعر بشجنها , ضيقها , حزنها العميق , لكن زوجة العباس تخفي أنينها!

منذ ليلة العاشر من محرم اضطربت لبابة, تذكرت وحشة العباس .

هم أم البنين بوحشة الحسين .

يهدآن اللوعة والوحشة باحتضان الصغار , تجلس فاطمة الكلابية بزاوية الدار , بالعتمة الدامسة , ترتعد أثناء قيامها لصلاة النافلة , أقبلت عليها أم الفضل نطقت بصوت لا يخلو من بذور نحيب: أماه أترتعدين؟ أجلب لك غطاء !

ـ لا يابنيتي , الليلة ليلة جمعة , تذكرت صوت العباس وهو يقرأ دعاء الخضر .

نزلت دموع لبابة بصمت , احتضنتها أم البنين , ضمتها لحجرها ,مسحت دموعها بأطراف أصابعها ,خففت عنها , استعارت دعاء زوجها الذي علمه للكميل بن زياد , فرنت مسامع أم الفضل : اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء ..وبنور وجهك الذي أضاء له كل شيء..

عاد الارتعاد , انحدرت دموعها , بصوت شجي وأنين , نطقت : فإليك يارب نصب وجهي , وإليك يارب مددت يدي ..

أردفت تكملت الدعاء , ختمت : ياسريع الرضا , هدأت نجواها , استكانت ,دعت ان يبرد غليلها بخبر عن الحسين .

غشيتها غفوة ,لعلها رأت الحسين والعباس في عليين , حظيت برؤية دموع زينب الجارية على وجنتيها و الهم في عينيها !

 ,فاقت , وجدت المكان حولها خاليا , اعتصر قلبها صباحا , ترى نفسها وحيده , تشكر الله على أمره.

كعادتها صباح كل جمعة , تزور أرحامها , زارت أم سلمه , توقفت بعدها , تأملت , أين الحسين , أين الأحبة ؟

عند الزوال قامت للصلاة , ناجت ربها طويلا أن يخفف عنها وطأة الأشجان , سجدت , زاد حنينها للحسين .

مضى أربعون يوما على الانتظار لتطمئن ولو بخبر, جاء صوت كصيحة طائر يرفرف بجناحيه تتساقط دموعه غيثأ لتروي الأرض من الضمأى والكلآ؟

ارتفع ذلك الصوت , نداء أثيل , ببكاء ونحيب :

ياأهل يثرب لا مقام لكم بها ...قتل الحسين فأدمعي مدرارا

الجسم منه بكربلاء مضرج ...والرأس منه على القناة يدار

سمعت أم البنين الصوت بروحها , لا تعلم مصدره, مشت على الأقدام , طائرة نحوه .

كلما تقربت من مرقد النبي , يزداد العويل من كل حدب وصوت , كأن الرسول وبضعته وعلي والحسن يبكون معهم !

رأت أم البنين صاحب الصوت , إنه بشر بن حذلم , تسأله الناس !

سألته : أيها الناعي , هل لك علم بولدي الحسين؟!

تعجب , قبل قليل نعى الحسين , ما هذا السؤال!

سأل عنها ؟

ـ إجابة الناس : أنها أم البنين.

التفت إليها , مولاتي , عظم الله أجرك بولدك عبد الله .

نظرت إليه , ردت : فداء للحسين , سؤالي عن سيدي الحسين ؟

أحساس بشر بخبر الحسين سيصعقها , راح يعزيها بولدها عثمان .

هتفت:فداء للحسين , سؤالي عن مولاي الحسين ؟

ـ عظم الله أجرك بولدك جعفر .

أزداد حزنها عمقا , سكونها صمتا , أسمعته مردده:

قلت لك فداء للحسين ,إنما سؤالي عن الحسين؟

كأن بشر يتدرج معها بالخبر شيئا فشيئا , عظم الله أجرك بولدك العباس .

طفحت روحها , تصدع قلبها , كلمته : ياهذا , قطعت نياط قلبي , أولادي كلهم فداء للحسين , أسألك عن ولدي الحسين ؟

ـ سيدتي ومولاتي , عظم الله لك الآجر بسيدي الحسين .

صرخت : وولاده واحسيناه , وامهجة قلباه !

أغمي عليها , صببن النسوة الماء على وجهها , أفاقت , حركت شفتيها : أين ابنتي زينب؟ أين مولاتي وأبنت مولاتي ؟أين حبيبتي زينب؟

سمعت بشر ينادي : دخل السجاد والسبايا المدينة .

سارعت أم البنين إلى الفسطاط , وجدت خادمة عند بابه , تمنع النساء من الدخول , تتكلم الخادمة : أوصتني سيدتي ومولاتي  زينب عدم السماح بالدخول إلا شريكتها في المصاب ؟

سمعتها : رن مسامعها , أخبري مولاتي زينب أنني أم البنين !

جاء الصوت حزينا : أه أماه أم البنين , شريكتنا في المصاب .

هرولت صارخه : واولادها ..واحسيناه !

تعانقا وبكيا طويلا ,ارتمت العقيلة بأحضانها ,رأت شحوب وجهها , أثار ضرب السياط , انهارت قبلتها , حدثتها ,كأنها قائلة : ليت أثار السياط أصابتني دونك!

سالتها: بنيتي , هل وفى أولادي بعهدهم ؟ هل أطاع ولدي العباس أمام زمانه ؟ أأستشهد قبل الحسين أو بعده؟

   أجهشت زينب بالبكاء , ردت بدموعها قبل لسانه , نطقت : أيه ياأم البنين! أعن العباس تسألين ؟

وأردفت : ما واسى أخ أخاه كما واسى العباس الحسين !

مقطوع اليدين , سهم أصاب العينين , ساقانا مرتين , فأرخى الحسين بالبكاء عينيه .

هدىء فؤاد أم البنين وستكان , مذ تلك اللحظة نصبنا العزاء الذي لاينتهي إلى الآبد ..

 

أخترنا لك
اليوم التاسع للقصف الإسرائيلي الجنوني على قطاع غزة

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة