بقلم/ فريدة العبيدلي
كلمات ثلاث تحمل في ثناياها مدلولاتٍ ومعانيَ لُغويّةً وحياتيّةً على مُختلِف المُستويات الشخصيّة والعمليّة والمُجتمعيّة بوجه عام، كل كلمة منها تحمل الكثيرَ من التفاصيل والعَلاقات الإنسانيّة.
نُرددها في حياتنا الشخصيّة والعامة بصورٍ مُتعدّدةٍ ومجالاتٍ مُختلِفةٍ على النطاق الأسري، وفي مجالات العمل، والحياة بمُختلِف جوانبها الاجتماعيّة، والاقتصاديّة، والثقافيّة والسياسيّة، ومن خلال هذه الكلمات الكل يطلب من الكل الآخر أن يكونَ على مُستوى المسؤولية المناطة به على المُستويين الفردي والمُجتمعي.
لو عُدنا بذاكرتنا إلى المرجعيّة الأولى في حياتنا، البيئة الأساسيّة التي تربّى فيها كل فردٍ منا وهي (الأسرة)، التي تعلمنا من خلالها القيم والأخلاق والمهارات الحياتيّة في مراحل سنوات أعمارنا الأولى ما قبل المدرسة وما بعدها، نجد أن الأبوين يتداولان كلمة المسؤولية في حياتهما اليوميّة بصورة مُستمرة، بأن يقول الأب للأم: الأطفال مسؤوليتكِ، اهتمي بهم، أحسني تربيتهم، ويأتيه الرد من الأم مُماثلًا بأنه هو المسؤول الأول والأخير عن أبنائه، وعليه توفير المأكل والملبس والمسكن والحياة الحرة الكريمة لهم، وبعد أن يتعدّى الطفل سنوات الاعتماد الكُلي على أبويه في أمور نظافته الشخصيّة ومأكله وملبسه، ترتفع الأصوات من حوله من قِبل الجَد والجَدة وغيرهما من أقربائه المُحيطين به، بأن عليه أن يتعلمَ الاعتماد على نفسه حتى يكونَ مسؤولًا عن كل ما يتعلق به من حاجيات، وأن عليه ترتيب حاجياته وألعابه بعد الانتهاء منها، وتبقى كلمة المسؤولية لصيقةً به حتى بعد ذَهابه للمدرسة، فعليه كذلك ترتيب كتبه والاهتمام بحل واجباته، وتُصاحبه في مُختلِف مراحله العمريّة والدراسيّة والعمليّة، لأهميتها في صقل شخصيته وتنمية مهاراته في التواصل مع الآخرين والتعامل بحكمةٍ مع تحديات الحياة.
وتبقى للمسؤولية قيمتها العُظمى كذلك في مجال العمل، حتى إن الشخص الذي يتولى أي منصب إداري أو فني مهما علا أو صغر يقترن اسمه دائمًا في المهام الوظيفيّة بكلمة (مسؤول)، وذلك تبعًا للوظيفة التي يشغلها،
وفي نهاية مطاف المسؤولية تأتي كلمة (المُساءلة) لتضع الأمور في نصابها في ميزان العدالة والموضوعيّة والمصداقيّة، خاصة إذا كانت المسؤولية تتعلق بالصالح العام للوطن والمواطنين.
وأخيرًا: لا يفوتنا أن ديننا الإسلامي الحنيف يحثّ على أهمية تحمّل المسؤولية، ولنا في قول رسولنا الكريم محمد، صلى الله عليه وسلم، قدوة ومنهج حياة «كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته»، وضح الحديث الشريف مفهومَ المسؤولية بمعناها الشامل المُتكامل من الحقوق والواجبات للأفراد والجماعات، وعلينا كمُسلمين الاقتداء والعمل بما ورد في الحديث الشريف أعلاه، ليعمَّ الخير والأمن والأمان والسلام المُجتمعات الإسلاميّة.