الخطاب ( الحكاية والسرد ) في سنوات التيه للروائية / شاهيناز الفقي .

2020/02/24

الخطاب ( الحكاية والسرد )في  سنوات التيهللروائية / شاهيناز الفقي .

بقلم // د.رمضان الحضرى

******************

( ماالسر وراء السعادة التي يبعثها فينا مرور قطيع من الأغنام فيالصحراء ، لم لا نشعر بتلك السعادة عند رؤيتها في مكان آخر ،ربما لأن وجودها في الصحراء يرتبط بعناصر الحياة في مكان نفقدفيه الأمل من وجود حياة ، هكذا الإنسان يكره كل مظهر من مظاهرالموت ، ويقدس الحياة ويتهلل لها حتى لو كانت حياة قطيع من الأغنام .)

شاهيناز الفقي

سنوات التيه ، صـ 16 ، 17 .

*************

لست أدري ماذا أصابني ؟!

خطتي في تناول الرواية واضحة جداً ، وكلماتي هذه هي آخر الكلمات

وقد حذفتُ أكثر مما أثبتُ ، وأعدت كتابة القالة مرات تصحيحا وتنقيحا،

مع علمي التام أن : _

الرواية العربية شأنها شأن كل الفنون تعيش حالة من ضياع الهوية

ربما هي مرحلة وجود الأمة في مفترق طرق ، فلم يترك جيل الرواد

رائداً لفن القصة ، ولم تعد القصة ضرورية لسينما ومسرح يحتضران

ولن ينقذ الرواية العربية على وجه التحديد من ذا النفق إلا عبقري يدرك

ماالرواية الجديدة ؟ وكيف يجعل الجمهور متلهفاً عليها ؟.

ربما يطول الوقت كثيرا فالعربي مشغول بوجوده بين الأمم ، حيث

لم يدرك أنه خرج من المنافسة إلا منذ سنوات عدة ، حينا نهبت

أمواله ، وهدمت بيوته ، ولم يعد من حضارته الثقافية سوى

بعض أبيات شعر للمتنبي وشوقي ، وبعض قصص لمحفوظ

وإدريس ، وبعض كلمات في التنوير لرفاعة وطه حسين .

ورغم ما تعانيه الشخصية العربية في المرحلة الآنية من تفريغ

تم بالفعل ، وشحن بمساويء كاستبدال الذي هو أدنى بالذي

هو خير وقد تم بالفعل ، إلا أن المخططين لتدمير العقل العربي

قد فاتهم الكثير حيث إن البذرة لاتموت مهما قطعوا الأشجار

وأحرقوا الأوراق ، وأتلفوا الثمار .

هذه بذرة خصبة للسرد العربي ، مغروسة في الأرض ، وثمارها

مهمة للرواية العربية ، تعي ماوظيفة الرواية ، بل ماوظيفة الكلمة

ولذا فهي تنسج سردها في خطاب سردي أظنه متوجه للتجديد

بقوة ، فهي لاتقف عند الحادثة مرتبطة بزمنها الخارجي ، ولكنها

تبحث عن زمن تأثير الحادثة ، فهي تكتب من جبل مرتفع جداً

تعتمد أسلوب التشويق الفكري لا اللغوي ، تدرك اتساع المسافات

بين الأحداث في الحكاية والأحداث في السرد .

تقول شاهيناز الفقي في الفصل الثاني : _

بسطت الشمس خيوط أشعتها على ظلام الغرفة من خلف الستارة

فأضاءت المكان بوهج دافيء لايحمل ازعاجا أو ضجيجا ، دخلت

المرأة ذات الأنف ، نحن أحيانا لا نلتفت إلا للظواهر الواضحة ونتجاهل التفاصيل الصغيرة ، كانت المرأة بدينة ولكنها لاتكف عن التحركبرشاقة

باليرينا بجسدها المترجرج هنا وهناك ، وجهها المستدير ذو الخدود المنفوخة يحمل ابتسامة حنونة وعيناها الضيقتان تزدادان ضيقا كلما ابتسمت ، وجهها يحمل تفاصيل كثيرة عدا الأنف الضخم المفلطح

قد تصلح لأن تكون أحد الملائكة ، وضعت صينية الإفطار أمامي وساعدتني على الجلوس قائلة :

( الحمد لله على سلامتك .. هيا ياجميل ... الإفطار )

كدت أسألها عن أمي لكنها تابعت قائلة :

( دكتور سليمان سيكون هنا بعد دقائق )

خرجت من الغرفة ، وسمعت صوت المفتاح يدور في الباب من الخارج

، أين أمي ؟وفاتن سناء وأبي ، ولماذا يغلقون الباب بالمفتاح ؟ أين الدكتور

خالد ومن هو الدكتور سليمان ؟ تدافعت الأسئلة على رأسي ، ولكن الجوع كان قد استبد بمعدتي فبدأت تصدر صيحاتها تعلن العصيان ...

أنهيت إفطاري ، ومشيت استند إلى الجدران الزرقاء ، نظرت من خلال فتحات الستارة ، كان لدي فضول لأن أعرف في أي مكان تقع تلك الغرفة

نحن في طابق مرتفع لأنني لا أرى إلا شجيرات خضراء تبدو صغيرة جدا من مكاني ، لا أثر لسيارات أو منازل أو بشر ، وقفت أمام مرآة الحمام أتأمل وظهري الرهيب وقد فقدت نصف وزني تقريبا ، عيناي غائرتان تحيطهما الهالات السوداء ، وشفتاي فقدتا لونهما فأصبح وجهي لايحمل تفاصيل أو ملامح محددة بذاتها ، أما شعري فما كدت أفحصه حتى بدأ يتساقط في يدي كأوراق شجرة خريفية ، طال وقوفي أمام المرآة حين سمعت باب الغرفة يفتح وسمعت صوت أقدام يختلف إيقاعها عن إيقاع خطوات المرأة البدينة ، أغلقت باب الحمام سريعا غسلت وجهي ومشطت شعري بيدي ، حاولت أن أصلح هندامي قدر المستطاع ، كان الزي الأزرق الذي أرتديه طويلا واسعا أبدو داخله كالبلهاء وتصورت لو رأتني سناء على هذه الحالة المزرية سيكون الأمر مضحكا لدرجة استلقائها على قفاها كعادتها حينما تنتابها وصلة من الضحك ، عادت التساؤلات تدور برأسي عما حدث ، استقبلني الدكتور خالد بابتسامة استشاط لها غضبي فانفجرت في وجهه بكب الأسئلة التي دارت في ذهني ، لكنه ظل محتفظا بهدوئه وقال وهو ينظر لصينية الطعام :

( الحمد لله ... شهيتك بخير وكله تمام ) .

كادت قدماي أن تخذلاني فجلست على طرف السرير حين اقتربت مني البدينة والتي سمعت الدكتور يناديها صباح تحاول أن تساعدني على الرقود ، حاولت التملص من قبضتها ، استجمعت قواي ونظرت في عينيه أحاول أن أبحث عن الحقيقة الغائبة .

قال بصوت هاديء وكأنه يحمل فيروسا يجبره على الابتسام بصفة دائمة ، ( أرجوكِ استريحي ... وستعرفين كل شيء في الوقت المناسب ... كل الذي أريدك أن تفكري فيه هو صحتك فقط ... ساعديني لكي استطيع مساعدتك ) .

شعرت بأنني بالفعل بحاجة للراحة ، تلك اللحظات الغاضبة استنفذت قواي حتى بدأ جسدي يرتجف من الوهن ، مددت يدي لصباح أطلب منها مساعدتي على الرقود ، أمسكتني بحنان وكأنها تحتضنني بجسدها اللين والذي يذكرني بامي حين كانت تحتضنني وأنا طفلة صغيرة .)

هذا مقطع من الفصل الثاني ، ربما هو طويل بنسبة ما ، لكنه مثال توضيحي مهم لبيان الخطاب السردي الذي تعتمده شاهيناز الفقي في روايتها هذه ( سنوات التيه )

1 _ الحكاية والسرد :

الحكاية هي القصة كما حدثت في الواقع حسب ترتيبها الزمني للأحداث مثل ( من البيت خرجت صباحا وسرت في طريقي للعمل وقابلني صديقي وتناولنا طعام الإفطار ، ثم سرت بسرعة حتى وصلت مكان عملي ) .

هذه حكاية تتكون من الأحداث التالية : _

1 _ الخروج من البيت

2 _ السير في طريق العمل

3 _ لقاء صديق

4 _ تناول الإفطار مع الصديق

5 _ معاودة السير

6 _ الوصول لمحل العمل )

هذه الحوادث جاءت مرتبة كما حدثت في الواقع تماما ، فهي حكاية .

أما حينما أقول : _

( وصلت إلى عملي متأخرا رغم ان المسافة بيني وبين عملي لا تحتاج أكثر من دقائق معدودة ، لكنني قابلت صديقي في الصباح ، وأصر على أن نتناول طعام الإفطار سويا .)

فهذا سرد حيث أعدت ترتيب الحكاية كما أريد ، فكانت الأحداث كالتالي :

1 _ الوصول للعمل

2 _ الخروج من البيت

3 _ مقابلة الصديق

4 _ الإفطار معا

نلاحظ أن الحدث رقم ( 1 ) في الحكاية أصبح رقم ( 2 ) في السرد

والحدث رقم ( 6 ) في الحكاية أصبح رقم ( 1 ) في السرد .

وهذا مايحدث المفارقات الزمنية بين الحكاية والسرد ، فقد يسبق السرد ويأتي باحداث مستقبلية ، وقد يعود السرد للماضي فيأتي بأحداث ماضية ، وهو ما أسماه البنيويون بالاستباقات أو الاسترجاعات ، وهما الخروج من حاضر السرد تجاه المستقبل أوالعودة تجاه الماضي ، فالخروج تجاه المستقبل هو استباق ، والعودة تجاه الماضي هو استرجاع .

وينتج من ذلك الاختلاف التام بين زمن الحكاية وزمن السرد ، فزمن الحكاية هو زمن واقعي حقيقي ، بينما زمن السرد هو زمن قصصي متخيل والحكاية في المقتطف السابق متداخلة ، هذا التداخل يشي بكاتبة غير عادية ، تمزج بين الأزمنة ، يتداخل زمن الحكاية وزمن السرد ، لايتوقف السرد عند الوصف بل هو مستمر ، هذا ماجعل كاتبا مثل السيد حافظ يقول عن شاهيناز الفقي : _

( تذكروا هذا الاسم جيدا ففي خلال السنوات القادمة سيتصدر هذا الاسم القائمة في الإبداع السردي ، ليس بسبب ضربة حظ أو سلطة أدبية وهمية إعلامية ، لكن شاهيناز الفقي تغزل في ثوب السرد بنفس عميق وطويل وتجتهد وتثابر ) ، غلاف الرواية .

ليس بعد كلام السيد حافظ من إضافة لأحد ، ربما يخجل الرجل أن يقول عن كاتبة مصرية إنها عبقرية في الكتابة السردية ، بل هي كاتبة نادرة ، تخرج بالرواية المصرية والعربية من ذلك النفق المظلم الذي صنعه لها الكتاب الذين ضلوا وأضلوا ، فصنعوا روايات وهمية بعضها مسروق من روايات غربية ، وهناك من سرق رواية من أبيه المتوفي ، وهناك من سار في درب الدراويش السرديين الذين يكتبون والسلام .

2 _ الحكاية / السرد / الأسلوبية

لست ممن يرتضي الاستئثار بقارئه فيطيل جلوسه أمام قالة لن تنتهي

إلا بعد فترة طويلة ، ولذا فضلت أن أنظم قالتي هذه إلى عدة أجزاء ، وهذا هو الجزء الأول ، وكل يومين سوف أقدم جزءً .

28168754_1862965757112262_1110253603642795637_n

28167354_1862965717112266_5525308021886852899_n

أخترنا لك
"ستة انطباعات" عن الموقف الأوروبي من اللحظة الفلسطينية الراهنة

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة