رحيل خيرة النسوان السيدة أمنة بنت الحسين عليها السلام

2023/09/21

بقلم/ مجاهد منعثر منشد

ذكرتها أغلب المصادر باسم أمنة (1) .ولقبت سكينة  لسكوتها و هدوئها(2).

خاطبها الإمام الحسين عليه السلام ,ياخيرة النسوان :

سيطولُ بعدي يا سكينةَ فاعلمي      منكِ البكاءُ إذا الحمامُ دهـاني

لا تُحرقي قلبـي بدمعكِ حسرة      ما دامَ منّي الروحُ في جثماني

فـإذا قُتلـتُ فأنتِ أولى بالذي      تأتينـهُ يا خيـرةَ النســـــــــــوانِ

هذا الأبيات على لسان الإمام سيد الشهداء عليه السلام في ساعة الوداع يوم « طف كربلاء » ,فعندما تفقد الحسين بضعته الحبيبة سكينة وجدها منحازة عن النساء ، باكية العين ، كسيرة الفؤاد .

قبلها بلهفه وحنان ، ثم رفع رأسه ,خاطبها بشفقة :

    « هلا أدخرت البكاء ليوم غد ؟ تجلدي يا حبيبتي واصبري أن الله مع الصابرين » .

ولادتها ووفاتها في المدينة المنورة (3). وكانت وفاتها بالمدينة يوم الخميس لخمس خلون من شهر ربيع الأول سنة117هـ سنة سبع عشرة و مائة بعد الهجرة.

وعمرها على ما قيل خمس و سبعون سنة، فعلى هذا كان عمرها بالطف تسعة عشر سنة. (4).

وقد أشاد أبيها عليه السلام بعلاقتها مع الله سبحانه وتعالى , منذ أن أتى الحسن المثنى بن الحسن بن أميرالمؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه ) يخطب إحدى ابنتيه. فاطمة أو سكينة, فقال له أبا عبد الله : اختار لك فاطمة فهي أكثر شبها بأمي فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أما في الدين فتقوم الليل كله و تصوم النهار كله، وفي الجمال تشبه الحور العين, واما سكينة فغالب عليها الاستغراق مع الله فلا تصلح لرجل. (5).

بمعنى عابدة لله وكل وقتها لله تعالى .

هي سليلة النبوة ,وبضعة الحسين  خامس أصحاب الكساء ,و سيد أهل الإباء, ومن بيت أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا.

نشأت في حضن الرسالة ,وترعرعت في حجر الإمامة, حفيدة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) وأمير المؤمنين ,جدتها فاطمة الزهراء, عمتها عقيلة بني هاشم السيدة زينب, بنت الإمام المعصوم ,وعمها الإمام المعصوم , وأخيها الإمام المعصوم , وابن أخيها الإمام المعصوم ,ومن ذرية أبيها التسعة المعصومين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين).

يقول ابنعساكر  في تسمية ولد الحسين : وسكينة ، واسمها آمنة ، وإنّما سكينة لقب لقّبتها أُمّها الرباب بنت امرئ القيس . وتزوّج سكينة بنت الحسين عبد الله بن الحسن بن علي ، أُمّه بنت الشليل بن عبد الله البجلي , فقُتل مع عمّه الحسين بالطفّ قبل أن يبني بها(6).

سكنت بعد واقعة الطف في المدينة ببيت أخيها الإمام علي بن الحسين عليه السلام , ولم تخرج من بيته حتى توفيت .

لقد أدركت حادثة الطفّ الأليمة ووعتها , وعاشت مأساة المجزرة الدامية التي نالت أباها الحسين عليه السّلام وإخوتها ، خصوصاً ما حدث لأخيها الرضيع عبد الله ، وزوجها عبد الله بن الحسن وأبناء عمومتها ، وما شاهدته من الأسر والسبي حيث يُساقون هي وأهلها العقائل من بلد إلى بلد .

فيقول الإمام الصادق عليه السلام عن حزن الفاطميات:ما اكتحلت هاشمية ولا اختضبت ، ولا رؤي الدخان في بيت هاشمي خمس حجج إلى أن قُتل عبيد الله بن زياد.

واما غيرة سيدة عصرها وخيرة النسوان والمستغرقة في لله تعالى ,.فنذكر جوانب من غيرتها  ,منها:

1. يروي سهل بن سعد الساعدي الصحابي الشهير ، وقد صادف دخوله الشام يوم وصول سبايا كربلاء إليها ، وصادف أن سأل سكينة عن حاجتها ، بعد أن عرّفها نفسه ، وعرفها باستحفائها السؤال ، فقالت له : قل لصاحب الرأس ـ تعني رأس الحسين (عليه السّلام) ـ أن يُقدّم الرأس أمامنا ؛ حتى يشتغل الناس بالنظر إليه ، ولا ينظروا إلى حرم رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

2. السيّدة آمنة((سكينة)) (عليها السّلام) حينما وصلت المسجد النبوي في المدينة صاحت : يا جدّاه إليك المشتكى ممّا جرى علينا ، فواللهِ ما رأيت أقسى من يزيد ، ولا رأيت كافراً ولا مشركاً شرّاً منه ولا أجفى وأغلظ ، فلقد كان يُقرع ثغر أبي بمخصرته وهو يقول : كيف رأيت الضرب يا حسين (7).

والسيدة الطاهرة (أمنة )عقيلة آل الحسين (عليهم السلام ) (روحي وأرواح العالمين لها فداء ) أشرف وأرفع بيوت الدنيا باسرها . والتي يكفيها حب أبيها لها ,فالمعصوم لا يحبّ ولا يُبغض إلاّ في الله ، ولِمَنْ هو مع الله في المبدأ والمنتهى .

يقول الإمام الحسين عليه السلام عنها وعن أمها الرباب :ـ

لعمرك انني لاحب داراً.. تحل بها سكينـة والرباب

 احبهما وابذل جل مالي .. وليس لعاتب عندي عتاب

إلى أن يقول :

ولست لهم وان عتبوا مطيعا.. حياتي أو يغيبني التراب

ولها الكثير من المواقف التي تثبت غيرتها وعفتها منها ماذكرنا في رواية الصحابي سهل بن سعد الساعدي .

ومن احترامها لعقال النبوة نستلهم الدروس الاخلاقية ,فبعد واقعة الطف عند سبيهن ووقوفهن بمجلس الطاغية ,حافظة على لبس حجابها ,ولم تتكلم بأية خطبة ,كون عمرها كان أصغر عقيلة من حرائر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) ,ومهمة التبليغ أوكلت للكبار  ,وبعد وصول ركبهم المدينة بدا تكليفها التبليغي لتروي لنا محن وأحداث فاجعة الطف .

وكما ذكرنا في مقالات سابقة عن ذكرى استشهاد عقيلة بني هاشم السيدة زينب واستشهاد أم البنين (عليهن السلام ) كان دور الحرائر دورا رساليا بعد الفاجعة حيث اقامت المأتم ,وإعلان ماجرى في كربلاء .وهذا السبب الذي أدى إلى استشهاد بعضهن بالسم  .

فسلاما عليك ياخيرة النسوان ,وبضعة الامام الحسين (عليه السلام) السيدة أمنة ورحمة الله وبركاته .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ابن تغري بردي في النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة   1|276.و ابن الجوزي في المنتظم في تاريخ الملوك والأمم لمنتظم 7 / 175 حوادث سنة 117 هـ .و سبط ابن الجوزي في  تذكرة الخواص / 249,و ابن خلكان في وفيات الأعيان  1 / 378 في ترجمة سكينة .و المحدّث الشيخ عبّاس القمّي في  منتهى الآمال 1 / 818و .السيّد محسن الأمين العاملي في  أعيان الشيعة 3 / 492.

(2) أدب الطف الجزء الأول عن الشيخ عباس القمي في ( نفس المهموم) و وفيات الاعيان و شذرات الذهب  1|154 ونور الابصار 157.

(3) السيد عبد الرزاق المقرم ,(سكينة بنت الحسين)عن تهذيب الاسماء للنووي ج1ص263، ومعارف ابن قتيبة و تذكرة الخواص وابن خلكان بترجمتها..

(4) أدب الطف ـ 1| 159 عن السيد الأمين في (الاعيان) عن ابن خلكان ..

(5) إسعاف الراغبين ـ لمحمد بن الصبان المصري ، المطبوع بهامش نور الأبصار / 210 .و السيدة سكينة ـ السيد عبد الرزاق الموسوي المقرم | ـ 33..

(6) تاريخ دمشق ، قسم تراجم النساء / 156 ، طبع دمشق ، تحقيق سكينة الشهابي.

(7) مقتل الحسين ـ للقرم / 376 .

أخترنا لك
باق أنت وهم راحلون

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة