إعداد/ مجاهد منعثر منشد
كان التجار في السابق يختارون لأولادهم مربي يتعلمون منه الحكمة ومجالسة الدواوين حتى يتعلموا كيفية التعامل مع الناس . ولهذا يقال المجالس مدارس , ومن لم يعرف الأصول يطلق عليه باللغة الدارجة (مكطم).
بلغ أبودلف من العمر سبع سنوات ,فاصطحبه والده الثري من بغداد إلى شيخ عشيرة وفراضة تربطه معه علاقة حميمه ليربيه على السجايا الحميدة والحكمة .
وصل الوالد وكفه بكف ابنه قائلا للشيخ: هذا وحيدي أرجو منك أن تربيه و تعامله كأولادك.
ـ رد عليه الشيخ : اعتبره أحدهم .
رحل والد أبو دلف إلى بغداد وتجارته وترك ولده مع أهل بيت المعروف .
كان الشيخ كلما جلب كسوة ملابس لآبنه الذي بعمر أبو دلف ,يكسو ضيفه كإبنه بدون تمييز, وكذلك في تقديم الطعام .
وكلما جلس في الديوان أجلسهم بجواره حتى مرت عشر سنوات ,فعاد والد أبو دلف من بغداد مطالبا الشيخ رؤية ابنه وأخذه , فرآه رجلا تظهر عليه علامات الحكمة والرجولة , فأخذه وذهبا إلى بغداد.
وعاش أبو دلف مع والده ردحا من الزمن حتى توفي الأب وتسلم ابنه كافة أمواله وتجارته , ونتيجة الخبرة التي تعلمها من الشيخ أصبح وجيها ومن الذين يعقدون المجالس اليومية التي يحضرها كافة المشايخ والوجهاء والتجار في بغداد , فطلبوا من أبو دلف أن يقبل ترشيحهم له ليكون والي بغداد لخدمة المدينة وأبنائها كونه ابن أصل ويتميز عن غيره بالمعروف .
مر الزمن حتى توفي الشيخ ليستلم ولده صاحب أبو دلف مهام والده ,فسار على نهج أبيه بالكرم والمعروف والضيافة ,فوصل به الأمر إلى أن تصبح ملابسه رثة وأذيال ثوبه ممزقة .
وذات ليلة سأل والدته وزوجته: هل تتوقعان أنّ أبي دلف تناساني ؟
ـ ردت عليه أمه , ثم زوجته : لا نعتقد هذا ابن أصل , فأشارت كل منهما تنصحانه بالذهاب إليه .
عد متاعه وراحلته وسار إلى بغداد حتى وصل وربط فرسه بخان مقابل قصر الوالي وتقدم نحو حارس من الحرس قائلا له : أريد مقابلة الوالي !
نهره الحرس واساء له بالألفاظ البذيئة نتيجة رؤيته الملابس الرثة وهو يردد أنت تريد مقابلة الوالي , إذهب إذهب من هنا .
رق قلب الحرس الثاني على الرجل , فأوقفه ودخل القصر قائلا للوالي: ياحضرة الوالي هناك شخص اسمه فلان بن فلان يطلب مقابلتك .
أمره الوالي بإدخاله وفتح الباب على مصراعيه , ونهض من كرسيه , وتقدم عليه وعانقه ولسانه يردد:
أهلا ومرحبا باابن الما بيت الجوعان
أهلا ومرحبا باابن الما بيت المهضوم
أهلا ومرحبا باابن الما بيت العريان
وضع الوالي كفه بكف صاحبه وأجلسه بين الوزراء وجلس مقابله ومسك أطراف ثوبه يتلمسه بأنامله ويسأله : ما هي القضية ؟
رد ابن الشيخ : الوالد وافاه الأجل وسرت على نهجه , ورحل الخير معه !
نهض أبو دلف ماشيا بين الوزراء ويضرب كفه بالآخر وهو يقول : أفى ياحيف والله الدنيه ركت أجاويده .. ردد هذا القول أثناء مسيره ثلاثة مرات.
وكان في مجلس الوالي أحد العرفاء وأصحاب الحكمة , فقال للوالي: ياحضرة الوالي هل أنت متعجب من الدنيه ركت أجاويده !
رد الوالي : أي والله .
نطق العارف : خذ مني حضرة الوالي :
يابو دلف عيش وشوف
أبو الزعر يشلع نخل والكنبرة تسن سيوف
ابن الحمولة يرد ليوره
ويلعب بيه الردي والعده فلوس