خواطر ….عيدٌ مُبارك وأنفسٌ راضيةٌ

2023/04/29

بقلم/ نجوى معروف// الراية

كنتُ أتَعَجَّبُ ممن يهربون في الأعيادِ بعيدًا عن التجمُّعات المُكللة بالواجبات، والتي من المُفترضِ أن تُحيي شعائر العيد بالحمدِ والابتهاج، حتى أدركت أنّ الابتعاد عن النَكَدِ اعتناء بالذاتِ، ووقاية ممن لا يرون السعادة إلا في اكتمالِ النِصابِ، وفي اجتماع المال والصحة والبنين، يعتريهم البؤس إن نقص شيء مما سبق، وينشرون فيروسات الكآبة والهموم بالشكوى، على اعتبارها مُشاركة وجدانيَّة، هُؤلاء لا يلجمون البسمة فحسب، بلْ يتعمّدون إثارة مشاعر الذنبِ فيمن حولهم، ظانّين أن الوجوم وتجنُّب الضحك، يُضفي عليهم الوقار.

في إحدى زيارات العيدِ تردَّد على مسمعي أبياتٌ للمُتنبّي:

عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ

بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ

فغُصتني الزيارة وسلبت تلك الكلمات منّي فرحة العيد، فهل كان الببغاء البشري مُدركًا مساوئَ المُتنبي وبراعته في توظيف مَلَكة الشعر لنَيْل مصالحه بالمدح، وانقلابه بالهجاء إن فشل؟

علمًا بأنه ألقاها لمآربه الشخصية بعد الجفوة التي حدثت بينه وبين سيف الدولة الحمداني في بلاد الشام، ثم رحلَ إلى مصر وتقرَّب بقصائد المدح إلى كافور الإخشيدي الذي لم يُلبِّ رغبته ولم يمنحه سُلطةً تُذكر، فقرر الشاعر أن يُغادرَ مصر وكتب هجاءً في كافور لا يليق بإنسانٍ أيًّا كان.

فلماذا يُرددُ من يظنون أنَّهم بؤساء أقوال شاعرٍ مُتعجرفٍ قتلته قصائده، بدلًا من التكبير والابتهاج في الأعياد، وما أكثر المُنقلبين إلى هجائيين إذا لم يتمكنّوا من مُبتغاهم.

جولة المُعايدات لا تخلو ممّن يُمارسون غواية النكد، فتجدهم يتباكونَ على المُغتربين في سبيل العلم، وعلى الذين تزوّجوا من أبنائهم واستقرّوا في ديارهم، وعلى من هاجروا بِقصد تأمين أنفسهم، والغريب أنّ ما يبكونه اليوم كان أقصى أمنياتهم، هؤلاء لم يستمتعوا ب «الزمن الجميل» على حد تعبيرهم، فلقد كانوا في توقٍ إلى مُستقبلٍ أفضل، وحين تحقق مُبتغاهم، صار الماضي أحلى.

وماذا عن الحاضر والوقت الذي يعتبر أغلى ما نملك، والناس في غفلةٍ يُحصون ما يظنّونه نقصًا، بينما تتناقص الأعمار.

ليس المُهم أن يعودَ العيد علينا بالمُفاجآت، الأهم أن الله بلّغنا رمضان وقدّرنا على صيامه ومنحنا فرصةً لطلب العفو والعافية، وقال ادعوني أستجب لكم، ثم بلّغنا عيد الفطر، فهلّا أحْسَنا الابتهاج به، رُغم أي تغيرات حلّت بنا ولم تَرُق لنا، ونحن مؤمنون بأنّ مع العُسرِ يُسرًا.

لِيَنعزل الباحثون عن الكمال إن شاؤوا، الذين يضيعون أجمل لحظات حياتهم وحياتنا في الكآبة والتذمّر، الذين لا يرون من الورد إلا شوكه حتى يشبهوه، فيصبح وجودهم مؤلمًا ونزعهم مؤلمًا.

إنّ تعظيم شعائر الله من تقوى القلوب، افرحوا بالعيد ولا تُلقوا السمع للبارعين في خيانة الفرح، وإطفاء الوهج، انشروا السعادة بين الناس واستبشروا ببذور التفاؤل، فما خاب من أحسن الظنّ بالله، وأحسنوا لأنفسكم ولغيركم، واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله.

#عيد_مُبارك

أخترنا لك
بيان أمريكي إسرائيلي إماراتي مشترك: اتفاق على مباشرة العلاقات الثنائية بين إسرائيل والإمارات

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة