تجربة حياة.. الرغبة في ميزان النفع والضرر

2023/04/20

بقلم/رنا فضل السباعي

إنَّ حياتنا اليومية التي نعيشها وعلى اختلاف ما نخوضه فيها من مهام سواء في إطار الأسرة، أو في مجال العمل، أو في دائرة العلاقات تضعنا يوميًا أمام الكثير من الخيارات التي لا بد من الانتقاء منها كي نصل بمسؤولياتنا إلى ما نرغب به من أثر في حياتنا على المستوى اليومي، وما قد يمتد في تأثيره إلى المدى الأبعد، أي إلى ما نتطلع إلى تحقيقه من أهداف على مستوى المُستقبل.

وعملية الاختيار بين ما يتوفر من خيارات، إنما تتجلى لنا بإحدى صورتين، إما بشكل تلقائي لا نحتاج معه إلى أي توقف لمُراجعة تلك الخيارات وتقدير مدى صحتها، فنتصرف بشكل مُباشر وبديهي على أساس إحداها، وكأن هذا الخيار أصبح جزءًا مُبرمجًا في اللاوعي لدينا كخيارنا مثلًا في الطريق التي نسلكها للتوجه إلى مكان اعتدنا الذهاب إليه، أو خيارنا بأن نُعبّر بلغة الجسد، على سبيل المثال ملامح في الوجه، حركات في اليد، للتعبير إما عما يختلج فينا من شعور، وإما لتعزيز التعبير عما نقوله ونتحدث به، فنأتيها على الأغلب بشكل لا إرادي وعفوي لا تكاد تظهر معه أي صورة من صور الاختيار الإرادي المقصود. والصورة الأخرى التي تتجلى فيها قدرتنا على الاختيار تتمثل في الوعي التام بما هو مُتاح من خيارات والحاجة إلى تقدير ما ينطوي عليه كل خيار من سلبيات وإيجابيات قبل الوصول إلى مرحلة اتخاذ القرار، وعادة ما تتجسد هذه الصورة فيما يطرأ أو يحدث بشكل لم نتعود عليه من قبل ويكون من الأهمية والتأثير ما يتطلب فعلًا حضورنا بوعينا التام لتقييم خياراته بما تحمله من نفع وضرر.

والسؤال الذي يمكن أن نستحضره عند الحديث عن وجوب استحضار وعينا التام أمام الخيارات، هو عن الأساس الذي يبنى عليه حقيقة هذا الوعي، هل يتأسس وعينا على رغبة بحتة أم يتأسس على ميزان يقارب بين النفع والضرر ؟ هل يكون ما نبتغيه فقط هو بوصلة هذا الوعي أم أنه ما نراه الأنفع والأفضل حتى لو تعارض مع ما نرغب ؟

إن معرفة المُحرّك الذي ينطلق منه وعينا في حركته هو ما يجعلنا نعي الأسباب التي تقف وراء كل خيار انتقيناه وكل قرار اتخذناه، ومن هنا تكون عملية التصحيح الأجدى، تصحيحًا يبدأ من الأساس الذي بُني عليه وَعْيُنا في الاختيار، فنعمد إلى تغليب الرغبة حيث لا ضرر، وإلى تحييدها حيث يجب، فيصلح بذلك الأساس نفسه، الوعي، وما صلح أساسه سلمت دعائمه، والخيارات، وتُحصّن بناءه، القرارات.

قد تواجهنا في الكثير من المواقف مخاوف من جهة، ورغبات من جهة أخرى تجعل رؤيتنا للخيار الأمثل ضبابية وغير واضحة لانتقائه، لكن كل شيء في هذه الحياة له قدر من الإيجابية، وقدر من السلبية، كذلك هي خياراتنا لها قدر من النفع، وقدر من الضرر، ونحوها تتوجه أنفسنا بقدر من الرغبة. لكن النهج الأسلم لصحة وسلامة خطانا وسيرنا في الحياة أن نأتي برغباتنا في كل مرة، نحن أمام خيار ما لنضعها في ميزان النفع والضرر، وذلك لأن أي ألم نعيشه لعدم تحقق الرغبة يبقى محدودًا في وقته وتأثيره مهما طال أمده أمام ندم يعايشنا على الدوام لاستسلامنا لها دون أن نعي كم سيُكلفنا هذا الاستسلام من ضرر.

 

 

أخترنا لك
بوتين لماكرون: الغرب تجاهل مخاوف روسيا الأمنية

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة