تشهد منطقة الساحل في غرب إفريقيا موجات متزايدة من الهجمات الإرهابية. حيث أعلنت ثلاث دول هى مالي والنيجر وبوركينا فاسو عن مصرع 4000 شخص في عام 2019 ، ولا تزال الخسائر نتيجة العمليات التي تقوم بها القاعدة والجماعات المرتبطة بداعش مستمرة في 2020.
ونظراَ لأن الحكومات والجيوش في الدول المتضررة غير مستعدة للتعامل أعمال العنف المتصاعدة و فى ظل تفكير الولايات المتحدة الأمريكية في سحب قواتها ، فقد لا يتمكن 5000 جندي فرنسي من احتواء الموجة الجهادية بشكل عام لاسيما مع استعادة داعش لبعض معاقله ، مما يعزز من احتمالات أن تغمر منطقة الساحل برمتها وتنتج بالتبعية آلاف النازحين .
موجة من الهجمات
في أول فبراير / شباط 2020 ، وصل مجهولون مسلحون بأسلحة ثقيلة على دراجات نارية إلى قرية لامدامول في مقاطعة سينو في بوركينا فاسو ، شمال العاصمة واغادوغو وقتلوا 20 مدنياً. وقع الهجوم بعد أسبوع من مذبحة مماثلة في محافظة سوم. حيث قام المشتبه بهم بتجميع أهل القرية وإعدام الرجال وطلبوا من النساء مغادرة البلدة . وفي أوائل يناير ، تم ذبح 36 شخصًا في قريتين في مقاطعة سانماتنجا الشمالية. كما قام الجهاديون بقتل عامل مناجم كندي وخطفوا اثنين آخرين من العاملين في المجال الإنساني في ديسمبر 2019. إذ تعد هذه الهجمات الحلقة الأحدث ضمن سلسلة من العمليات في الدولة الواقعة في غرب إفريقيا. وقبل يوم من هجوم 27 كانون الثاني / يناير ، استقال رئيس وزراء بوركينا فاسو ومجلس الوزراء على خلفية تدهورالوضع الأمني.
إلى جانب بوركينا فاسو ، شهدت دول أخرى في غرب إفريقيا مثل مالي والنيجر طفرة في الهجمات الإرهابيةخلال الأشهر الأخيرة. ففي 26 يناير / كانون الثاني ، قُتل 20 من رجال الدرك في وسط مالي إثر هجوم شنته جماعة نصر الإسلام والمسلمين) – وهي مجموعة شاملة من المنتسبين للقاعدة). كما قتل في 9 يناير / كانون الثاني ، ما لا يقل عن 89 جنديًا في هجوم جهادي على معسكر قاعدة شيناجودار العسكرية في النيجر على طول الحدود الغربية مع مالي. وورد أن أكثر من 60 مسلحًا لقو مصرعهم أيضًا عندما رد الجيش مدعومًا بضربات جوية فرنسية. أما في ديسمبر / كانون الأول ،فقد تم استهداف 71 جنديًا آخر في كمين نصبته جماعة تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في المنطقة. وتؤشر تلك الهجمات على قوات الأمن ، أن المقاتلين يعملون وفق استراتيجية موضوعية ثنائية , الأولى ترمى إلى تحطيم معنويات القوات فى حين تهدف الثانية لسرقة أسلحتهم ومعداتهم.
وفقا للأمم المتحدة ، قتل أكثر من 4000 شخص في عام 2019 في هجمات متطرفة ، مما يجعل الساحل واحدة من أكثر المناطق عنفا في العالم ومن أشدها تضرراً بفعل الجماعات المتطرفة . فبالمقارنة ،سنجد أنه قبل ثلاث سنوات ، تم الكشف عن مقتل 770فقط من المنطقة. بيد أنه وفقًا لإحاطة إعلامية حديثة من مجلس الأمن ، فإن التركيز الجغرافي للهجمات الإرهابية قد تحول شرقًا من مالي إلى بوركينا فاسو ويهدد بشكل متزايد الدول الساحلية لغرب إفريقيا.
التمردات المعقدة المتعددة
تبنت هذه الجماعات المتمردة شعارات التنظيمات الدولية المتطرفة على غرار داعش والقاعدة. ومع ذلك ، لا يزال جل تركيزها منصباً على النطاق المحلى . حيث تنشط فى المناطق التي تفتقر إلى الحكم وتستغل النزاعات الإثنية . للترويج لأيديولوجيتها الإسلامية من أجل جسر الهوة بين الجماعات العرقية المختلفة ، وإقناعها بالقتال من أجل الإسلام بدلاً من الصراعات القبلية الأصغر.
تعود جذور تلك التنظيمات إلى حقبة الحرب الأهلية الجزائرية التي بدأت في أوائل التسعينيات واستمرت عشر سنوات. حيث فر المقاتلون الإسلاميون من الجزائر بحثًا عن ملاذ في المناطق المهجورة في شمال مالي. وبدأت موجات العنف في عام 2012 ، عندما أثارت أزمة سياسية في مالي تمردًا من جانب المجموعات العرقية والتنظيمات المتطرفة في شمال البلاد. ومع أنه في نهاية المطاف تم قمع الانتفاضة واستردت القوات الفرنسية الأراضي التي استولى عليها الجهاديون. غير أن تلك الجماعات والأيديولوجية التي يعتقدون فيها لاتعترف بالهزيمة . ولفترة من الوقت ، كان العنف المسلح محصوراً في الغالب داخل حدود مالي ، ولكن انتشر فيما بعد وبشكل متزايد عبر الحدود.
وعلى الرغم من أن بوركينا فاسو كانت أبعد ما يكون عن التيارات المتطرفة ، إلا أنها عانت من ارتفاع وتيرته وبشكل سريع خلال السنوات الأخيرة. فقد زاد عدد القتلى من 80 في عام 2016 إلى أكثر من 1800 في عام 2019. وهناك نحو نصف مليون شخص مشرد حاليًا كما أن الهجمات المستمرة تجبر الآلافا آخرين على الفرار من منازلهم.
في الأشهر الأخيرة ، شنت الجماعات ، التي تربطها صلات بتنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة ، هجمات اشمل وأكثر تطوراً فضلاً عن توسعها في مناطق جديدة.إذا أن القاعدة التي ضعفت في أرجاء العالم ،لديها فروع قوية في كل من شرق وغرب إفريقيا. ولا تزال جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” المرتبطة بالقاعدة هو الممثل الجهادي الأكثر هيمنة داخل مالي وأجزاء شاسعة من بوركينا فاسو والنيجر. بالإضافة إلى ذلك ، أظهرت هجمات داعش الأخيرة في المنطقة قدراتها المتنامية. ففي يناير ، أصدر ت القاعدة بيانًا من صفحتين يمتدح الجهاديين في مالي والصومال.فى حين نشر داعش صوراً ومقاطع فيديو أعلن فيها مسؤوليته عن الهجمات في النيجر.
الاستجابة الإقليمية لمكافحة الإرهاب
تزايد الشعور بعدم المساواة ، على الرغم من النمو الاقتصادي المذهل خلال العقدين الماضيين ، يغذي التمرد في المنطقة. إذ يعتمد ما يقرب من 70 في المائة من سكان غرب أفريقيا على الزراعة والماشية من أجل لقمة العيش. ولا تزال حياتهم مهددة بسبب الجفاف المستمر. نتيجة لذلك ، وجد الكثير من الشباب مهنة في مجال الإرهاب. فقد سمح مزيج من الفقر وهشاشةالدولة والجيوش ضعيفة الموارد للجماعات المتطرفة والشبكات الإجرامية والجماعات المسلحة العرقية بالازدهار في المنطقة ، على الرغم من الجهود الإقليمية والدولية.
إذ لم تتمكن الحملة التي استمرت سبع سنوات بقيادة القوات الفرنسية ابتداء من عام 2012 ، ونشر المئات من القوات الخاصة الأمريكية ، فضلاً عن المساعدات الضخمة للجيوش المحلية وعملية الأمم المتحدة لحفظ السلام التي بلغت قيمتها مليار دولار ، من إضعاف حركات التمرد المتعددة المتداخلة في المنطقة بشكل حاسم. .
وفي عام 2014 ، أنشأ قادة النيجر وبوركينا فاسو ومالي وموريتانيا وتشاد مجموعة الساحل G5 ، وهي قوة عمل مدعومة من فرنسا قوامها 5000 فرد لمحاربة المسلحين. ومع ذلك ، فشلت في تحقيق أهدافها . والسبب في ذلك يعود إلى ضآلة حجمها مما يجعل تنفيذ مهمتها في منطقة كبيرة صعباً للغاية. علاوة على ذلك ، من الواضح أن الرد العسكري على الهجوم الإرهابي الواسع كان محدودا بسبب مجموعة متنوعة من الأسباب بما في ذلك نقص الموارد. على سبيل المثال فإن جيش بوركينا فاسو البالغ عدد أفراد نحو 6000 غير مؤهل ويفتقر إلى خبرات القتال والتعامل مع الهجمات التي عادة ما تشمل المئات من المقاتلين بأسلحة خفيفة ووالذين عادة ما ينتقلون على دراجات نارية أو في شاحنات صغيرة. رداً على ذلك ، تفكر الحكومة في تطوير ميليشيا شعبية يتم من خلالها توفير الأسلحة للمدنيين الذين تزيد أعمارهم عن 18 عامًا. وذكرت هيئة الإذاعة البريطانية أن أعضاء برلمان بوركينا فاسو قد صوتوا بالإجماع على ذلك في خطوة قالوا إنها ستساعد في قتال التنظيمات المتطرفة . ومن المقرر أن يتم توقيعه ليصبح قانونا ومع ذلك من الصعب التنبؤ كيف سيكون هؤلاء المدنيون المفترض أن يتم تدريبهم لمدة 14 يومًا قادرين على مقاومة أفضل من الجيش المحترف.
أعاد رئيس النيجر محمد إيسوفو تنظيم القيادة العسكرية من أجل إعادة صياغة استراتيجيته. كما أعلنت القيادة العسكرية الجديدة عن استعدادها لشن هجوم جديد ضد الدولة الإسلامية في المنطقة ، وعلى الرغم من أنه من غير الواضح متى أو كيف ستبدأ الخطوة . فقد فشلت الهجمات السابقة حتى الآن في إعاقة انتشار العنف وكشف رئيس وزراء مالي إبراهيم بوبكر كيتا عن خطط لزيادة أعداد جيشه بنسبة 50 بالمائة (10،000 جندي) هذا العام. وفى الوقت نفسه ، يرغب في إجراء مفاوضات مع التيارات المتطرفة بيد أنه ليس من الواضح بعد زيادة حجم التكلفة العسكرية , ما إذا كانت مالي ستكون قادرة على تحمل النفقات وحدها. يضاف إلى ذلك أن الهجمات المتكررة على الجنود في دول غرب إفريقيا من قبل التنظيمات المسلحة كتكتيك لردع الشباب عن الانضمام إلى الجيش ، يمكن أن تمثل إشكالية لعمليات التجنيد الجديدة من قبل الحكومة.
اتجاهات المستقبل
يبدو أن موجة العنف الحالية تحدث لأن داعش تولي مزيداً من الاهتمام لفرعها المتنامي في الساحل. ففي عام 2019 ، أعادت القيادة المركزية للتنظيم تسمية فرعها هناك من “الدولة الإسلامية في ولاية الصحراء الكبرى” إلى “ولاية غرب إفريقيا”. هذا يزيد من شبح العنف في المنطقة حيث تتمتع الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة على غرار نصرة الإسلام، بحرية حركة وتتوسّع بوتيرة متزايدة .
وسط مخاوف من أن الاستجابة المحلية أو الإقليمية قد لا تكون كافية ، هناك أسباب إضافية تدعو للقلق. حيث تخطط الولايات المتحدة لسحب نسبة كبيرة من قواتها المنتشرة في إفريقيا حاليا والبالغ عددها 6000 ، رغم أن عدة مئات منهم فقط ينتشرون لقتال المسلحين في منطقة الساحل.
ومع أن قرار واشنطن قديكون ضروريا لأنه يعيد توجيه الموارد لمواجهة التحديات من الصين وروسيا بعد عقدين من الزمن تم التركيز خلالهما على عمليات مكافحة الإرهاب.وإلى جانب 14000 من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في شمال مالي ، فإن فرنسا لديها 4500 جندي في مالي يعتمدون على واشنطن فى الدعم اللوجستي والاستخباراتى والتي تحتفظ أيضًا بقاعدة للطائرات بدون طيار في بلدة أغاديز بالنيجر حيث تنطلق منها عملياتها الجوية. كما أعلنت باريس في يناير أنها ستنشر 600 جندي إضافي في المنطقة ، على الرغم من الانتقادات الموجهة لذلك فى الداخل الفرنسى والمتعلقة بتوريط قواتهم فى تلك البلدان , ومع أن هذه الخطوة جاءت بعد أن طلب الرئيس إيمانويل ماكرون الدعم للجيش الفرنسي من دول مجموعة الخمسة وهدد بسحب قواته في غيابها. tمن غير المرجح أن يكون لهذه الزيادة الرمزية تأثير كبير على الأرض.
وبالتالي ، يمكن أن يمتد العنف خلال الأشهر المقبلة إلى الجنوب البعيد ويزعزع استقرار المنطقة. وقد ينتشر بالجزء الشمالي من غينيا وبنين وتوغو وغانا وساحل العاج.
ربما يكون الساحل قريبًا بالفعل من نقطة تحول , يشهد على إثرها انزلاقًا لا رجعة فيه إلى الفوضى العنيفة التي ستقوي الجماعات المتطرفة وترسل موجة جديدة من المهاجرين إلى أوروبا.
المصدر : د. شانتي ماريت د سوزا- أوراسيا ريفيو