بقلم/ نجوى معروف// الراية
التشبُّه بالآخرينَ صفةٌ تَرَبّينا على تَجَنُّبها، أمّا التكيّف فهو تواضعٌ أمام الاطّلاع الذي صار بلا حدود، فلم تَعُد وسائل الإعلامِ محصورة بالراديو والتلفزيون، وبمسلسل الثامنة مساءً، ونشرة الأخبار، وبرنامج الجُمعة الديني.
فإن كنت من جيلٍ لم يتسنَّ له قراءة كتبٍ وبرامج دينية وتربوية إلا من خلال المناهج والإعلام المحلي، فأنتَ اليوم في دهشة من كثرة المصادر، ولديك انبهار وريبة من الجديد، وتردد في الإقدام على المزيد.
لكنك تُدْرِك أنَّ الانزواء عن التطوّر والمُفكّرين الجدد وأصحاب الرأي الآخر، سيعزلك عن الدائرة المحيطة، وما دمتَ أنك على قيد الحياة، وتفهم كلام الله عزّ وجَلّ، «أفَلا تتدبرون، أَفلا تتفكرون، أفَلا تعقلون»، فأنت تعي تمامًا أن عملك لا ينقطع إلّا بالموْت.
ويحدث أن نشعر بنقصٍ في أدائنا السابق عامّة والتربوي تحديدًا، خاصة بعدما نستمع للمُفَكرين الجدد وشرحهم للأخطاء التربوية الشائعة وصفاتنا المتوارثة، وهو شعور سلبي لمن تَخَطّوا مرحلة المسؤولية التربويّة، وتجاوزَ أبناؤهم عُمر التوجيه، بل أصبحوا يستسقون منهم معلومات وأساليب أوجدها الفارق الزمنيّ، في مُحاوِلةٍ للتمسّك بحبال الوصل، وتَجّنُب الوقوع في فجوة «الغائبون في الحضور».
وبعيدًا عن النشأة والدراسة لنَيْلِ شهادات أكاديمية، تمنحنا ترخيصًا للعمل في تخصص مُعيّن، فإنّ المرحلة التعليميّة مُمّتدة بامتداد العُمر، وستبقى مُحصّلة أعمالنا بكل خيرها وشرّها حاضرة في ضمائرنا، وسنظلّ نُجاهد لتحقيق الأفضل، مُستغفرين لكل خطأ علِمنا به أو لم نعلم، فالوعَي طريقٌ مُستنيرٌ لا يفصلنا عن الوسط، بل هو مفتاح الاندماج والتقبّل لِمَنْ نخشى أن تُبعدنا عنهم فوارق العُمر والمفاهيم والتطلعات.
الوعي يجعلنا نُبصِرُ مواضع القوة والضعف، ونعيد البرمجة ضمن مواقعنا الجديدة، من بُنوّة وأُبُوّة ومواطنة وسياسة محليّة وعالميّة، لا لنحظى بمرتبة دنيوية أفضل فحسب، بل لنشعر أننا جزء فاعل ينتمي لمنظومة الحياة، فنعتبر من الماضي، ونتقبّل التغيير، ونتفاعل مع ذوينا صغارًا وكِبارًا بسلاسةٍ أكثر، وبلا أحكامٍ تبني بيننا وبينهم جدرانَ الفصل.
أن تبقى على ما تَعلّمت فقط، رافضًا لكلِّ فِكْرٍ جديدٍ لا يتعارض مع ما يُرضي الله، هو اختيار شخصيٌّ للاغتراب عن ذويك، بينما أنت بينهم، ولك القرار في الحضور الفاعل، الذي سيجعلك مُتَقبّلًا ومُقْبِلًا على الحياة.
«أنا لا أخشى على الإنسان الذي يفكّر وإن ضلّ، لأنّه سيعود إلى الحق، ولكني أخشى على الإنسان الذي لا يفكّر وإن اهتدى، لأنّه سيكون كالقشة في مهب الريح».. من أقوال محمَّد الغزالي، رحمه الله.
نسأل الله القَبول وحُسْن التكيّف مع المُتغيّرات، وندعوه أن يهدينا سبل الفلاح ويُقدّرنا على التفكّر والتَدّبر بالشكل الذي يُرضيه.