قراءة في كتاب( تاريخ بني إسرائيل وجزيرة العرب ) لمؤلفه: أ.د عبدالله الفَيْفي.

2023/03/12

بقلم/ مجاهد منعثر منشد

اقتطفت ثمرة من بين أغصان شجرة أدبية ثقافية مثمرة بعشرات المؤلفات الأدبية والنقدية من تأليف أ.د عبدالله بن أحمد الفَيْفي هذا الكتاب في طبعته الأولى، 2019، عن (عالم الكتب الحديث)، بالأردن.

المؤلف تولد1963م جبل فـيفاء ، جنوب المملكة العربية السعودية , حائز على دكتوراه الفلسفة في الأدب والنقد الحديث, وهو شاعر، وكاتب، وناقد.

استهلّ الكتاب الذي يتضمن ثلاثة فصول بما يعادل ٦٤٦ صفحة, بتوصية السيد المسيح المذكورة في إنجيل متى :(لاتُعْطوا القدسَ لِلكْلاب ,ولاتَطْرحُوا دُرَرَكُم قُدامَ الَخنَازِيرِ,لِئَلا تَدُوسَهَا بِأَرْجُلِهَا وتَلْتَفِتَ فَتُمَزقَكُمْ!).

ويعرج الكاتب على عتبة عنوان كتابة : من التَّاريخ الميثولوجي(1) إلى الجغرافيا الهرمنيوطيقيَّة(2) (مُراجعاتٌ منهاجيَّةٌ في نماذج تاريخيَّة مُعاصرة)، (مع ترجمة «وصف بلاد العَرَب قبل الميلاد»، لسترابو).

وما يثير الانتباه في صفحات الكتاب الأولى الوصية المتقدمة , فإنّ اليهودية ديانة سماوية , إلا أنّ القول المنسوب للسيد المسيح وذكره الإنجيل نستفهم منه عدة معانٍ أهمها كتنويه بتحريف وانحراف هذه الديانة !

فكيف تغصب أرضا ليست ملكك؟هل أوصتك ديانتك بذلك؟

لعله من هنا مدخل احتلال القدس وفق الانحرافات عن الدين من خلال الأساطير الفاقدة للدليل والأثر التاريخي ,ولكي لايعطى هذا المكان المقدس للكلاب لابد من مقاومتهم حتى النفس الأخير .

بدأ رأي المؤلف في البعد التاريخي كونه الأداة والآلية للتحريف والانحراف ,فقدم  الوثيقة التاريخية وارتيابه من((العهد القديم)),وأوضح كيف لا يُبنَى على هذا النص تصوُّرٌ تاريخيٌّ بديلٌ.وغير متسق مع المعارف التاريخيَّة,فقام بنقد النص ليثبت طبيعته التخييليَّة , وبالتالي هو أسطورة تبنى عليه أسطورة جديدة .

وناقش الكاتب أقدم وأشهر ما كتبه المؤلِّفين المعاصرين حول إعادة قراءة المواضع الواردة في «العهد القديم» وتأويلها، على أنها مواضع في (الجزيرة العَرَبيَّة),فكانت مصادر النقاش المعتمدة كالآتي :

ـ د.كمال الصليبي , كتاب التوراة جاءت من جزيرة العرب, منشور بالعربية 1985م. وتوالت مؤلفاته التي ذكرها المؤلف ودرسها .

ـ د.أحمد داود, كتاب العَرَب والساميُّون والعِبرانيُّون وبنو إسرائيل واليهود,1991م.

ـ زياد مُنَى,كتاب :جغرافية التوراة :مصر وبنوإسرائيل في عسير ,1994م.

وكانت محاولاته جادة لإثبات ما قام عليه الدليل , وحسب قوله هناك مغالطات يعلمها هو كونه شاهدٌ على حيثيَّات الوجود التاريخيِّ لبعضه، المعاصرة له أو لآبائه وأجداده الأقربين، ممَّا يتَّصل ببيئته ومنطقته، بخاصَّة.  على حين تَشهد استقراءاتُ أولٰئك المؤلِّفين واستدلالاتُهم على جهلهم بكثيرٍ ممَّا يوردون حيال بعض الأماكن أو جُلِّها أو كلِّها.

وفي الفصل الأول يصرح الكاتب ويعلن سؤاله بكل وضوح (هل حقا جاءت ((التوراة)) من جزيرة العرب؟

ثم يجيب بـ أربع وثلاثين فقرة صاغها بشكل مناسب وقتل الإجابة بحثا وتقصيا بأسلوب أكاديمي مبين رأيه بكل فقرة أثناء سرد البحث .

أما الفصل الثاني بعنوان( العرب والعبرانيون)

في هذا الفصل قيم المؤلف بعض المصادر التي اعتمدها ككتاب (د. كمال الصليبي) و(د. أحمد داوود),إذ بين امتياز الكتاب بنزوعٍ قوميٍّ صارخٍ, كما أتنقد ظهور الأزمة العربيَّة في الأمانة العِلْميَّة إلى الأزمة في الموضوعيَّة والتحقيق.

وهذا واجب الباحث فإنه لايؤرخ فقط أو يقف أمام النص التاريخي مكتوف الأيدي , بل يقيم وينتقد ويحلل بدون انجرار عاطفي أو عصبي .

وناقش مسألة الطوفان في التوراة وقدم مقارنتها بما ورد في القران الكريم حولها , هذا في الموضوع الأول من الفصل الذي حدده بـ ثلاث عشرة نقطة كل فقرة منها بحث لوحده .

واختص الفصل الثالث بجغرافية التوراة , فتضمن سبعة عشر موضوعا , افتتح الفصل بملخص وهو نص من نصوص العهد القديم .

ووقف مع كتاب :جغرافية التوراة (مضر وبنوإسرائيل في عسير) للباحث الفلسطيني زياد مُنَى , مخاطباً القارئ الكريم : وهو كما ترى يستبق البحث يجعل النتيجة عنواناً,وهذا فعل أستاذه(كمال الصليبي)الذي جعل نتيجته ,أو هدفه ,عنوانا لنص لكتابه((التوراة جاءت من جزيرة العرب)).ومن هنا فما عليك أيها القارىء أن تجهد نفسك في القراءة ,فالنتيجة جاهزة مطروحة سلفاً أمامك على الغلاف , وليس ما بعدها سوى تحصيل حاصل. وقبل مناقشته الكتاب يقدم أساس توضيحي لما بنى عليه المؤلفون الثلاثة من تراث أسطوري.

وتتسلسل مواضيع الكاتب لمناقشة النصوص في الكتاب بمباحث متفرقة متسلسلة .. وينتهي البحث  بخاتمة ذكر نهايتها المؤلف استنتاجاته لما توصل إليه  . وتلتها ملحق وصف بلاد العرب قبل ميلاد المسيح ,ترجمة المؤلف .

إنّ هذا الكتاب شيق , والمؤلف كتبه بأسلوب السهل الممتنع , بين ثنايا سطوره وأثناء السرد ترى القصة والحكاية وكأنه رواية ,وبالبرغم من جفاف كلمات البحوث التاريخية إلا أن هذا البحث مختلف من ناحية الأسلوب السردي .

وأخيراً أسجل إعجابي بهذا البحث الراقي داعياً  للأخ الأستاذ الفاضل د. عبد الله بالمزيد من التوفيق والسداد وألا يحرمنا من هكذا بحوث إبداعية.

........................

الهوامش:

(1)الميثولوجيا هو أحد الفروع العلمية الذي يهتم بتفسير ودراسة الأساطير القديمة الخاصة بالثقافات المختلفة التي تم الاعتقاد بها وتصديقها على أنها حقيقية وصحيحة في وقت من الزمان.

(2)الهرمنيوطيقا : يرجع أصل لفظها إلى فعل يوناني ,وهو علم مرتبط بعدد من العلوم الأخرى ويعتبر أساس لسائر العلوم , تعرف بتعريفات مختلفة ومعناه المختصر التأويل والتفسير , ويرى شلايرماخر:هي فن الفهم.

 

أخترنا لك
عميد الأدب العربي... انحاز للفقراء وأفكاره لا تزال تشتبك مع عصرنا

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة