كلمات.. «إنسان» وحقوق الإنسان

2023/03/01

بقلم/شيخة الخاطر

بينما كانت تهدهدُ صغيرَها «إنسان»، الذي اعتاد البكاء، وأحيانًا اللعب، وبينما كانت تزيح ستائر النوم التي تنسدل على جفونها، في سكون الليل واطمئنانه، شعرت بارتعاش ينفض جسدها المثقل، حاولت أن تتماسك، وتسابق الزمن، ولكن قد فات الأوان، بعد أن أظهرت الأرض انزعاجها، ومارت من تحت قدميها، وتبجحت بخيانتها رغم أنها قد عاهدت ألا تخون، وبدأت ترى السقف يموج في شكل دائري، أفقدها توازنها، والجدران تعفرت هيبتها، وتصدعت قواها، وعلت صرخات الذعر تتضرع، وتستغيث، ترجو اللطف من رب السماوات والأرض، وبالرغم من اشتداد بكاء الطفل، إلا أن حسه قد تلاشى أمام ذلك الدوي المرعب، دوامة عصفت بها، صرفت عنها القدرة على التفكير وحالت دون قدرتها في اتخاذ القرار المناسب، والتصرف بناء على ذلك، ولكنها لم تحسن في ظل هذه الظروف سوى أن تحتضن صغيرها، وتستسلم لتلك الدوائر المغناطيسية التي كانت تهوي بها نحو القاع، بعد أن تنمرَدت الأرض، وزمجرت تحت وطأتها،

وبعيد تَفتُّر الزلزال في المدينة، الذي ابتلع الحجر والشجر والبشر، وبعد أن قضى منها لبانته، وافترس أديم الأرض، تركها أطلالًا مشوهة، تندب لها الأفئدة، وتتفطر لها الأكباد، ريح الدمار تتجول بين ظلالها، أنقاض وفوضى ونحيب، أرواح محاصرة انعجنت بتراب الركام، وأجساد مهشمة راقدة تحت الأهدام، نفوس يملؤها الذهول، وهناك من بعيد، أحدهم يقول: آثام، آثام !!

وبينما كانت مشاعري غارقة في مشاهد الألم، تختنق على مصير «إنسان» ذلك الرضيع المسكين الذي لم يُعرف مصيره حتى الآن، تذكرت أن غدًا يصادف 21 فبراير 2023 حيث تبدأ أعمال مؤتمر التغيرات المناخية وحقوق الإنسان، فقد كنت أنتظر هذا المؤتمر الذي أبهرني تنظيمه منذ وصلتني الدعوة لحضوره، فبداية، تلقيت الدعوة للمشاركة في المؤتمر قبل انعقاده بنحو شهر كامل تقريبًا، وهذه أولى المؤشرات الإيجابية التي تدل على الاحترافية وحسن التخطيط، واحترام الآخر ووقته، كما كان مرفقًا بالدعوة جدول الأعمال محددًا بالأوقات، وموضحًا الخلفية العامة وأهداف المؤتمر، والشركاء والمشاركين، بجانب الشكل والمنهجية والمحاور وتفاصيل البرنامج الذي تدور وقائعه على مدى يومين، مع تفصيل كامل للجلسات ومجموعات العمل والمدة المحددة لكل موضوع.

أدهشني الحضورُ المتميزُ في ذلك اليوم، حيث عجت القاعة بالمدعوين والمشاركين من شتى الأمصار ومختلف الجنسيات، وكنت أتمنى في قرارة نفسي أن يكون لدى الحاضرين هدفٌ وغاية حقيقية من المشاركة في وقائع هذا المؤتمر، خاصة أن تداعيات الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا لا تزال مستمرة، ومشاعر التعاطف والتراحم متقدة في القلوب، قبل أن تفتر وتبرد وتعود لسابق عهدها، كما يحدث مع سائر المآسي التي تمر بها البشرية، ولا عجب، فالنسيان طبع الإنسان؛ وبهِ يستمر في الحياة ويتحمل وطأة لسعاتها الحارقة بينما يبقى ضحاياها يعانون شقوة البؤس، بعد أن تَخطِفَ منهم الأضواءَ كوارثُ ومحنٌ أخرى، فيُمسون ذكرى، تُستَذكر كلما حدثت حادثة مماثلة !!

لا أنكر أن التغيرات المناخية لها بالغ التأثير على حقوق الإنسان وأولها الحق في الحياة، ولكن لا يمكنني أن أعتبر الإنسان بريئًا براءة الذئب من دم أخيه الإنسان، بينما يساهم بشكل أو بآخر في التأثير المباشر وغير المباشر على ما يحدث من متغيرات على الطبيعة والمناخ، والتي تقود إلى هلاكه، وخير دليل على ذلك زلزال كوريا الجنوبية، والذي ضرب مدينة بوهانغ عام 2017 حيث توصلت نتائج التحقيقات إلى أن الزلزال كان ناتجًا عن نشاط بشري، بعد أن تبين للمحققين أن عمال الحفر التابعين لإحدى الشركات التي تدير محطات تجريبية لتوليد الكهرباء من الطاقة الحرارية الجوفية، قد اخترقوا خط الصدع الفالق وهو الحد الفاصل بين صفيحتين تكتونيتين، وعادة ما تتحرك الطبقات والصفائح التكتونية على طول هذه الفوالق مسببة حدوث الزلازل.

وبينما كنت أتابع أعمال المؤتمر، الذي احتوت مجموعات العمل به على أطروحات غاية في الأهمية، تعلقت بكيفية حماية حقوق الإنسان في ظل التغير المناخي المطرد، تذكرت «إنسان» ذلك الرضيع غضّ الإهاب، من سينصره بعد أن خذلته أمُّه الأرض وهو في غرة حياته ؟! وماذا عن مصيره ؟ وحقه في الحياة التي لم يمضِ وجوده فيها سوى بضعة أيام ؟! هل كان إثمه الوحيد وجوده في هذه الحياة ؟! وماذا عن والدته وعائلته التي لا يُعلَم عنها شيء؟ ماذا عن حقه في الصحة، والسكن، والغذاء، والحق في تقرير المصير، وحقه من المياه والطبيعة الآمنة، وحقه في التنمية، وحقه في أن تُحفظ كرامته، وحقه على أخيه الإنسان في عدم الاستمرار بالأعمال التي تهدد حياته، وحق المتضررين في الوصول إلى التعويضات والمساعدات الإنسانية ؟ من سيتكفل بالتأكد من كل ذلك.

لا أعلم إن كانت هناك لجان لمتابعة ملف الزلزال الكارثي، ولكن أتمنى أن تكون هناك مثل هذه اللجان المخلصة، ذات الصلاحيات التي تنحي المصالح جانبًا، وتضع أولوية الإنسان نصب عينيها، متخطية بذلك جميع الحواجز السياسية والاقتصادية التي تقوض العمل الإنساني.

لقد كان المؤتمر وما تمخض عنه من توصيات، مطمئنًا إذا ما قامت لجنة المتابعة بدور حقيقي وفاعل في مراقبة تطبيق تلك التوصيات.

دمتم بود..

أخترنا لك
بيان مهم من سفارة الإمارات في البحرين

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة