رافع الناصري خيالٌ مُلتهبٌ لإبداعٍ متنوِّع

2023/01/30

ما تحقّق على يد رافع الناصري، سيبقى منجزاً متغيّراً، لفنٍّ يُشار له في كل محفل. 

فهو فنان ذو طراز خاص وقد جاءت أهمية ما أنجزه منذ ستينات القرن المنصرم حتى لحظة وداعه بما عمل عليه من تغيير في فهم مغزى ورسالة الفن وما قدمه من تجريب حدث كلُّ ذلك لأنّه مسكون بطابع بنائي يراهن فيه على فاعلية الرسم وحضوره الحسّي أمام المتلقي، فمن يقف عند لوحته سيكتشف للوهلة الأولى أنَّه ذاهبٌ للتماهي مع الطبيعة ومكوناتها، لكن فناناً مثل رافع يعي كيفيّة أن تأخذ مساحة الرسم صورتها الحسّيّة بتأثير مباشر وكأنّها سلطة تتعاظم فيها تجليّات الأشكال وروعة بنائها. 

إذن نحن أمام فنان يفكّر بلوحة مقروءة لها طرازها من التكوين (اللوحات التي تحمل الحروفيَّات مثلا) وما تلاها من تغييرات في جوهر أسلوبه الفني، هذا الفنان يحلو له أن يمضي بخطوات الواثق من منجزه، لكنّها خطوات لن تمحو الذاكرة بريقها فهي تتشكل وفقا لاختيارات جماليّة صافية 

البناء والتكوين والخطوط فبدت كل تلك الأشكال تتوافق مع مبدئه في الحياة، تقدمت خطواته الفنيّة منذ أن استفاد من الفن الصيني بعد التحاقه بالاكاديميّة المركزيّة للفنون في بكين عام (1959 - 1963) لأنَّ رؤية الرسم المباشر حينها أضافت لوعيه ذائقة بصريّة تضاف لذائقته وفهمه للفن، عناصر الرسم وطبيعة خصوصيّة الفن الصيني ودقة الملاحظ عوامل يؤخذ لها بالحسبان لو أمعنا النظر في منجز هذا الفنان المبدع، أيضا لا بدَّ من التذكير بما أنجزه من دفاتر الرسم فقد استخدم فيها مواد مختلفة وتقنيات وخامات تضيف للمحيط البصري ما يميزه ويجعل المتلقي أكثر فاعلية في رؤيته فهو لا يبرر الاختلاف في الأسلوب إلا من حيث فهمه لتيارات الرسم، ولا يخفي نزعته البنائيّة في عمله من أجل التوثيق كل ما يعمل عليه أنه يكتشف أساسا لذائقة الفن سواء عبر أسلوبه أو طريقة الفنون المعاصرة وهي دعوة يوجهها ضمن فهم خالص ومتوازن لقيمة ما يستعار في الرسم وما يضاف إليه أو يمتزج فيه مع الفنون الأخرى. 

إنّها مثالية يفرضها، لأنّه شغوف بمعادل معين يبرهن نتائج حيَّة لفنِّ التصوير، وهذا ما يلاحظ عليه من خلال تقديمه لأسلوب متنوع في الكرافيك والدفاتر والرسم، فهو يناور بمستويات وتكوين من أجل الوصول 

إلى سمة جماليّة معينة يدرك معناها وحده، كأنّه يعبر بالرسم عن حاجته لرؤية طبيعة مختلفة أمامنا فكيف سنعي أهمية خطواته الفنيَّة والتعريف بها أو اتخاذها سمة للإخلاص في تجربته.. يحسب لرافع الناصري أنَّه تأملي ومنشغل برؤيته الفنيَّة التي تتيح لنا أن نجد فضاءً بصرياً قابلاً للتأويل حتى 

في الأعمال التي نكتشفها ذات طابع هندسي ثمّة ما يُوحي بأنّها تحتمل الانشغال بهوس التأمّل بعد رؤيتها، جزءٌ من ذلك التأمل سيتخذ شكلاً جمالياً معنياً بتوظيف جوانب من الطبيعة فهو ميَّال لرسم الأفق بنظامٍ حسِّيٍّ يراهن فيه على جمالية اللحظة وموقف الإنسان من الطبيعة والموجودات، ومع كل ذلك هناك رغبة في إعادة الترابط بين الفن والطبيعة بشكل بما يجعلهما محيطاً متجاوراً وكأنَّه يريد حواراً عبر الفن مع الطبيعة وصوته الداخلي.

وهنا سيكون للرسم والأسلوب الفني متسع من التعبير الذي يجعله متصدياً لالتقاط موضوعات من نوع خاص حتى لو تطلب الأمر أن يبعثر عناصر لوحته، ثم يُعيد تنظيمها وفقا لاشتغال يطور من استخدامه لأكثر الخامات في العمل الواحد. 

يتضمن هذا الخطاب في الأسلوب والمدلول بعداً منتظماً يجعلنا منشدين لأعماله، وما تتيحه عناصر طابعها الجمالي فلرافع رغبة جامحة في طرح أفكار تبدو مثلا لنا أفكاراً تبعث لنا بقيمة التشبّث بالحياة والمواقف المسؤولة (طبعا هناك موقف سياسي) يُلازمه، ولم يتجنّب إخفاءه. 

إنّه موقف الانتماء والتمسك بالوطن ومجابهة المحتل فله في هذا الجانب اكثر من عمل يستثمر فيه موقفاً إنسانياً ووطنياً ومع كل 

هذا التصور عن شخصيته الفنية يبقى الكلام عن منجزه قابلاً لأكثر من قراءة، فهو اسم لا يمكن تجاوزه لو تمَّ  لنا أن نذكر أقطاب 

الجيل الستيني، وما تحقق على أيديهم من فتوحات في الفن العراقي. 


119065

أخترنا لك
جورج إليوت... نسوية ثائرة وحياة بين الرواية والفلسفة والفضائح

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة