خواطر.. صحبة العصر

2023/01/16

// الراية 

مللت من أقوال الحكماء المنقوشة بين قوسيِ التجربة، تلك التي نُرددها وفقًا لِما أتحفنا بهِ سادة المُعاناة والكفاح، «الحاجة أُمّ الاختراع»، «تولد العبقرية من رحم المُعاناة»، «لا يأس مع الحياة».

أنكفئ اليوم على عُشبِ الواقع المُكتمل بالصبر والتجارب، وبكل رضا أقول الحمد لله.

فبَعْدَ كَمٍّ من تحقيقِ الأمنيات البعيدة والقريبة، لست مُجبرةً على التصحيحِ الذي لم يكن خِياري، ولا مُهمّتي، ولن أُحاسَبَ عليه وحدي، لست رافضةً بقدر ما أنا مُنْهكة القوى، أَتَمَنّعُ عن الاستسلام، عَلَيَّ التخلّي عن حقائب القراءات المُعَلّقة بِكتفيَ الذي مالَ شرقًا، ثمّة ما يَتَعَلّق بأَقدامي ويعيق استمراري، ويُثبط عزيمتي على الفرار، ثمّة واقعٌ يُفشل النظريات التي آمنت بها، وحثّتني على التعبِ على أملِ الراحة، فالواقع لا يَتخفّى، لكني أعشق غَزْل الستائر وسدلها على أربع نوافذٍ لا تغيب عنها الشمس.

كل كتابٍ قرأته عَكَسَ وقائع أشخاصٍ حاولوا إخفاء جزء من الحقيقة، لا خوفًا منها، بل أملًا في نشر التفاؤل وإشعال سِراج المُحاولات، أشخاصٌ تَفَنّنا في تعظيم معاركهم الشخصيّة، فتَقَمّصنا بِدْعة الاقتباس، وتجاوزنا كبائر بداياتهم، واحتفلنا بصغائر النجاحات.

هُم في حَيْرةٍ أيضًا، هل بالإمكان تصديق الرواية المطبوعة وتجاهل الرؤية؟

ذِكر المزايا خيرٌ من سَردِ الوصايا، الأولى مُغريةٌ كأغلفة الهدايا، والثانية محفوفة بمخاطر الشروط والأحكام، ومن ذا الذي يقرأ تلك القائمة الطويلة جدًّا ذات الأحرف الصغيرة جدًّا، قبل أن يضغطَ بالموافقة.

لماذا يَسهل علينا القبول، بينما يصعب الرفض، رُغم أنّ كليهما جائز، ولماذا يُعَدُّ الانسحاب ضعفًا، بينما الإقرار بنفاد الطاقة أفضل من الزحف؟!

على وشْكِ أن أبيعَ عَرَبتي القديمة بعد أنْ خَلَت الأسواق من قطع الغيار، يا للبؤس، أتَخَلّى عمّن رافقتني لعقدٍ من الزمان، وزَيّنتُ جيدها بِسُبحةٍ من كهرمان، هي من حماني من الصدمات، وأنا من أسعفتها بالنفقات، واليوم أعْرِضها في سوقٍ لا يُقَدّرُ قيمة الأنتيكات، ولا يحتسب حِرصي في القيادة، ولا يأبه بالذكريات المُحتبسة بين دوّاستي الانطلاق والتوقف، ولحظات الاستغفار بين الضوء الأحمر والأخضر، ولا تلاعب المرآتين يُمنةً ويُسرةً في تهويل الأحجام والمسافات، عَلّيَّ أنْ أحفظ الجميل وآخذ عَربَتي إلى طبيب تَجميلٍ لتنجح في الفحص الفني.

يا للتطبيقات التكنولوجيّة، ويا للمندوب الذي لا يفهم لغتي ولا يُتقِن لغة العصر، كبسة الزّر وكبسة الرُزّ لسَمْعِهِ سيان.. ها قد رَسَبَت رفيقتي في الامتحان.

عُنصُريّةٌ هي الأسواق، منشأ العَرَبةِ يُحدد قيمتها، وأنا لا أُميّز بين الصينية واليابانية، وتصدمني أسعار الألمانية، وأخشى من الكوريّة إن تَمَخّضت نَوَويًّا، أمّا الأمريكيّة فخامةٌ وتَرفٌ سريع التلف، تحرق وقودنا كنارٍ تلتهم الحطب، ولا عربيّةً في المكان أستبدلها بما كانَ.

بعيدًا عن الماديات، وداعًا يا رفيقة الدرب، فالمحاور والطرقات السريعة تفوق قُدراتكِ الهرِمة، «المِترو» يُناسبني شتاءً، و»أوبر» سيُسعفني صيفًا، أمّا «رفيق» فسأستنجد به عند الضيق، وسيمحو «مِطراش» عشرة أعوامٍ من ذكرياتٍ لا تقبل التجديد.

 

أخترنا لك
السياب ونازك الملائكة استهلا الحداثة العربية بقصيدتين عن الحب والكوليرا

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة