يقولُ رسولنا الكريم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»، من خلال هذا الحديث الشريف يتبين لنا أهمية تمني الخير للآخرين والفرح لنجاحاتهم، فالمدير الناجح هو من يَرى نجاحه في نجاح الآخرين، ويتشارك مع فريق العمل أسباب النجاح والفشل، لا ينسب النجاح لنفسه، ولا يعلق الفشل على أكتاف موظفيه، كون المدير الناجح، هو من يعتبر نفسه مسؤولًا، عن أعمال المؤسسة وعمالها في جميع أحوالها، سواء في حالة النجاح أو الفشل، أما المدير الفاشل فيعتبر نفسه سبب النجاح، ومَن معه سبب الفشل.
والمدير الناجح في يومنا هذا، هو من يترك لمرؤوسيه وموظفيه مساحة للإبداع بالعمل واتخاذ القرارات في حينها، من دون الرجوع إليه في كل صغيرة وكبيرة، فكلما أهّلت الموظف ووضعت له أطر الإبداع، استطعت خلق مدير ناجح قادر على دراسة الوضع واتخاذ القرار، ولن يتحققَ ذلك كله من دون أن يكون لدى المدير الناجح قناعة بقدرات الآخرين، وأنه لن ينجح من دونهم ومن غير دعمهم وإخلاصهم وتكاتفهم معه في كيان واحد.
بمعنى آخر، فإن المدير الناجح هو الذي يقوم بإلهام موظفيه والتعاون معهم لتحقيق أهداف المؤسسة للدرجة التي تكون علاقته بهم أشبه بكونها علاقة صداقة، ففريق العمل الجيد هو أساس المنظومة الإدارية، ومع ذلك لا بد أن نشير إلى أن كل هذه المُقومات، لا يمكن أن تعني استمرار النجاح لأن الفشل أمر وارد في مراحل مُتعددة باعتبار أننا في الآخر بشر والكمال لله سبحانه وتعالى وحده، ومن ثم فإن القدرة على استعادة الثقة، واستئناف العمل من جديد بعد التغلب على المعوقات، عناصر جوهرية في الإدارة الناجحة.
وفي اعتقادي الشخصي أن المُدير الذي يسعى للنجاح، يُدرك دائمًا وأبدًا أن بناء فريق عمل تتوفر فيه عناصر الكفاءة والانسجام والإخلاص هو أساس النجاح، وهو الذي ينسب النجاح للفريق وليس لنفسه، يقيم العمل والنجاح بمهنية عالية، لا يبالغ، يبدأ بالإيجابيات ثم يفتح المجال لنقاش حر موضوعي، يشعر فيه كل عضو بأجواء مُشجعة على إبداء الآراء والملاحظات والمُقترحات، فالمُدير الناجح يستقطب الكفاءات وليس الصداقات، وهذا لا يمنع من استقطاب صديق أو قريب بمعيار الكفاءة وليس بالمعيار الشخصي، والمدير المُميز يستطيع تشكيل فريق عمل يملك الرقابة الذاتية ولا يحتاج إلى مُتابعة ولا ينتظر التوجيهات.
ولا شك أن جزءًا كبيرًا من المسؤولية في العمل يُلقى على كاهل الرؤساء، فإن رئيس العمل عليه واجب مساعدة مرؤوسيه لتجنب التعرض للاحتراق الوظيفي، من خلال التحفيز المُستمر للموظفين بنوعيه المادي والمعنوي، وأيضًا من خلال استخدام استراتيجيات التدوير الوظيفي، لإتاحة المجال للموظف للتغيير والخروج عن الروتين، وبتمكينه من اكتساب خبرات جديدة في العمل، ومن خلال إعطاء الموظف شعورًا بأهميته وقيمة عمله وضخ دماء جديدة بالدوائر، هذا من شأنه رفع مستوى الأداء والرضا الوظيفي.
ومن الأمور المهمة أيضًا الاهتمام بالصحة المزاجية للموظف، وتوفير الرعاية النفسية له بشكل دوري، ومُساعدته على إعادة اكتشاف نفسه وقدراته الحقيقية وشغفه بالحياة، وتحقيق توازن الحياة الاجتماعية والترفيهية والعملية لديه، فضلًا عن تفعيل أدوار المُختصين والأطباء النفسيين في مقرات العمل، وتوفير الدعم المعرفي السلوكي والعلاج الدوائي لمن يعاني من اضطرابات المزاج، وبالتالي تجنّب الأمراض العضوية والاضطرابات النفسية التي تُداهم الموظفين، من خلال الاعتراف بالمشكلة ومعرفة الضغوطات التي يتعرض لها الموظف، سواء كانت داخل أو خارج مُحيط عمله، ومن ثم خلق التوازن بين الجهد المبذول من الموظف، والمردود الذي يحصل عليه في المُقابل لاستعادة التوازن الداخلي للموظف.
والله ولي التوفيق،،،
أستاذ الهيدروجيولوجيا والبيئة بجامعة قطر