????ـ علة وجود أبا الفضل العباس عليه السلام!
????- ️بقلم: نجاح بيعي
ـ قال أمير المؤمنين (ع) لأخيه عقيل: (انظر لي امرأة قد ولدتها
الفحولة من العرب لأتزوجها فتلد لي غلاما فارسا)(1). وفي خبر:
(لكي أصيب منها ولدا يكون شجاعاً وعضُداً ينصُرُ ولدي الحسين،
ويواسيه في طفِّ كربلاء)(2).
فقال له عقيل: تزوج يا أمير المؤمنين أم البنين الوحيدية
الكلابية, فانه ليس في العرب أشجع من آبائها، فتزوجها علي
(ع)...).
ـ أنّ في إعادة قراءة الرواية الآنفة الذكر, قراءة ثانية متأنيّة,
والنظر والتمعّن في آفاق مرامي طلب أمير المؤمنين (ع) من أخيه
(عقيل) في أمر التزويج, تتجلّى لنا أمور عدّة مُسبّبة لعلة مشورة
الأمام (ع) لأخيه عقيل منها :
1ــ أنّ مشورة الأمام (ع) لا تتعارض مع مقامه العلمي الفذ كوصي
لرسول الله (ص وآله), وهو القائل: (سلوني قبل أن تفقدوني) وهو
القائل أيضاً: ( لولا آية في كتاب الله, لأخبرتكم بما كان وبما
يكون وبما هو كائن, إلى يوم القيامة)(3), وإنما هو من باب التنزّل
والتواضع للأمّة والإقتداء به في طلب المشورة, وعدم الإستفراد
بالأمر, وهو أدب قرآنيّ جم, حيث ورد في كتاب الله العزيز: (وأمرهم
شورى بينهم)(4), وهو لحث الأمّة وإرشادهم وتعليمهم, نحو مزاولة
اتخاذ القرار, وإصابة للهدى المُفضي الى الرشد, وقد روي عن النبيّ
(ص واله) أنه قال: (ما من رجل شاور أحداً إلاّ هدى إلى
الرشد).
2- بيان لحكم شرعي انفرد به أمير المؤمنين (ع). فالإمام تزوج من
(أم البنين) بعد وفاة (فاطمة الزهراء) عليها السلام, لأنه لا يجوز
عليه الزواج من غيرها في حياتها (ع) بلحاظ عدم ترك الأولى. فلا
كـُفئَ لسيدة النساء فاطمة (ع) في حياتها إلاّ أمير المؤمنين عليّ
(ع) .
3ـ إشادة بطـُهر أم البنين (ع) وأنها من سلالة طاهرة, لأن مولوداً
بهذه الصفات (أبا الفضل العبّاس) لا يأتي الا من رحمٍ طاهر. ولا
غرو أن نراها تعلن وتجاهر بولائها لبيت النبوّة المتمثل بـ(دار)
أمير المؤمنين بعد وفاة رسول الله, وحينما دخلته بعد وفاة سيدة
النساء (ع), نراها ترفض أن تدخل البيت إلا (خادمة) عرفاناً منها
بمقام الزهراء (ع) أولاً, وبمقام أمير المؤمنين ثانيا ً وبمقام
الحسنين (ع) ثالثا ً. لذا خصّها الله تعالى بمقام شامخ وجعلها
باباً للحوائج, كما خصّ ولدها أبا الفضل العباس (ع) وجعله بابا ً
للحوائج وملجأً للمهمات لكل من قصده.
4- إشارة وتوجيه للأمّة بأنّه لو خلُصت النيّة عن إمرء ما بإصابة
وَلد دون البنت من هذا التزويج, سيكون كذلك بأذن الله تعالى. أو
إشارة بأنّ التي ولدتها الفحول (فاطمة الكلابية) لا تلد إلا
غلماناً بأذن الله .
5– إشارة الى أن هذا المولود سيكون قويّ الأيمان ثابت الجأش, وعلى
بصيرة من أمره, وأنه سيهتدي بالفطرة الى الحقّ ويعرفه, وسيستأنس
بالحق ويلازمه ولا يفترق عنه. وبالفعل عرف أبا الفضل العباس (ع)
الحق بالإمام الحسين (ع) منذ نعومة أظافره أماماً مفترض الطاعة
قبل أن يعرفه أخاً . وليس غريباً أن نراه على رأس تلك القلة
القليلة, عضداً للحسين (ع) في طفّ كربلاء حتى آخر قطرة من دمه
الطاهر (ع).
6- الكشف بما لا يقبل اللبس من أن الثورة الحسينية, قد جاءت وجرت
بتخطيط إلهي مسبق. بدليل الإخبار الغيبي الذي تضمّنته الرواية
وأشارت إلى إنّ ولده الحسين (ع) مقتول لا محالة بطفّ كربلاء
(ينصُرُ ولدي الحسين ويواسيه في طفِّ كربلاء). مع تحديد بما لا
يقبل اللبس والتوهم أيضاً القتلة والجُناة العُتاة الذين قتلوا
الإمام الحسين (ع), وهم بني أميّة اللعناء وعلى رأسهم (يزيد)
اللعين وقتل ذريته وسبي عياله. فأمر التزويج هذا كاشف عن فاجعة
عاشوراء الأليمة .
7– الهدفيّة .. فالزواج هنا ليست غاية في حدّ ذاتها, وإنما كانت
نيّة الأمام (ع) هدف يتضمّن عدة مطالب سامية ويكمن فيه نتيجة ذلك
التزويج, وتصب جميعها في سبيل الله. وهو أن يولد له غلاماً فارساً
ليكون بالتحديد عضُداً ينصرُ ولده الحسين (ع) وينصره في طفّ
كربلاء .
فكان للأمام أمير المؤمنين عليه السلام ما أراد. وحسبنا من نيّة
ما أجلها وأعظمها, لأن خلوص النيّة وتوجهها الى الله تعالى,
مشفوعة بمطلب سام واقع في سبيل الله, يَكشف ويُظهر مِن أنّ الإمام
الحسين (ع) ونصرته, كانت علّة وجود سيدنا ومقتدانا أبي الفضل
العباس عليه السلام .
ـــــــــــــــــ
ـ(1) عمدة الطالب ص ٣٥٧
ـ(2) أسرار الشهادات للدربندي ج2، ص497
ـ(3) بحار الأنوار ج 4
ـ(4) شورى 38
ـ المقال منشور على موقع كتابات في الميزان بتاريخ
11/5/2016م:
http://kitabat.biz/subject.php?id=78332