في 13/6/2014م السيد السّيستاني يهَبُ العراق الحياة ثانية..!

2020/11/04

في 13/6/2014م السيد السّيستاني يهَبُ العراق الحياة ثانية..!

 

ـ وهو من سلسلة المقالات المشاركة في (مسابقة أفضل مقال) ضمن فعاليات مهرجان فتوى الدفاع المقدسة الثالث, والذي أقيم تحت شعار (النصر منكم ولكم وإليكم وأنتم أهله)..

 

ـ بعد غزو العراق عام 2003م، تعرّضت الدولة العراقية الى انهيار تام لمقوماتها، فالاحتلال الذي قادته الولايات المتحدة الأميركية أحدث (فراغاً شاملاً) للدولة (هذا إذا أخذنا بنظر الاعتبار تعريف المقتضب للدولة هو: (شعب مستقر على إقليم معين وخاضع لسلطة سياسية معينة).

 لذا نرى أن بزوال النظام الديكتاتوري السابق وإطلاق يد (رئيس الإدارة المدنية) آنذاك مُمثلة بـ(بول بريمر) كحاكم مُطلق على العراق وشعبه, كان قد توقف العمل بدستور البلاد، وجُمّدت القوانين التي تنظم شؤونه, وسُلبت الإرادة الوطنية وصودرت السيادة بالكامل.

 وكانت المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف هي أول مَن تنبّهت الى خطورة الوضع القائم والى خطورة ضياع العراق بشعبه ومقدساته وتاريخه ومستقبله، فبَدأ قلقها الجدّي منذ بواكير انطلاق العملية السياسية عام 2006م ونلمسه بقولها وقتذاك: (لم يكن المنشود تغيير النظام الإستبدادي عن طريق الغزو والإحتلال, بما استتبع ذلك من مآس كثيرة، ومنها انهيار مقومات الدولة العراقية, وانعدام الأمن والإستقرار..).

فصار من السهولة جداً لسلطات الاحتلال لأن تتجرأ وتخطو خطوات كانت تهدف من ورائها ابتلاع (الدولة ومقوماتها) ككل من خلال إحكام قبضتها على أركانها المتمثلة بـ(السلطة والشعب والأرض)، فعمدت الى مُصادرة السلطة من خلال فرض (حكومة مُعينة)، وبالتالي لتتم الهيمنة على (الشعب) من خلال مُصادرتهم لإرادته (الوطنية) وذلك من خلال مُمارستهم لعملية سياسية ديمقراطية صورية, تضمن بقاء السلطة وتدويرها بأيدٍ (ضعيفة وغير ناضجة سياسياً) لا سبيل للشعب الى تغييرها أو تبديلها، وأما الأرض فهي أصلاً مُستباحة من قبل جنود الاحتلال..!

فما كان من المرجعية العليا إلا أن رفضت رفضاً قاطعاً واقع الاحتلال في العراق، والتزمت مناهضته انطلاقاً من موقعها الديني والإجتماعي, وذلك بسلوك نهج سلميّ حكيم، شكل فيما بعد مدرسة خاصة, وكانت بحق أحد فيوضات النجف الأشرف وابتدأتها المرجعية بقولها عام 2003م بـ(نشعر بقلق شديد تجاه أهدافهم ونرى ضرورة أن يفسحوا المجال للعراقيين بأن يحكموا أنفسهم بأنفسهم من دون تدخل أجنبي).

فمعالم تلك المدرسة ومعالم ذلك الرفض، تمثلت إجمالاً بدعوتها الى مقاومة الاحتلال بالطرق السلمية، وبرفضها أي إملاء يُصادر الارادة الوطنية كرفضها لوثيقة الدستور المؤقت، وبفرضها أن يُكتب الدستور العراقي بأيدٍ وطنية، وبفرضها أيضاً إجراء إنتخابات حرّة، وتشكيل حكومة منتخبة قادرة على مسك الأمن وفرض الاستقرار. وبالتالي يُفرض على الاحتلال مُغادرة البلد وإرجاع السيادة كاملة لشعبه، ودعوتها الصريحة الى إقامة نظام حكم مدني يسوده القانون، وكذلك برفضها مقابلة أيّ مسؤول من مسؤولي الاحتلال، ومطالبتها بعدم تدخل دول الجوار بشؤون العراق، والنأي برجل الدين عن الأمور السياسية والتنفيذية، ورفض تسنم مناصب في كليهما.

 نهج المرجعية العليا هذا كان قد انتشل العراق وشعبه من براثن العدو المُحتل، واستعاد (الدولة), عازمة في الوقت ذاته على استعادة مقوماتها المتصدعة, وتكون قد وهبت العراق الحياة وتنفس الصعداء.

من هنا أيقنت سلطات الاحتلال بعدم جدوى مُجابهة النجف (أي المرجعية العليا) أو بالأحرى عدم جدوى البقاء في العراق. وكان لزاماً فيما لو أرادوا ابتلاع الدولة وفرض هيمنتهم على العراق وشعبه من جديد, فما عليهم إلا بالتفكير ملياً بالخروج من العراق والعودة إليه من خلال أدوات احتلال جديدة وهذا ما حدث فعلاً؛ لأن من الطبيعي أن تكون تحركات النجف الأشرف وتوجهاتها, نحو تبني القضايا الوطنية الكبرى وصون العراق وسيادته أرضاً وشعباً ومُقدسات, لم تكن لترق لسلطات الإحتلال ولمَن يقف وراءه من الدول، خصوصاً وهم يرون مُخططاتهم تتهدم وتفشل تباعاً في العراق، ممّا حدا بهم الى التفكير جديّاً بابتداع طرق وأساليب جديدة لتحقيق الهدف ولو بعد حين..!

 مع الأخذ بالحسبان هذه المرة قوة النجف الأشرف (متمثلة بالمرجعية العليا)، فعمدوا الى استغلال الوضع العام الهش الذي عليه العراق ودول المنطقة والمتمثلة في التجاذبات الطائفية والعرقية والدينية التي تأخذ دائماً الطابع الدموي مع كل نزاع يحصل، خصوصاً بعد أن عصفت موجات التغيير بأغلب الدول ذات الأنظمة الشمولية في المنطقة والتي عُرفت حينها بـ(الربيع العربي)، حتى أنتجت مُختبرات الدول العظمى ذات الهيمنة العسكرية والإقتصادية والإعلامية في العالم, وبمعونة بعض الدول الإقليمية التي تتبعها وتدور في فلكها, ذلك العدو الهجين الشرس المُسمّى (داعـش) الذي لا يرقُب في المسلمين خاصة و(البشر) عامة إلّاً ولا ذمة, أينما اتجه وحلّ في الجهات الأربع للعالم..!

 فكان الدمار يسير من أمامه ومن خلفه ومن بين يديه، فهذا العدو القذر كان قد أخذ من الطائفية سمّها وإرهابها وإجرامها وطغيانها منطلقاً, فصار أعتى تنظيم ظلاميّ دمويّ يضرب شعوب المنطقة (الإسلامية) وغير الإسلامية في العصر الحديث.

 هذا التنظيم العدائي لا يقف عند مبدأ ما أو شريعة أو دين أو مذهب، فالجميع والجميع عنده مُستباح ومُباح، بما في ذلك (السلطة والشعب والأرض) لأيّ دولة كانت على سطح الكوكب، فحين انبثق قرنه في (سوريا)، كان قد أعلن عن دولته المسخ (الدولة الإسلامية في العراق والشام) بعد أن غزا العراق واستباح أربع محافظات منه في 10/6/ 2014م، وسقطت أكثر من 40% من أراضيه بأقل من (72) ساعة.

لو وضعنا جانباً كل الأصوات الزائفة والداعية الى مُحاربة هذا العدو الظلامي في العالم والمنطقة, وكذلك مَن هم في الداخل العراقي وأقصد الحكومة آنذاك ومِن قِبلها الطبقة السياسية، نرى أن العدو(داعـش) وبعد الغزو كان قد رفع عقيرته ونادى الى تحقيق هدفين اثنين في العراق هما:

- الزحف الى بغداد العاصمة (أي السلطة).

- والزحف الى مدن شيعيّة هي النجف وكربلاء (مركز الشيعة والتشيع في العراق والعالم.

 وهنا تكتمل الصورة باكتمال دائرة الأهداف لهذا العدو، وهو السيطرة على العراق كلية والقضاء على النجف الأشرف, باعتباره حجر أساس التشيّع بوجود قطبها (مرقد الإمام علي عليه السلام) ووجود المرجعية العليا، والقضاء على كربلاء المقدسة باعتبارها الرافد الحيوي الحيّ للشيعة والتشيع بوجود (مرقد الإمام الحسين عليه السلام).

 وهنا ظنت الدوائر العالمية والإقليمية, أن بإمكان هذا العدو (داعش) القضاء على قوّة المرجعية العليا وسحقها، وفسح الطريق لها بالسيطرة على العراق وإحكام الهيمنة عليه بالتدخل المباشر عسكرياً. وهم لا يعلمون بأن أسلحة النجف الأشرف لم ولن تنتهي على مرّ الزمان مهما بلغ شرّهم وإرهابهم ذروته وتعددت صوره.

فيقظة المرجعية العليا المتمثلة بالسيد السيستاني (دام ظله) واستشعارها للخطر العظيم المُحدق بالعراق وشعبه المتمثل بالعدو (داعـش) كان أساس فتوى الجهاد المُقدسة. حتى انطلقت في جمعة 14 شعبان 1435 هـ الموافق 13 حزيران 2014م. وتفاجأ العالم أجمع وصدمت الإدارة الأمريكية وإسرائيل وجميع الدول المتواطئة معهما, حيث لم يكن يخطر ببال أحد أن تصدر هكذا (فتوى) في هكذا ظرف عصيب يمر به العراق والمنطقة, ويتكون جيش عرمرم قوامه الملايين من المتطوعين العراقيين بأقل من (72) ساعة فقط، وتمّ إفشال مُخطط الهيمنة والاستعباد ثانية.

فكانت الدهشة والصدمة وخيبة الأمل والفشل للمخطط الجهنمي ودحر داعش, يكمن في الفقرة رقم (1) من نص الفتوى: (1- إنّ العراق وشعب العراق يواجه تحدّياً كبيراً وخطراً عظيماً، وإنّ الإرهابيين لا يستهدفون السيطرة على بعض المحافظات كنينوى وصلاح الدين فقط، بل صرّحوا بأنّهم يستهدفون جميع المحافظات، ولا سيّما بغداد وكربلاء المقدسة والنجف الأشرف، فهم يستهدفون كلّ العراقيين وفي جميع مناطقهم، ومن هنا فإنّ مسؤولية التصدي لهم ومقاتلتهم هي مسؤولية الجميع، ولا يختصّ بطائفةٍ دون أخرى أو بطرفٍ دون آخر).

 فهذه الفقرة العجيبة قد حدّدت الخطر وشخّصت العدو، وبيّنت هدفه وأعطت العلاج وهو قتاله بلا هوادة حتى النصر, ومن قبل جميع العراقيين بجميع مكوناتهم وطوائفهم وبلا استثناء. والجميع يعلم أن هذا الكلام لا سبيل آخر اليه إلا سبيل التطبيق العملي وبكل الإمكانيات مهما بلغ الثمن. وبهذا يكون السيد (السيستاني) قد وهب الحياة ثانية للعراق.

والأعجب من ذلك، هو استمرار الفتوى المُقدسة حيّة وفاعلة منذ أن انطلقت قبل أكثر من (4) أربع سنوات مع استمرار وجود الخطر. وهذا يُدلل على أن المرجعية العليا من اليقظة والصرامة, لا تتوانى في حفظ العراق وشعبه ومقدساته وعازمة على إفشال أي مُخطط آخر ممكن أن يظهر، وذلك ما جسدته الفقرة (أولاً) من خطبة النصر في26 ربيع الأول 1439هـ الموافق 15 كانون الأول 2017م:

 (أولاً: إن النصر على داعش لا يمثل نهاية المعركة مع الإرهاب والإرهابيين، بل إن هذه المعركة ستستمر وتتواصل ما دام هناك أناس قد ضُلّلوا فاعتنقوا الفكر المتطرف, الذي لا يقبل صاحبه بالتعايش السلمي مع الآخرين ممن يختلفون معه في الرأي والعقيدة، ولا يتورع عن الفتك بالمدنيين الأبرياء وسبي الأطفال والنساء وتدمير البلاد للوصول الى أهدافه الخبيثة..!).

أخترنا لك
الرقم الخامس

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف