ـ ننتصر لرسول الله (ص وآله) بالدفاع عن المرجعية الدينية العليا!
في خضم حملة الإساءات والسخرية بحق الإسلام والمسلمين ورموزهم الدينية الجارية في فرنسا مؤخرا ً, تعالت بعض الأصوات المغرضة التي تدعو المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف وتلزمها برد وموقف حول ذلك. وهي دعوة لا تقل إساءة وشناعة من موجة الإساءات (الفرنسية) تلك ذاتها. كما وهي دعوة لا أحسبها تخرج إلا مِن:
ـ جاهل أحمق غير مواكب لمواقف المرجعية العليا
ـ أو عالم مدرك لمواقف المرجعية العليا ومواكب لها وبالخصوص هذا الموضوع الحساس والخطير، ولكن ولإنطوائه على سريرة سوداء (ضالة ـ باغية) يريد بدعوته تلك أن يصرف الأذهان عن الهدف الرئيسي لغرض تحويل سهامه السامة وتوظيفها لضرب مقام المرجعية العليا المقدس, والنيل من قدسيتها وبالتالي ضرب التشيع, بحجة دفاعه وحرصة وتباكيه بدموع التماسيح على النبيّ الأكرم (ص وآله) والإسلام والمسلمين من تلك الإساءات.
ـ فحينما يقرء المُنصف ويُطالع مَن يمتلك ذرة مروءة عبارات من قبيل:
(سكتت النجف الأشرف، اختفى صوتها، لم تعد كما كانت، مع أن الزمان زمانها. ما الذي جرى في مدينتك يا أمير المؤمنين؟ هل انتهى عصر الآخوند الخراساني والميرزا الشيرازي والشيخ كاشف الغطاء والشهيدين الصدرين والسيد الخوئي؟ صمتٌ رهيب.. صمت مريب، لا خطبة ولا بيان، ففي النجف غرفة موصدة وحارس في رأسه ألف حساب)(1).
يخلص الى أن تلك العبارات لا يلفظها إلا قلم منفلت ومكابر, ولا يجود بها إلا فكر منحرف, ولا تخرج إلا من سريرة سوداء مريضة لكاتب شاذ بلا دين. وتصبّ وتصطف مع موجات الإساءات المتنوعة والمختلفة من شذاذ الآفاق بأشكالها المتكررة بحق المرجعية العليا منذ أكثر من (عقد ونصف) من الزمان. وليس ببعيد أن تثمر هذه الأجواء المسمومة (المسيئة) حتى نرى بين ظهرانينا رسومات ساخرة (بعد أن طرق سمعنا عبارات السخرية والإستهزاء) بحق مقام المرجعية الدينية المقدس ويتقبلها البعض بحجج واهية ويتم تبريرها تحت يافطة (حرية التعبير) الرائجة هذه الأيام. وما قامت به صحيفة (كيهان) وصحيفة (الشرق الأوسط) قبل مدة ليس ببعيد.
أما لماذا لا يوجد موقف أو رد من المرجعية العليا حول موجة الإساءات المتلاحقة بحق مقدسات المسلمين ورموزهم الدينية, والتي باشرها الرئيس الفرنسي (إيمانويل ماكرون) مشفوعا ً بالرسوم الكاريكاتورية الساخرة من مجلة (شارل ايبدو) المثيرة للجدل والفتن وما صاحبهما من موجة غضب مرتدة زهقت بها أرواح وسالت دماء بلا طائل فيرجع ذلك (ربما) الى عدة أسباب منها:
1ـ أن المرجعية العليا في النجف الأشرف هي أدرى وأعلم بـ(متى) تتخذ الموقف المناسب وترد، وبنفس الوقت هي أعلم بـ(متى) تسكت عن الرد وتحجم عن اتخاذ موقف ما, تقديرا ً للمصلحة العليا المرتبطة بجميع قضايا الأمة ومقدساتها.
2ـ أن المرجعية العليا في النجف الأشرف تسمع وتستمع من الجميع على اختلاف مكوناتهم وأديانهم ومذاهبهم ومشاربهم في مشارق الأرض ومغاربها, ولكن لا يُملى عليها قول أو فعل أو موقف قط, وتقدير ذلك راجع لها فقط.
3ـ أن المرجعية العليا في النجف الأشرف (مع لحاظ الرفض والإستنكار لأي إساءة للمقدسات تحت أي مُبرر) ليس طرفا ً في نزاع على قضية (سياسية ـ مجتمعية) داخلية لبلد أجنبيّ كـ(فرنسا), التي استشعرت السلطات الرسمية فيها بوجود خطر على (قيم الجمهورية) عندها ومكتسباتها, من إقامة (نظام) موازٍ لها من قبل ما يُعرف بـ(الإسلاميين) ذوي النزعة المتطرفة, الذين يعيشون بين أكثر من (10) ملايين مسلم في البلد, ومتهمين إياهم بتوظيف (الدين) للتشكيك بتلك (القيم). مما حدا بالرئيس الفرنسي بأن يُعلن رسميا ً التصدي لما أسماه بـ(النزعة الإسلامية الراديكالية). حتى تطور الأمر الى تقديم مشروع قانون حول (النزعة الإنفصالية) تلك الى مجلس الوزراء ليتم مناقشته في البرلمان الفرنسي في النصف الأول من عام 2021م. ونظراً لعدم توفر (الحكمة) عند الأطراف المختلفة حول هذه القضية, حدث ما حدث وكانت النتيجة مأساوية بجرح مشاعر الملايين من المسلمين وغيرهم, وسقوط ضحايا أبرياء ما جعلت فرنسا تعيش كابوس الإضطراب الداخلي الدموي, مما اضطر الرئيس الفرنسي الى التراجع عن تصريحاته وأبدى مرونة بإطلاق شعارات مثل (حرية الأديان) و(التعايش السلمي) وغير ذلك.
4ـ أن المرجعية العليا في النجف الأشرف مع مراعاة واحترام المسلمين كافة لجميع الأحكام والقوانين للبلدان الأجنبية التي يعيشون فيها. وأنزلت ذلك بمنزلة (العهد) الذي يجب على المسلم (المغترب) الوفاء به ما لم يكن (بطبيعة الحال) منافيا ً للشريعة الإسلامية المقدسة.
5ـ أن المرجعية العليا في النجف الأشرف قد اتخذت في وقت سابق موقفا ًحازما ًمن الإساءة للموجهة الى قدسية رسول الله (ص وآله) ويسري موقفها المتقدم ذاته على ما يرد من إساءات أخرى تالية عليه, والمسألة لا تحتاح الى أكثر من إلتفاتة من منصف يمتلك ضمير حي لا غير. ولأهمية موقف المرجعية العليا في النجف الأشرف حول الإساءة لقدسية رسول الله (ص وآله) والذي كان بتاريخ (1محرم 1427هـ الموافق 31/1/2006م) نورده نصا ً:
ـ(بسمه تعالى..
لقد بعث نبي الرحمة محمد بن عبد الله (ص) برسالة سماوية أطاحت برموز الكفر والشرك لترفع من شأن الإنسان وتجعله في مصاف الملائكة والأولياء. وشادت بالبلاغ الإلهي النبيل أشرف حضارة بشرية، إذ استولت على العقول والقلوب، بركيزة ودعامة فكر إنساني متكامل، عميق الرؤى، أنيق الأطر والمحتوى، بلا أدنى مائز وفارق. وبذل النبي الأكرم (ص) جهداً هائلاً لبناء أمة وعالم منعم بالعدل والرحمة والأمن والرخاء، متحرزاً في بلوغ الهدف عن قطرة دم تراق بغير حق، ولم يزل كذلك حتى قبضه الباري تبارك وتعالى إليه محموداً شامخاً. وللحق فقد رقى بها أشمخ فلل العز وأرساها على أرسخ مرافئ الفلاح.
ألا أن الفئة الضالة الباغية التي تأولت وتلاعبت بقيم الدين الحنيف ومضامينه المباركة قد حرّفت ثوابته وعاثت في الأرض ظلماً وفساداً، فانتهجت مساراً تكفيرياً أباح قتل النفس المحترمة التي حرم الله إلا بالحق، مما عكس صورة مشوهة قاتمة عن دين العدل والمحبة والأخاء، فاستغل المناوؤون هذه الثغرة الخطيرة لكي يبثوا سمومهم وينعشوا أحقادهم القديمة بأساليب وآليات جديدة. وكان آخرها هذه المحاولة اليائسة التي قامت بها بعض الصحف الدنماركية الرامية الى الإساءة الى قدسية النبي الاكرم (ص) ومنزلته الإلهية الرفيعة ، لكنها بلا أدنى ريب محاولة صاغرة وزبد زائل وخطاب آفل وقراءة خافتة لن تجد أذنا صاغية بإذنه تعالى.
واننا اذ نستنكر ونشجب بشدة هذه الخطوة الشنيعة ، ندعو أحرار العالم والأمة الإسلامية بعلمائها ومفكريها ومثقفيها الى التصدي لكافة الممارسات الدنيئة التي تنال من القيم الحقة والمبادئ السامية.
(يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) التوبة 32(2).
6ـ أن المرجعية العليا في النجف الأشرف ربما كانت تنتظر من الذين يدعون أنفسهم (أحرار) أو (علماء) أو (مفكرين) أو (مثقفين) ممن يُريدون رد وموقف (جديد) منها, أن يتصدون لكافة الممارسات الدنيئة وبشتى الأساليب وفي جميع المحافل (المحلية والإقليمية والدولية) التي تنال من قيمهم الحقة ومبادئهم السامية باعتبارهم مسلمين, والقائمة على قدم وساق وعلى مرأى ومسمع منهم ومن الجميع, إن لم يكونوا يشكلون جزء ً من تلك الحملات المُسيئة.
7ـ أن المرجعية العليا في النجف الأشرف (وبالرغم من ذلك) طالبت في تاريخ 14/9/2012م (الأمم المتحدة) جهارا ً نهارا ً, في معرض استنكارها للفيلم الذي أساء الى قدسية النبيّ الأكرم (ص وآله) بتشريع قانون (دولي) يُجرّم الإساءة الى الرموز الدينية المقدسة, مثلما بادرت و(شرعت قانوناً بتجريم معاداة السامية) معتبرة (حرية التعبير عن الرأي لا تبرر ابداً الإساءة الى الرموز الدينية المقدسة) لما في الأمر من آثار(خطيرة على التعايش السلمي الأهلي وتهدد الإستقرار والأمن لدى بعض الشعوب وتولد الضغائن بين أصحاب الأديان) لان تلك الإساءات والاعمال يمكن (أن تهدد مبدأ التعايش السلمي ومبدأ التسامح والإحترام بين أصحاب الديانات) والمسؤولية تقع على الأمم المتحدة كونها (المسؤولة عالمياً عن حفظ السلم والإستقرار بين الشعوب)(3).
ـــــــــــــــ
ـ(1) https://saleemalhasani.com/
ـ(2) https://www.sistani.org/arabic/statement/1493/
ـ(3) https://alkafeel.net//inspiredfriday/index.php?id=73