السلطان أولجايتو المغولي .. بمسجد النخيلة في الحلة
إن
تناول إحدى الشخصيات التاريخية المغمورة , ونفض ما علق عليها من
كدر السنين والنسيان , واستجلاء أبعادها , بإبراز حقيقتها كشخصية
فاعلة , ذات تأثير واضح , على أكثر من صعيد , ثقافي واجتماعي
وفكري وسياسي .
أو إظهار مَعـْلـَم من معالم بلدنا الحبيب , وتقديمه كصرح , يستحق
أن نفخر به كعراقيين , خصوصا إذا كان هذا الصرح , يحوي رفات نبياً
من الأنبياء , وخطت على أعتابه أقدام الأوصياء , كما جاست أركانه
الرحبة , الطغاة والجبابرة .
لا يعدو الأمر , إلا كمن عَثر على لـُـقطةٍ نفيسة , أو جوهرة
ثمينة , وراح صاحبها يبذل عليها من جهده ووقته , وعصارة فكره ,
ليخرجها تحفة نادرة , بعد أن أشبعها دراسة وتحقيقا , وجعلها بين
أيدي , ومتناول الجميع , من باحثين ودارسين , وشغوفين بحب بلدهم
العراق وتاريخه .
وهذا ما انبرى إليه الأخ د . سعد الحداد , بكتابه الأخير (
السلطان أولجايتو ـ ودوره في تجديد مسجد النخيلة التاريخي ) , عن
دار الكفيل للطباعة والنشر .
حيث أبرز بكتابه , عدة نقاط مهمة , كفيلة أن يقف عندها الباحث
والمتتبع , وجديرة أن تستجلب الإحترام . ومن هذه النقاط :
1 ـ إن السلطان غياث الدين محمد , الملقب بـ (أولجايتو ) وهي كلمة
مغولية معناها بالفارسي ( فرخنده ) أي : السلطان الكبير المبارك ـ
هو أحد أحفاد ـ هولاكوـ الذائع الصيت .
2 ـ أولجايتو أعلن تشيعه , واعتناقه المذهب الجعفري , حين ورد
بغداد عام 709 هـ , وأمر بذكر ونقش أسماء الأئمة الإثنيّ عشر (ع)
في خطب الجمعة , والسكة . وبات الفقه الشيعي يدرس في المدارس
.
3 ـ كان تشيعه , بفضل السيد تاج الدين الآوي نقيب نقباء العلويين
في الممالك بأسرها . الذي قتل هو ولديه , على شاطئ دجلة , بمؤامرة
حيكت ضده , بتواطؤ من قاضي الحنابلة آنذاك عام 711 هـ , حيث قطعوه
قطعا قطعا , وأكلوا لحمه ونتفوا شعره , وبيعت الطاقة من شعر لحيته
بدينار .
4 ـ للسلطان أولجايتو حكاية تاريخية ظريفة مع العلامة الحلي (
الشيخ جمال الدين أبو منصور الحسن بن سديد الأسدي الحلي ) في قضية
بطلان الطلاق ثلاثا المعروفة .
5 ـ ولمسجد النخيلة , ولما له من مكانة دينية وعقائدية سامية ,
فبالإضافة إلى كونه يضم مرقد النبي ذي الكفل (ع) وأصحابه , ومقام
الأمام علي (ع) , بشّر به الأمام الباقر (ع) , بأن الأمام المهدي
( عج ) يصلي به ركعتان لقدسيته " أي والله حتى ينتهي إلى مسجد
إبراهيم (ع) بالنخيلة , فيصلي فيه ركعتين .. " .
هذه الأسباب دفعت السلطان أوليجايتو أن يهتم ويرعى المسجد , ويصدر
أمره بالشروع ببناء هذا الصرح عام 703 هـ , لينتهي عام 716 هـ
.
6 ـ الكتاب يعد تحفة , وبالرغم من إيجازه , ألا إنه غني بالمعلومة
التاريخية والثقافية والدينية والفنية , وقد أعتمد الكاتب على
أكثر من ثلاثين مصدرا , ليستقي دراسته للمعلم الحضاري ( مسجد
النخيلة .
نشد على يد الكاتب , د . سعد الحداد , متمنين له التوفيق بدراسات
أخر وهو أهل لذلك , لرفد الساحة الثقافية العراقية على وجه العموم
, والحلية على وجه الخصوص , ما من شأنه أن يكون منارا ومفخرة نعتز
بها .